لو تقيمون مسار عملية الإصلاح الاقتصادي في تونس ؟
رغم النجاح الكبير الذي حققته تونس في الانتقال الديمقراطي إلا ان مسار الإصلاح الاقتصادي مازال في خطواته الأولى وهو ما تم التطرق اليه من خلال الحديث مع وزراء الحكومة التونسية والمرحلة اليوم تتطلب حدوث نقلة اقتصادية ولعل مؤتمر 2020 يعتبر بداية وضع تونس على المسار الصحيح والحكومة تعرف بأن مسار النمو الذي تسير عليه البلاد غير كاف حيث لا بد من خلق مواطن شغل اكبر وتحديث الوضع الاقتصادي ولتحقيق ذلك لا بد من وضع ترسانة من القوانين كفيلة بتحقيق نقلة اقتصادية ناجحة.
وبالرغم من وجود عدد من القوانين إلا إن الوضع الاقتصادي اليوم في حاجة إلى قرارات وقوانين جرئية تتطلب وعيا اجتماعيا لأن الحكومة جاهزة لإصدار هذه القرارات,لكن صعوبة الوضع الاجتماعي تحول دون اصدارهذه القرارات وإذا نظرنا إلى التجربة المصرية والإصلاحات الجريئة التي قامت بها مصر فانه يمكن اعتبارها من أفضل الإصلاحات في المنطقة لاسيما قرار تعويم الجنيه, وهنا اشير الى ان تونس في حاجة الى مثل هذه القرارات وعلى الدولة اليوم أن تتخذ إجراءات جريئة وعلى الشعب أيضا أن يساند الحكومة في هذا القرارات .
أي شكل من المساندة يمكن أن يوفرها الشعب للحكومة ؟
اذا اتخذت الدولة إجراءات جريئة تؤثر على الدخل الفردي أوعلى المعيشة فعلى الشعب ان يتحمل هذه القرارات لفترة ما ويتحلى بالوعي الكافي لأن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تعطي أكلها إلا على المدى البعيد أوالمتوسط ومن غير المعقول أن يثمر أي إصلاح اقتصادي أكله في ظرف 6 أشهر ولذلك فان الوعي الاجتماعي والصبر من أهم ركائز الإقلاع الاقتصادي.
توقع البنك الدولي نسبة نمو لتونس 3 % فعلى أي أسس بني هذا التوقع ؟
تعتبر نسبة النمو في تونس ضعيفة وتوقع البنك لـ 3 % جاء بناء على توقعاتنا بالإجراءات والقرارات الجريئة التي ستتخذها الدولة وبالنسبة للبنك يرى أن بلوغ نسبة نمو مرتفعة في تونس رهين دفع عجلة نمو القطاع الخاص نظرا لمشاركته الضعيفة في نمو الاقتصاد ولذلك لابد من تعزيز دور القطاع الخاص والذي لا يمكن أن يتم إلا في ظل حدوث تغييرات على مستوى القوانين والتفكير في كيفية التسريع في نسبة النمو إلى حدود 5 أو6 أو7 %.
هناك اعتقاد بان خيارات ارتفاع كتلة الأجور وتواصل الانتدابات في الوظيفة العمومية ساهم بصورة ما في تعقيد مسار الإصلاح الاقتصادي, فهل يقترح البنك الدولي استراتجية جديدة تهدف الى تخفيف الضغط على الحكومة التونسية ومساعدتها على الإصلاح الاقتصادي ؟
بشكل عام هناك توجه خاطئ لأصحاب الشهائد العليا الذين يرون في القطاع العمومي ملاذا لهم عبر الحصول على وظيفة في القطاع العمومي وهي في نظري معادلة فاشلة لأن هذا التوجه لا يمكن أن يؤدي إلا إلى زيادة العبء على الحكومة وتراكم ذلك العبء سنة تلو الأخرى في حين ان الخيار الأصح يكمن في إحداث نقلة من القطاع العام إلى القطاع الخاص أوإحداث شراكات بين القطاع الخاص والعام والإستراتجية السليمة للإصلاح الاقتصادي تقضي بتركيز جهود الدولة على الأمن والقوانين فيما تترك باقي المجالات للقطاع الخاص وهو الأمر الذي يستحق قرارات جريئه .
