الوضع الاقتصادي للبلاد في ضوء التوقعات التي رسمتها الحكومة للسنة الجديدة والتي أكدت بأنها سنة القطع مع ما ألفته البلاد من تواضع في النتائج الاقتصادية وتواضع نسب النمو التي لم تمكن من تحقيق المآلات المرجوة منها للحد من التضخم أولا وتوفير الشغل لطالبيه ثانيا وتحقيق الرخاء ثالثا.
لا شك أن التوقعات الأولية للثلاثية سوف لن تكون مخيبة للآمال لكنها أيضا سوف لن تكون في حجم الإنتظارات منها خاصة وأن قطاعات حيوية ما تزال رهن التقلبات الاجتماعية وبخاصة مطلبية النقابات التي لا تكل ولم تخفف ، خاصة في قطاع الفسفاط الذي تهاوى إلى درجة لم يعرفها طوال تاريخه وهو ما كان له الأثر السيئ على ميزان المدفوعات للبلاد في ضوء تزايد الطلب على الطاقة ، كذلك قطاع الصناعات الغذائية هو الآخر في تقلص نظرا لتراجع صادرات الزيت الذي كان له الفضل في السنتين أو الثلاث الأخيرة في ضخ عائد مهم من العملة الصعبة لميزانية الدولة ، مكنت من تعديل الميزان التجاري وإن بشكل طفيف.
ويبقى القطاع السياحي الذي عاد إلى سالف عهده و مواصلة دوره الريادي في ضخ العملة الأجنبية داخل الاقتصاد الوطني وبكميات معتبرة قد تخفف شيئا ما الضغط على الميزان التجاري خاصة وان المؤشرات تؤكد جودة الموسم بكل المقاييس.
ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى التوقعات الجيدة لعدد من المؤسسات والشخصيات الهامة في العالم للإقتصاد الوطني ونسب النمو المنتظرة هذا العام، من بينهم فيليب دي فونتين فيف كروتاز « Philippe de Fontaine Vive Curtaz»، النائب الفخري الرئيس لبنك الاستثمار الأوروبي، والمستشار لدى شركة الاستشارات الإستراتيجية» Oliver Wyman»، الذي أكد خلال مائدة الحوار انتظمت بباريس قبل مدة من قبل نادي إفريقيا للصحافة بباريس حول موضوع « ريادة الأعمال في أفريقيا: مزايا تونس في هذا القطاع» بحضور نخبة هامة من الفاعلين الاقتصاديين و الباحثين من تونس وفرنسا وإفريقيا ، أن تونس بإمكانها في السنوات العشر القادمة أن تدخل دورة تطوير بمتوسط نمو يزيد عن 4 % سنوياً ، شريطة أن يتم إطلاق الطاقات والاستثمار في القطاعات الواعدة، على غرار تكنولوجيات الاتصال والتعليم العالي والصحة والطاقات المتجددة بالإضافة إلى صناعة معملية ذات قيمة مضافة.
وأضاف الخبير أنه على الرغم من الصعوبات الحالية في تونس ، فإنه يمكن انتظار مفاجآت جيدة في وقت قريب ، وعلى المستثمرين الاهتمام بالوجهة ، ذلك أن السمة المميزة للبلاد عبورها من دورات ذات عقود سمحت بتحقيق نمو يزيد عن 8 % سنويا في الفترة الأولى من سنوات الاستقلال ،وأخرى مكنت من بلوغ معدل نمو بـ 4.3 % سنوياً. مشددا على أهمية توفير الحلم للمستثمرين خاصة إذا كنت على حدود أوروبا التي يمكنها أن توفر نمواً مستداماً.
ولم يغفل»كروتاز» في ذات السياق فترة التأهيل الصناعي التي ما تزال تونس تعيش على وقعها منذ عام 1995 حيث رافقها حراك اجتماعي نتيجة أزمات تكاد تكون متشابهة كل عشر سنوات ،مبرزا الشكوك في جدوى المنوال الاقتصادي للتنمية ، ذلك أن تحرير الاقتصاد التونسي ، لم يصاحبه إطلاقًا تحرر اقتصادي ، داعيا الفاعلين الاقتصاديين على المبادرة ببرنامج التحرر الاقتصادي في استحقاقات هذه السنة لكسر الحلقة المفرغة للعجز في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة، والزيادة في الدين العام ، مع العمل على الحد من الانهيار الكبير للدينار الذي يزيد من حجم المصاعب الأخرى .
وختم الخبير بالتأكيد على أن إطلاق الطاقات في تونس قادر على صنع معجزة اقتصادية جديدة لعشر سنوات جيدة، وتحقيق نمو قد يفوق 4 %، شريطة الاستثمار في قطاعات واعدة ، بما في ذلك الصحة.