اقتصاد تونس في 2016: زوايا حادة وأسباب البطء مازالت قائمة

تأمل تونس من سنة إلى أخرى أن تحقق الانتقال الاقتصادي المنشود، إلا انه وفق الظروف الاقتصادية الداخلية والخارجية فإن النمو الاقتصادي يتواصل بطيئا الأمر الذي استوجب في هذه السنة أيضا تعديل التوقعات بتخفيضها.

لم يكن العام 2016 سنة منفرجة على الاقتصاد التونسي فقد دخلت في مرات متعددة زوايا حادة، انطلقت مع بداية السنة باحتجاجات عمت كل مناطق الجمهورية تمت تهدئتها ببعض القرارات والإجراءات ثم دخلت تونس مرة أخرى في منعرج عدم الاستقرار السياسي بإعلان العزم عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتي كان لها تأثيرها في وضع اقتصاد البلاد على سكة صحيحة وانتهت المشاورات بإعلان حكومة ضمت أطيافا متعددة لتفاجأ الحكومة الجديدة بمأزق قانون مالية أثار حفيظة الاتحاد العام التونسي للشغل وأصحاب المهن الحرة وأصحاب الأعمال ونظرا لالتزام تونس تجاه النقد الدولي بعد ما قدمته من برنامج عمل يجمعها بهذه المؤسسة المالية العالمية وجدت نفسها في دائرة من التناقض مع نفسها لترضي جميع الأطراف دامت النقاشات أسابيع وتعالت الأصوات الرافضة لأي إجراء ممكن أن يمس مصالح أي مهنة فتنازلت كل الأطراف بالنزر القليل الذي تسمح به مواقعها وتم تمرير مشروع قانون المالية والمصادقة عليه بإدخال تعديلات أخمدت الغضب والاحتجاج.

إلا أن البلاد لم تسترجع أنفاسها في قطاع السياحة حيث مازالت الأرقام بعيدة عن ما تحقق في السنوات الماضية فإلى حدود شهر أكتوبر سجلت عائدات السياحة تراجعا بـ 7.1 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي فيما سجلت تراجعا بـ 36.2 % مقارنة بالعام 2014 وهو ما يعني تواصل تعمق الهوة من سنة إلى أخرى على الرغم من أن الوضع الأمني في العام 2016 كان أفضل إلا أن تداعيات ما حصل ويحصل في المنطقة ككل يلقي بظلاله على السياحة التونسية التي ستعاني أكثر حسب أهل المهنة في الفترة المقبلة بعد الحملة الإعلامية التي تشنها وسائل إعلام أجنبية بعد عملية برلين التي تورط فيها صاحب جنسية تونسية.

الفسفاط والمحروقات
وفي إنتاج الفسفاط يتواصل التراجع أيضا بسبب الوضع الاجتماعي وظلت شركة فسفاط قفصة تعمل بحوالي 40 % فقط من طاقتها الإنتاجية وتأثر نقل الفسفاط إلى المجمع الكيميائي الذي تراجع بدوره إنتاجه واستمرت تونس في مرتبة عالمية دون المراتب التي كانت قد احتلتها في السنوات الماضية إذ تشير المصادر الرسمية إلى أن تونس تحتل اليوم المرتبة الثامنة عالميا ولن يتجاوز إنتاج الفسفاط لكامل العام 2016 ما حجمه 3.5 مليون طن فيما كانت التقديرات الأولية تشير إلى أن يكون الإنتاج بنحو 6 ملايين طن.
أما بخصوص إنتاج البلاد من المحروقات فقد ظلت مستويات إنتاج النفط في مستوى ضعيف ودون الأرقام السابقة حيث يقدر الإنتاج اليومي بمعدل 45 برميلا يوميا ويعود هذا التراجع بالأساس إلى عوامل خارجية تتمثل بالأساس في تراجع سعر البرميل وعدم استقرار أنشطة الشركات الناشطة في تونس، وكان تهديد شركة بتروفاك البريطانية بمغادرة تونس من بين الأحداث البارزة التي استوجبت تدخل كافة الأطراف لإثنائها عن المغادرة مقابل ضمان استقرار محيطها الاجتماعي إلا أن الأوضاع مازالت كما هي عليه ولم يتغير أي شيء.

وتسجل الاستثمارات نتائج متواضعة جدا، إذ سجلت تراجعا إلى حدود شهر نوفمبر تراجعا بـ 6.9 % مقارنة بالعام 2015 هذا التراجع الذي ترجم تراجع جاذبية تونس للاستثمار . وتعول تونس عما شهدته نهاية السنة وبالتحديد في أواخر شهر نوفمبر ندوة دولية للاستثمار لتكون منصة انطلاق وعودة إلى الساحة العالمية بجلب استثمارات وتم تحصيل ما قيمته 34 مليار دينار تونسي، بين توقيع لعشرات الاتفاقات بلغ حجمها 15 مليار دينار وتعهدات قدرت بـ 19 مليار دينار.
وفيما يخص تطورات سعر صرف الدينار ومنذ بداية 2016 فقد شهد انزلاقا هاما مقابل العملات العالمية بلغ 10 % مقابل الاورو و9 % مقابل الدولار الأمريكي وبلغت نسبة الانخفاض ذروتها في شهر جوان الفارط الذي سجل بمفرده حوال نصف نسبة الانخفاض،

وقد تميزت الخمسة أشهر الأولى لسنة 2016 بتطورات اقتصادية غاية في الخطورة من بينها تراجع الصادرات وارتفاع الواردات مما أدى إلى توسيع عجز الميزان التجاري، كما افرز ميزان الخدمات وللمرة الأولى منذ فترة طويلة عجزا بـ 387 مليون دينار و تراجع فائض ميزان مداخيل العوامل والتحويلات الجارية إلى جانب تراجع فائض ميزان الحسابات برأس المال والعمليات المالية وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتراجع مستوى الموجودات الصافية من العملة الأجنبية إلى غاية 01 ديسمبر 2016 ما يعادل 107 يوما من التوريد 114 يوما في نفس التاريخ من السنة الماضية.

وبناء على ما تمّ تسجيله من نتائج مؤقتة فقد سجلت خلال الأشهر التسعة الأولى نسبة نمو بـ 1.2 % وتأمل تونس أن تكون نسبة نمو لكامل السنة في حدود 1.5 % وهو ما يعد رقم صعب التحقق.

واتخذت تونس إجراءات تطمح من خلالها إلى تخفيض عجزها التجاري خاصة مع الصين المساهم الأكبر في هذا العجز ويتمثل الإجراء في إمضاء مذكرة تفاهم في نظيره الصيني، تقضي بأن يتم التبادل التجاري والمالي بين البلدين بشكل مباشر بالعملة المحلية لكل بلد دون أيّ تحويل.

على صعيد عالمي لم يكن العام 2016 موفقا فقد وصفت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي «كريستين لاجارد» معدل النمو الإقتصادي العالمي لعام 2016 بأنه مخيب للآمال وبرهنت على ذلك بأن القطاع المالي العالمي في العديد من الدول خاصة الدول الناشئة لا تزال في مرحلة الخطر خاصة في ظل وجود الدوافع المؤدية لذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115