ما هو المقصود بقرارات جريئه ؟ ومن يجب ان تستهدف هذه القرارات؟ المواطن أم الدولة ؟
في الواقع ستكون آثار القرارات الجريئة متشعبة وستمس جميع المتدخلين سواء أفراد أومؤسسات أوالدولة, وهناك من سيتقبلها بشكل سلبي وستكون هناك مرحلة صعبة لكن يجب اتخاذ هذه القرارات حتى وان كانت صعبة فإذا أخذنا على سبيل المثال مؤسسة عمومية تشغل ثلاثة أضعاف ما تحتاج إليه و ما تخلفه من أعباء على الدولة, فإن القرار الجريء في هذه الحالة يقضي بخوصصة الشركة مما يعني تسريح عدد مهم من الموظفين وإذا تحدثنا عن نقل ملكية مؤسسة عمومية للقطاع الخاص ,فإن الأمر يستدعي أيضا قوانين جريئة.
تونس تعيش أزمة اقتصادية تعمقت بفعل ارتفاع نسبة المديونية ,حسب رأيكم ماهومفتاح الخروج من هذا الوضع ؟
ان تعيش احدى الدول ازمة اقتصادية حقيقية يعني ان تفلس وتنهار وتعجز عن دفع الرواتب،وهذا المسائل غير مطروحة في تونس بالعكس فوضع الدولة يعتبر مستقرا لكن يجب ان يتغير لتسريع عجلة النمو ويتم وضع البلاد على قاعدة اقتصادية سليمة و لا يمكن الحديث عن أزمة اقتصادية في تونس في الوقت الحاضر ولا يمكن الحديث عن ارتفاع نسب القروض حاليا مقارنة مع دول اخرى تعيش اوضاعا اقتصادية اكثر تعقيدا
لكن لا يمكن ان نتجاهل ارتفاع حجم الدين الذي بلغ عتبة الخط الاحمر المتعارف عليه ؟
هناك دول في المنطقة اخرى تجاوزت الخط الاحمر بمراحل وليست لديها الامكانيات التي تتمتع بها تونس
على صعيد المنطقة العربية وفي ما يتعلق بالمديونية,في أي خانة يمكن تصنيف تونس ؟
بحكم المراحل التي مرت بها الدولة منذ الثورة من الأحداث الإرهابية وتأثيرها السلبي في الحركة السياحية وتراجع نسق الاستثمار فإنه من البديهي أن يمر الاقتصاد التونسي بصعوبات ولكن وبالرغم من هذه الصعوبات فإن تونس تتمتع بمقومات اقتصادية أفضل من دول كثيرة في المنطقة خاصة في ما يتعلق بنسبة التعليم ونسبة الدخل الفردي وحتى نسبة الدين التي يراها البعض مرتفعة إلا إنها تعتبر مقبولة ويمكن اعتبار تونس من أفضل دول المنطقة في ما يتعلق بالمديونية رغم ارتفاع حجم ديونها وضعف مواردها ومواصلة حالة الاستقرار الاقتصادي وتطوره نحو الانفراج رهين الإجراءات الجريئة التي يجب أن تتخذ من قبل الحكومة و التي من شأنها أن تساهم في زيادة نسبة العمل وتسريع عجلة النمو.
مع ارتفاع نسبة الفقر والبطالة فضلا عن الفوارق الاجتماعية ألن تكون لهذه القرارات الجريئة التي يجب على الدولة أن تتخذها نتائج عكسية قد تهدد الاستقرار الاجتماعي ؟
من الضروري أن تتخذ الدولة قرارات جريئة حتى وان ادى ذلك على المدى القصير إلى صعوبات تلقى على عاتق الشعب على المدى القصير لانه بفعل هذه القرارات ستشهد لاحقا الظروف الاقتصادية تحسنا ولكن إذا أجلت هذه الإجراءات ستكون الأعباء لاحقا اكبر على الدولة والشعب .
ومن البديهي أن تكون هناك خسائر خاصة على المواطنين, لكن الوصول إلى الأهداف المرجوة يتطلب تضحية وقتية من أجل خلق حركة اقتصادية أنمى وأنشط.
مع تأخر الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها وتباطؤها ماهي الضمانات التي قدمتها تونس لتحصل على دعمكم لها و ماهي دوافعكم من وراء مواصلتكم في مساندتها؟
يكفي أن تونس عضو في البنك الدولي وشريك في مؤسسة التمويل الدولية لكي يكون دافعا وراء مساندتنا لها,خاصة مع الصعوبات اقتصادية التي تمربها تونس,كما أن دورنا مساعدة الدول النامية عبر مساعدة القطاع الخاص.
