في المنظومة الاقتصادية وضرورة إيجاد التشريعات الملائمة لحمايته إزاء واقع سلوكي يشهد تطورا بإستمرار مدفوعا ببروز أدوات تقنية وتكنولوجية شرائية جديدة،الأمر الذي يستوجب إيجاد وعاء قانوني يضمن حماية حقوق المستهلك بصرف النظر عن التطورات التي تطرأ على عاداته الاستهلاكية ،في تونس يعمل المجتمع المدني على توفير أطر تعزز حماية المستهلك لكنها تصطدم بنقص التشريعات المنظمة من جهة وضعف الإمكانات المالية من جهة ثانية .
تحتفل تونس اليوم بصفة إستثنائية باليوم العالمي للمستهلك بتأخير ب4 أيام عن الموعد الرسمي لإحياء المناسبة المحدد ب15 مارس وبصرف النظر عن أسباب التأجيل ،فإن تنظيم الملتقى يعد مناسبة لتقييم واقع حماية المستهلك في تونس لاسيما أمام كثرة الممارسات المخلة بحقوق المستهلك من غش وتلاعب بالصحة وبالأسعار وغيرها من التجاوزات، فمن جهة منظمة الدفاع عن المستهلك، عبر رئيسها سليم سعد الله في تصريح لـ«المغرب» بقوله أن المنظمة تعمل منذ نحو 30 سنة على مواجهة التجاوزات التي تمس من حقوق المستهلك بشتى أنواعها لكن ضعف التشريعات الموجودة حاليا يحد من قدرة المنظمة على مجابهة جزء كبير من الممارسات التجارية التي لا تحترم حقوق المستهلك وتتلاعب بصحته وتهدد مقدرته الشرائية.
ويتجلى ضعف التشريعات حسب سعد الله في غياب التشهير الذي يمنح الكثير من المتجاوزين غير المحالين على القضاء فرص التمادي و تكرار الممارسات الانتهازية ويمكن الاستشهاد في هذا الإطار بعمل رقابي لمصالح وزارة التجارة في أكتوبر المنقضي انتهى بحجز 20 طنا من الطماطم والهريسة المعلبة منتهية الصلوحية بعضها منذ سنة 2015، كان ينوي صاحبها إعادة تسويقها ومع ذلك لم يقع التشهير بإسم الماركة، كما حجز حوالي 2500 علبة من العسل بإحدى المساحات التجارية الكبرى أثبتت التحاليل أنه لا صلة لها بالعسل ومع ذلك لم يقع التشهير لا بإسم الماركة ولا بالمساحة التجارية التي تقوم ببيع المنتوج ومثل هذه الممارسات كثير ويصعب حصره.
تطبيقات إعلامية لتسهيل تقديم الشكاوى
وشدد سعد الله على دور المنظمة في تكريس ثقافة حماية المستهلك في تونس وذلك من خلال تطوير آليات عملها بالاستناد إلى تطبيقات إعلامية تساهم في تسهيل عملية التواصل بين المستهلك والمنظمة، بحيث يمكن للمستهلك تقديم شكوى في حال تعرض إلى عملية غش أو ماشابه ذلك وتقوم المنظمة بدورها بنقل الشكوى إلى مصالح الرقابة بوزارتي الصحة والتجارة.
ويعيش واقع حماية المستهلك في تونس وسط ظرفية صعبة دفع المنظمة إلى دق ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة وفقا لسعد الله ،فرغم العمل الرقابي الذي تقوم به الهياكل الرقابية من مختلف أجهزة الدولة فإن ذلك يبقى منقوصا نتيجة ضعف الموارد البشرية المخصصة لذلك والتي تواجه «توسنامي» من التجاوزات اليومية في كامل أنحاء الجمهورية حسب محدثنا.
كما أن حماية المستهلك لم تعد تقتصر على معاملات تجارية على أرض الواقع فقط، فالتعاملات أصبحت مماثلة على الصعيد الرقمي بما من شأنه أن يزيد من صعوبة العمل الرقابي نتيجة «هامشية «عدد كبير من المواقع التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي أو على الانترنيت ويتعرض المستهلك إلى عمليات احتيال وغش وتصل أحيانا إلى هلاكه «مثل :حادثة وفاة الفتاة البالغة من العمر 20 سنة 11 مارس الجاري بمنطقة الغابات التابعة لولاية القيروان بسبّب تسمّم ناتج عن تناولها «دواء تخسيس (ريجيم)»اقتنته عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك»أثناء تعاملها مع مواقع تجارية «مشبوهة « .
إصدار شعار يضبط المواقع التجارية الموثوق بها
ولم يخف سعد الله تواجد عدد مهم من صفحات التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تمارس نشاطا تجاريا بعيدا عن أعين الرقابة ما دفع المنظمة إلى العمل على توفير أطر تساعد على تنظيم هذا النشاط ،حيث تستعد منظمة الدفاع عن المستهلك بالتعاون مع المعهد الوطني للاستهلاك والغرفة النقابية للتجارة الإلكترونية والبيع لإصدار شعار أوملصق سيكون متوفرا على المواقع الإلكترونية التجارية القانونية خلال موفى شهر أفريل،سيكون هذا الملصق بمثابة دليل على قانونية الموقع واستجابته للمواصفات التي تسمح للمستهلك بالوثوق به و التعامل معه.
