الطاحونة الحجرية وإدارة أزمة الغذاء في الأرياف: عايشت الحصبى والسلّ والجدري، وفيروس كورونا ينفض الغبار عنها مجددا

صوت الدوي الذي يسمع عند الوقوف بباب الدار يوحي بان سيدة المنزل قد نفضت الغبار عن طاحونة حجرية التي يفوق عمرها اليوم ال70 عاما،

« الرحى» التي كانت شاهدا أيضا على عديد الأوبئة السل والحصبى والجدري كتب لها أن تعيش أيضا محنة الكورونا.

«كانت دائما رفيقتي فيما سبق من الزمن واليوم هاهي لكنائني» تحدثت زينة اكثر من 90 سنة صاحبة الرحى تقول ان المرحوم زوجها أصر على بيعها لكنها منعته لأنها خبرت المحن وعايشت أزمنة صعبة كهذه التي نعيشها اليوم.
اذا كانت الرحى او الطاحونة الحجرية عوض المطاحن في المنازل في هذه القرية الصغيرة التي لم تنتظر تدخلات حكومية لتزويدها بمواد غذائية قد لا تأتي. دندنات النساء وهن تدورن الرحى هي خططهن لإدارة أزمة قد تطول او تقصر لكن دون ملل او ضجر او امتعاض. تصر جميع النسوة على ان ما يعايشونه ليس هامش من الحياة بل هو حياة كاملة مسيرة لا تنتهي وان لهن من العزيمة ما يسمح لهن بمواصلة النسق ذاته لأشهر اخرى.

«انتظرت أسبوع كاملا لعل شاحنة السميد تأتي لكن يئست ومادام الحل موجود فلن انتظر أكثر» تحدثت جميلة امرأة ذات 60 سنة. جميلة ليست لوحدها فكل جيرانها أيضا عادوا إلى الرحى التقليدية لسد حاجياتهم.
تزود هذه القرية في زمن الوباء الذي حاصر أهاليها اصبح صعبا فما استطاعوا له كسر وما استطاعوا المجازفة أيضا وهذه كانت أصعب الأمور عليهم فنحو 90 عائلة دون مواد غذائية أساسية وعليهم الاسراع في ايجاد مخرج من ازمتهم.

القمح الذي كان من حصاد السنة الماضية والذي لا يمكن لأي منزل أن يكون خاليا منه كان المنجد لهاته العائلات. «العولة» تشمل أيضا القمح اللين والصلب أيضا لكل عائلة مخزون يمكن ان يكون حل ظرفي.

كان لإحداث دائرة بلدية جديدة تشرف على هذا التجمع السكني و انتخاب مجلس بلدي أملا في بدايته الا انه ومع بداية تقييد الحركة يقول «عبد الرزاق» انه لا يمكن ان يتأمل احد من هذا المجلس البلدي ويجب ان نتصرف في كيفية إدارة شؤوننا دون انتظارهم. من جهته أصر رئيس البلدية على انه يعمل ليلا نهارا وانه يشرف بنفسه على توزيع المواد الغذائية لكن بعد أسبوعين تم توزيع نحو 5 كلغ من السميد على العائلات وهي كمية لا تكفي لأسبوع لهذا كانت الطاحونة الحجرية حلا لازمة قد تطول في تلك الربوع.

وعلى الرغم من أن الأرياف عادة لا توجد بها مخابز إلا أن تزويدها بالسميد الذي يعد المادة الأهم في ظروف تقييد التنقل كان متأخرا.

«هو استعراض فقط» هكذا تحدث البعض في ذلك المساء الذي شهد زيارة لنحو 7 سيارات قيل أنها تحمل مساعدات للعائلات محدودة الدخل . لم تدم زيارة هذه الشاحنات والسيارات أكثر من 10 دقائق. زيارة خاطفة تم خلالها تقديم كيس يحتوى بعض المواد الغذائية لعائلتين.
على امتداد أسابيع تمكنت هاته العائلات أيضا من شراء الخضر ونوع وحيد من الغلال (البرتقال) والدجاج فقد أتى بعض التجار إلى هذا التجمع السكني. الحياة تستمر ببطء لكن دون توقف دون انتظار دون طوابير المخابز وتزاحم المساحات الكبرى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115