وتأخر الإصلاحات لا يؤثر في عملنا بل بالعكس نحن نقوم بمهامنا من أجل التسريع في نسق الإصلاحات لاسيما أن القطاع الخاص في حاجة إلينا في مثل هذه الأوقات الصعبة وإذا لم نقم بدورنا في مثل هذه الأوقات فهل ننتظر حدوث الإصلاحات لكي نتدخل ؟ وفي ما يتعلق بالضمانات فالضامن الوحيد هو الدخول في مشاريع ناجحة .
هناك قوانين متعثرة في تونس على غرار قانون الطاقة وخصوصا ملف غاز الشيست هل هناك مبادرات من طرف البنك الدولي لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتدخلة ؟
قمنا بالاستثمار في قطاع الطاقة في تونس, لكن الإشكالات على مستوى القوانين ليست لنا علم بها, ولقد قمنا بإمضاء مذكرة تفاهم مع وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في مجال الطاقات المتجددة خلال مؤتمر 2020 وسيكون لنا اجتماع مع وزيرة الطاقة لوضع استراتجية واضحة لمساعدة الدولة في هذا المجال و لنا إمكانيات مهمة في هذا المجال و قمنا بمساعدة عدة دول في المنطقة في هذا الشأن .
وتكمن أهمية الطاقات المتجددة في أسعار توليد الطاقة المنخفضة وهو ما يساعد الدولة في زيادة نسبة العمل والإنتاج بتكلفة اقل فعلى سبيل المثال في الأردن ساعد استغلال الطاقات المتجددة في انخفاض التكلفة إلى النصف ولذلك نسعى إلى نسخ هذه التجربة في تونس.
منذ الاجتماع الأخير لمنظمة الأوبك سارت أسعار النفط في نسق تصاعدي فماهو تأثير هذا الارتفاع حسب رأيكم على الأسواق الموردة للنفط على غرار تونس ؟
بشكل عام انخفاض أسعار النفط لا يؤثر فقط على الأسواق المنتجة إنما على الأسواق الموردة أيضا حتى أن الأموال التي كانت تأتي من هذه البلدان انخفضت بسبب تراجع استغلال النفط ولكن تحديد سقف الإنتاج وسعرالبيع عند 60 دولار سيكون لصالح الدول المنتجة للنفط والموردة على حد سواء.
بعد مؤتمر 2020 ماهي طبيعة المشاريع الممولة من قبل مؤسسة التمويل الدولية التي ستدخل حيز التنفيذ في الأشهر القليلة القديمة ؟
هناك مشاريع تتطلب حيزا زمنيا طويلا مثل المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة لأنها تتطلب دراسة وجلب مستثمرين من الخارج لكن سنركزعلى الصناعات الغذائية ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و دعم ريادة المشاريع وإحداث شراكات بين القطاع العام والخاص في الأشهر القليلة القادمة.
عند أي حد يمكن أن يتوقف البنك عن مساعدة تونس؟
ليس هناك سقف محدد لمساعدة البنك لتونس والشرط الوحيد هواحداث مشاريع ناجحة تنموية قادرة على خلق مواطن الشغل وتزيد في الإنتاجية وتسرع في حركة النمو.
ماهي نوعية المشاريع والقطاعات التي سيتم التركيز عليها في المرحلة المقبلة وحجم الاستثمارات المخصص لها ؟
ركزت المؤسسة في وقت سابق على مشاريع اللوجستية والنقل والصناعات الغذائية والبنوك والصحة والتمويل الصغير وسيتم في المرحلة المقبلة التركيز على مشاريع الطاقة والمبادرة الخاصة والصناعات الصيدلية وسنركز ايضا على مشارع التمويل الصغير بشكل خاص.
رغم ان تاريخ اول استثمار في تونس يعود الى سنة 1963 إلا ان مؤسسة التمويل الدولية فتحت مكتبها بتونس سنة 2012 من بين 14 مكتب بالشرق الاوسط ومع ذلك تعتبر تونس الدولة ذات حجم الاستثمارات الأقل في المنطقة و هي تبلغ 300 مليون دولار وفي الشرق الأوسط 5.5 مليار دولار وضمن استراتيجية العمل بالمؤسسة سيتم التركيز على تنمية العمل في تونس من خلال تطوير المكتب وتوسيعه وتطوير عدد الموظفين فيه.