بالثلاثي الرابع من سنة 2018 حسب ما اعلن عنه امس المعهد الوطني للإحصاء في بياناته الرسمية وهو رقم تحدث عنه في وقت سابق العديد من الخبراء وكان متوقعا في جزء كبير منه بالرجوع الى العديد من المعطيات والمؤشرات الاقتصادية التي يحكمها الوقت الراهن والظرف الدقيق الذي تعيشة البلاد بين ارتفاعات وتراجعات غير مستقرة لم تحدد بعد ساعة انطلاق الانتعاشة الاقتصادية المنتظرة.
تحدثت الحكومة في وقت سابق عن تعافي النمو الاقتصادي وعودة المؤشرات المطمأنة وفي المقابل قال عنها فاعلون في الشأن الاقتصادي انها لم تكن مؤشرات مبنية على محركات اساسية ورافعات تخلق الانتعاش على المدى الطويل مثل الاستثمار الخاص والعمومي خاصة مقابل ارتفاع النفقات اذ مع بداية كل سنة جديدة وسن قانون مالية جديد يتم الاعلان عن ميزانية التنمية ولا يتم تحصيلها بسبب ارتفاع النفقات العمومية حيث تكون الموارد اقل من التطلعات ويتم الترقيع بالمديونية مع غياب الاستثمار الخاص الذي تراجع الى 10 % من الناتج المحلي الخاص مقابل 21 % قبل الثورة بسبب عدم الاستقرار السياسي. هذا بالإضافة الى تواتر الاحكام الجبائية التي ترهب المستثمر اذا ما تزامنت مع الارتفاع المشط في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي التي بدأت تعطي مفعولها على مستوى الاستثمار اذ انتقل من مارس 2017 الى مارس 2019 من 4.25 % الى 7.75 % أي بزيادة قدرت بـ 350 نقطة على مستوى القاعدة وهي زيادة مشطة لم تحدث في تاريخ تونس وهو ما كان بمثابة الصدمة الاقتصادية الكبرى لان المتعارف عليه ان تتحرك الزيادة بنسبة 20 او 50 او 100 نقطة على اقصى تقدير غير انها وفي سنتين فقط تحركت ب 350 نقطة وهو ما اعتبره الخبراء امرا غير معقول وهو ما تسبب مباشرة في تراجع في الاستثمار ونوايا الاستثمار وتعطيل عجلة النمو.
تراجع النمو
اكد المعهد الوطني للإحصاء في تقريره امس ان القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية خلال الثلاثي الاول من سنة 2019 شهدت تراجعا بنسبة 0.6 % مقارنة مع الفترة ذاتها من سنة 2018 .ويعود هذا الانخفاض أساسا الى تراجع الناتج في قطاع الصناعات الفلاحية والغذائية بنسبة 9.6 % و اذا تعمقنا في قراءة هذه الارقام نلاحظ انه وحتى الصناعات المعملية وخاصة الصناعات الغذائية التي كانت في وقت سابق محركا للنمو اصبحت بدورها تعاني من تراجع في النمو مع تراجع الانتاج الطاقي والمنجمي وبالنسبة للإنتاج الفلاحي الذي كان محركا اساسيا للنمو تراجع بدوره خاصة بفعل تراجع زيت الزيتون الذي يعاني بدوره من صعوبات كبيرة افرزتها التحديات التي يواجهها والتي قال ناشطون في القطاع الفلاحي انها قد تتسبب وعلى امتداد خمس سنوات مقبلة في تراجع خاصة مع ارتفاع كلفة الانتاج وعدم قدرة بعض المنتجين على مواجهتها اضافة الى التراجع الملحوظ في اسعار الزيت بسبب تراجع أسعار الزيت محليا ودوليا.
غياب الاصلاحات
في غياب الاصلاحات والبرامج التنموية والاستثمارات العمومية والمشاريع الكبرى وفي ظل ما يتم تداوله بين الخبراء والمقربين من البنك المركزي من إمكانية زيادة أخرى في الفائدة المديرية والزيادة المعلنة في سعر المحروقات المبرمجة في شهر جوان فان نسبة النمو المتوقعة في الثلاثية الثانية وعموم السداسية الاولى سيتراجع بطريقة ملحوظة مقارنة بالسنة الفارطة وبما ان السداسية الثانية سيتم التركيز فيها كليا على الانتخابات فربما ستتعطل اكثر عملية الاصلاح وسيكون هناك تراجع متواصل على مدى السنة والتداعيات الخطيرة ستكون على مستوى المديونية التي تتفاقم تدريجيا وحسب ما ضبطه قانون المالية لسنة 2019 فان تونس مطالبة بتوفير 9.4 مليار دينار خدمات دين يعني اصل الدين والفائدة وتوفير 10 مليار دينار قروض جديدة مبرمجة في 2019 فان ضعف النمو الاقتصادي سيوفر مداخيل اقل وبذلك تتأثر قدرة البلاد على ارجاع القروض من هنا الى اخر 2019 وخاصة 2020
من جهته ينبه البنك المركزي الى خطورة شح السيولة الذي يتأتى بالأساس من اقتراض الحكومة لتعبئة مواردها من البنوك عن طريق سندات الخزينة بالإضافة الى اخطبوط الاقتصاد الموازي والتحتي الذي يمتص السيولة وهو ما يدفعنا الى الاستنتاج انه من جهة فان ضعف النمو يؤثر على مداخيل الحكومة ومن جهة اخرى ينبه البنك الى خطورة المواصلة في اصدار سندات الخزينة وسياسة الاقتراض وهنا يطرح السؤال حول كيف ستمول الحكومة حاجياتها مع غياب الموارد المنتجة للنمو وتحذيرات البنك المركزي في تنبؤ بأزمة جديدة على مستوى التمويل العمومي والمحافظة على التوازنات المالية العامة.
الاصلاحات المطلوبة
النمو المطلوب والانتعاشة الاقتصادية المنشودة هي بالأساس رهينة اصلاحات مطلوب تنفيذها مهما كانت الظروف السياسية خاصة الاصلاح الجبائي واصلاح منظومة الدعم واصلاح الوظيفة العمومية واصلاح المؤسسات العمومية و منظومة الصناديق الاجتماعية بالاضافة الى ضرورة اعطاء مؤشرات ايجابية وطمأنة المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين من خلال تحكم اكثر وتفادي زيادات اخرى على مستوى نسبة الفائدة المديرية وفي الوقت نفسه التقليص من نسبة الضغط الجبائي والتحكم اكثر في النفقات العمومية وخاصة العمل الجدي على الحد من استفحال الاقتصاد الموازي والتحتي امام اجماع الخبراء على غياب القرارات الجدية التي تحد من الاقتصاد الموازي والتراخي الكبير في التعامل مع هذا الملف الحارق.