حلقات نقاش تمحورت حول حقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد والأزمة الخانقة التي تمر بها والرد الجريء الذي توجه به الوزير الى بعض النواب ممن اتهموه بتهم خطيرة من شانها ان تمس من كرامته ومن هيبة دولة اختارته من بين عشرات المترشحين التي تقدمت اسماؤهم. ما الذي اثار الجدل بهذه الحدة ؟ هل ان طريقة رد الوزير هي التي اججت نقاط الاستفهام ام ان الارقام التي صرح بها وتقديمه للوضع الاقتصادي وشرح المؤشرات كانت الصعقة الكهربائية التي بينت وضعية البلاد الكارثية وتسبب في هذا الجدل ؟؟
من في البلاد من اقصاها الى ادناها لا يدرك ان البلاد قاب قوسين أو أدنى من الافلاس؟ من لا يعلم ان السياسة النقدية والتجاذبات السياسية التي دخلت فيها البلاد منذ فترة ما بعد الثورة لم تكن ناجحة بالقدر الذي يخرج البلاد من ازمة اقتصادية الى غد افضل بكثير ويقفز بها من مؤشرات سالبة الى اخرى أكثر تفاؤلا وايجابية؟ من لا يعلم علم اليقين ان السياسة التي اتبعتها البلاد في الاجور وطريقة وتوقيت طرحها ساهمت بصورة نسبية في تداخل بعض الامور؟ ومن لا يدرك ان الاموال الطائلة التي صرفت زمن الترويكا في التعويضات وغنيمة العفو التشريعي العام لم تكن سببا في اهتزاز التوازنات المالية في البلاد واحتقان البعض تجاه البعض الاخر وتوجيه اصابع الاتهام الى مجموعة دون اخرى؟ من يجهل ايضا حتى وان كان عهده بالمتابعة السياسية والاقتصادية قريبا بأن الحزب الحاكم فشل في ادارة نسق استرجاع نمو البلاد وغرق في تجاذبات داخلية صدعت هيكله الداخلي واثرت على صورة البلاد وثقة الشعب في الحاكم والإدارة؟
لئن أشار وزير المالية إلى أن اتفاقية القرض المبرمة مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 500 مليون يورو ستمكّن الدولة من خلاص أجور شهري أوت وسبتمبر المقبلين وأن كتلة الأجور بلغت حتّى الآن 15 مليار دينار وهي مرشحة للتطور بعد أن كانت في حدود 6.7 مليار دينار، فان الحقائق الاخرى اكثر من ذلك بكثير ولا أحد يجهل بان الحكومة تجد صعوبة في الخروج من الوضع الحالي بسبب العديد من الضغوطات والاحتجاجات وتعطيل حركة الانتاج منذ الثورة إلى اليوم؟ من يجهل أيضا ان تونس فقدت أسواقها الخارجية في العديد من المنتجات التي تراجع نسق تصديرها بسبب الإضرابات على غرار الفسفاط وغيرها ؟ من يجهل ان المداخيل لا تغطي قيمة الأجور والديون ونفقات التصرف والدعم الغذائي الذي بلغ 1600 مليون دينار والطاقي 1700 دفعت بالدولة إلى التوجه نحو السوق العالمية للتداين ؟ هل ننتظر نائبا يستفز الوزير ليخرج عن صمته ويكشف الحقائق كاملة امام الجميع ويكشف النقاب عن ارقام ومؤشرات يحاول البعض اخفاءها ليواصل الشعب غيبوبته ونومه السرمدي فلا يستفيق إلا وقد رماه الموج في اعماق بحور غائرة فريسة للحوت الجائع ؟؟ من يجهل اننا نعاني من اختلال توازن هيكلي وتنظيمي القى بظلاله على العديد من القطاعات الحيوية في البلاد فاغرقها في ازمة خانقة لا احد بإمكانه التنبؤ بساعة انفراجها ؟؟ من ينكر ايضا أنّ الوضعية المالية سنة 2017 صعبة ودقيقة جدا وأن إمكانيات البلاد محدودة للغاية، وان الخروج من نسبة نمو سالبة يتطلب قرارات موجعة وقبضة من حديد وارادة صلبة وان التجاء الدولة الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سيكلفها الكثير.
هل كانت تصريحات وزير المالية الجريئة سببا في توقف البعض عند المؤشرات السلبية والحديث عن بداية ازمة فعلية وسبل الخروج منها ؟ ان كان ذلك فعلا هو السبب فان البلاد غرقت منذ ما بعد الثورة والسيناريو اليوناني على الابواب وسيصبح عصيا حتى ابتلاع الماء بلا دواء ؟ وان كانت تصريحاته ورده العنيف على اتهامات
بعض النواب وغياب مبرراتها هي التي اثارت هذا الجدل فقد سئم الشعب الاتهامات المتواصلة بسبب وبلا سبب وغالبا اتهامات لا ترافقها مؤيدات والبلاد تغرق وريدا رويدا في وحل الديون والأباطرة يلتهمون كعكة الحلوى بامتياز.
لقد سئم الشعب رقصة الدراويش التي أسسها جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر الميلادي والغرق في خمرة الضياع التي اسست لمنوال مجتمعي ازداد بسببه الفقير فقرا والغني غنى وبرزت طبقات جديدة تقضي على الطبقة المتوسطة في البلاد وتشرع لصراع طبقي وحقد مجتمعي في شكل جديد. البلاد ليست في حاجة الى عروض مسرحية فاشلة واحباط للعزائم، بقدر ما تحتاج إلى وقفة حازمة وقرارات حاسمة بعيدا عن الشعبوية الغارقة في نجس الوعود الانتخابية. كل من بيده ملف بمؤيدات قاطعة يتهم فيه أطرافا بعينها عليه التوجه الى القضاء بلا لوحات شو ومسرحيات سيئة الإخراج...
البينة على من ادعى... وتغيير المنوال التنموي المعمول به حاليا اصبح مطلبا ملحا.