وإنتقد سعد الله ضعف التمويلات المقدمة من طرف الدولة والتي لا تكفي لإيجاد الوسائل الكافية من أجل نشاط المنظمة بالشكل اللازم لاسيما على الصعيد الجهوي والمحلي وهو مادفع المنظمة إلى اللجوء إلى إجراء إتفاقيات من أجل قيام المنظمة بمهامها على غرار الاتفاقية التي وقع إمضاؤها مع جامعة وكالات الأسفار والسياحة في جانفي المنقضي ،إتفاقية تقضي بإعداد ملصقات حائطية تحمل شعارات الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة و منظمة الدفاع عن المستهلك ستتولى وكالات الأسفار إلصاقها سنويا بكافة الوكالات المنضوية تحتها حتى تكون دليلا للحريف في اختياره للوكالة و تجنبه ممارسات غير نزيهة من قبل بعض الوسطاء بالقطاع.
في ضرورة تحيين القوانين المجمدة
من جهته اعتبر رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي في تصريح لـ «المغرب» بأن واقع حماية المستهلك في تونس يعد الأسوأ بين مختلف الدول التي لديها قوانين حماية المستهلك ،فالقوانين التي تضمن حماية المستهلك في تونس باتت عاجزة عن مجاراة التطورات السلوكية فبعضها لم يقع تحيينه منذ 20 سنة ،كما يوجد عدد من القوانين المهجورة والتي لا يقع تطبيقها على غرار توظيف معلوم مادي على 14 خدمة بنكية هي وفق قانون البنك المركزي في الأصل مجانية .
وتحدث الرياحي عن عدم إحترام القانون في عدد من الأنشطة التجارية التي تهدد صحة المستهلك ،فالتونسي لا يعلم مصادر الخضروات أو الغلال التي يقتنيها فجميعها لا تحمل أي علامات تتضمن المعلومات الأساسية التي من شأنها أن تضمن حق المستهلك في مادة صحية وخاصة في قطاع اللحوم وهنا نستحضر(التصريح الإذاعي لعميد البياطرة حمد رجب يوم 9 مارس الجاري بأن كل المسالخ في البلاد لا تستجيب لشروط الصحة والسلامة)،فضلا عن ذلك فالساحة التجارية تشهد تغلغلا للإشهار الكاذب خاصة في مواسم التخفيضات «الصولد» في مايخص الملابس الجاهزة والتخفيضات التي تجريها المغازات الكبرى.
ولفت المتحدث إلى أن حماية المستهلك في تونس لا تقف عند الإشهار الكاذب فقط، فالأسواق المحلية اليوم أصبحت حاضنة لسلع صينية وتركية أغلبها ذات جودة متدنية حتى أن المنتجات المقلدة والمهربة أصبحت تخصص لها أسواق ،فالمستهلك اليوم يقع فريسة سياسات السوق غير المنضبطة وغير خاضعة لضوابط واضحة فهناك مجال واسع لإستيراد عدد هائل من البضائع التي لا تخضع للمقاييس الصحية أوالسعرية.
وتحدث الرياحي عن منع استيراد بضائع تضرب المنتج المحلي ،الأمر الذي يستدعي تشديد الرقابة من أجل حماية المستهلك والحفاظ على صحته مثل ما وجب وضع حد لسقف إرتفاع الأسعار والممارسات الاحتكارية التي باتت تهدد المقدرة الشرائية للمستهلك.
نحو مراجعة المنظومة القانونية لحماية المستهلك
وفي سياق متصل قال مدير إدارة الرقابة والجودة بوزارة التجارة كمال بوحديدة في تصريح لـ«المغرب» أن المنظومة القانونية لحماية المستهلك بصدد المراجعة خاصة على المستوى التشريعي والترتيبي ،ففي ما يتعلق بالجانب التشريعي وفي مايرتبط بقانون حماية المستهلك فقد إنبثق عنه قانون السلامة الصحية للأغذية والذي وقعت المصادقة عليه مؤخرا من طرف مجلس النواب وسيهتم القانون بالجانب الصحي للأغذية المقدمة للإنسان وللحيوان.
ويحمل هذا القانون آليات ومبادئ جديدة ستتماشى مع المفاهيم الدولية على غرار إدارة التصرف في المخاطر والإعلام بها و تكريس مبدإ الجودة الدائمة والشاملة وإحداث شبكة الإنذار المبكر للحد من التأثيرات السلبية للمنتجات التي تشكل خطرا على صحة المستهلك وتستهدف هذه الآليات الترفيع من مستوى حماية المستهلك من المخاطر الصحية المرتبطة بالمواد
الغذائية حسب ما أفاد به بوحديدة.
وينص القانون أيضا على إحداث هياكل جديدة تعنى بالمراقبة والتصرف في السلامة الصحية للأغذية، حيث سيقع تكوين هيكل يقيم مخاطر الأغذية.
ويتنزل هذا القانون في إطار جهود الدولة لحماية المستهلك وتحديث الإطار القانوني المنظم لحماية المستهلك بما يجعل من هذه التشريعات في منزلة التشريعات الدولية .
أما على المستوى الفني الترتيبي ،فقد تحدث بوحديدة عن عمل الفرق المشتركة لوزارات الفلاحة والصحة والتجارة والصناعة تعمل على تحديث النصوص الترتيبية القديمة ومراجعتها في إتجاه مواكبة مستجدات القطاعات من جهة وضمان صحة المستهلك وسلامته من جهة ثانية ،حيث يقع الإعداد لمشاريع نصوص ترتيبية في قطاعات النسيج ،الأحذية ،مواد التجميل وستضمن هذه المشاريع إدراج تراتيب فنية ستسهل التجارة الدولية العامة باعتبارها ستضمن مستوى عاليا من المواصفات والمعايير المعمول بها في العالم .