الأستاذ المبرز في الاقتصاد بجامعة «هارفارد بأمريكا الذي صاغ وزميله الأستاذ الطاهر العلمي دراسة مهمة تعلقت بهيكلة الأجور في تونس وتأثيراتها الحقيقية على التضخم .وقد تناول المشرفان على في مداخلتهما موضوع «سياسيات الأجور والتضخم» وموضوع «التبعات المشروطة لسياسات الأجور وتأثيراتها على التضخم في البلاد» انطلاقا من المتابعة التي قاما بها في إطار الدراسة التي دعا إليها فرع تونس لمركز «فريديريش ايبارغ» الألماني .
اللقاء مثل مناسبة جيدة أيضا للمشاركين لفهم جوانب لا يزال يلفها الغموض في سياسة الأجور في البلاد، وهذا ما جعل الورشة التي استقطبت حوارا ثريا بين المشاركين ،اقتصاديين وجامعيين وغيرهم مدخلا حقيقيا لفهم قضية الأجور في تونس خاصة وانها وأنها تستبق عرض قانون المالية الجديد لسنة 2017 المثير للجدل بين جملة من الأطراف في البلاد.
لم تغفل الدراسة عن الإشارة إلى المراجعات المستمرة لسياسات الأجور في تونس بعد 14 جانفي 2011تحت تأثير الوضع الاجتماعي الملتهب في البلاد حيث تم رفع شعار الشغل والحرية والكرامة التي كانت نتيجة وضع شامل عاشته البلاد خاصة في المناطق الداخلية حيث ظهرت الفوارق البينة بين المناطق والفئات الاجتماعية كما أظهرت تأثير الفساد المستشري بين العامة والخاصة.
أبرزت الدراسة محاولة النظام السابق تغطية مصاعبه بالحوار الاجتماعي خاصة من خلال المفاوضات حول الأجور والتي كان ممثلو المنظمات الاجتماعية في البلاد يجدون فيها حلولا ظرفية لكنها تفتقد في العموم إلى دراسة حقيقية لواقع الاقتصاد والوضع العام الاجتماعي في البلاد والتأثيرات المستوجبة عن ذلك على الفئات الاجتماعية وخاصة الهشة منها كما كشفت ذلك الدراسة .خاصة وان السياسة التأجيرية منذ الاستقلال و إلى سنة 1973 كانت محكومة بالفقرة 15 من قانون الشغل باعتبار الدولة المشغل الوحيد والرئيسي. ومن سنتها بدا العمل بالسياسة التعاقدية في الأجور والتي أظهرت لاحقا مدى تباينها مع الواقع المعيش في البلاد .
و أشار العربي إلى أنه بعد 14جانفي تدفق على الوظيفة العمومية أكثر من 200 ألف عون جديد أي 15 % من مجمل الأعوان بالإدارات العمومية وهو ما استوجب إضافة 50 % في حجم الأجور التي زادت من 6.5 مليار دينار إلى 13 مليار اليوم. وهذا ما صنف تونس في هذا الجانب في المرتبة الثانية دوليا بعد سويزيلاندا الإفريقية .
مضيفا أن هذا الوضع كانت له تداعيات مهمة على التضخم الذي كان قبل 2011 دون 4 % لكن أقدمت الحكومة على الزيادة في حجم صندوق التعويض الذي بلغت نسبة تدخلاته لتأمين حاجيات المواطن الضرورية بدرجة مفزعة بلغت 8.2 مليار دينـار أي ما يسـاوي 5.4 % من الناتج الوطني الخام بداية من سنة 2011 من خلال الدعم الكبير للمواد الأساسية ، مما زاد من نسبة التضخم التي قاربت 7.5 % وهو رقم لم تعهده تونس.
وهذا الوضع الجديد كان له تبعات مهمة على احتياطي البلاد من العملة الصعبة خاصة نتيجة تراجع صرف الدينار مقابل العملات الرئيسة في العالم وهو الدولار واليورو فبعد أن كان الاحتياطي يتراوح بين 186 و147 يوما سنة 2010 تراجع هذا الوضع إلى ما دون ذلك اليوم حتى بلغ 110يوم.
وخلصت الدراسة إلى أن سياسة الأجور في تونس تعكس نوعا من التوازن بين عدد من القوى والاحتياجات المختلفة للمشغل والعامل فضلا عن اختلاف الاستراتيجيات المتضادة لكل من المنظمتين إتحاد الشغل لتحسين أوضاع منظوريه أو منظمة الأعراف الداعمة لرؤية ومصالح المؤسسة ورأس المال.وهذا ما جعل تدخل الدولة لتنظيم هذه العلاقة ومن ثمة ضمان علاقة شبه طيبة بين المنظمتين .
إن الحاجة إلى مزايد من المشاورات والمفاوضات القائمة على المعلومة الدقيقة وتحليلها الاقتصاد القياسي بما يسمح وضع هيكلية مغايرة للأجور وتأثيراتها أجتماعيا واقتصاديا ، فضلا عن التضخم، باعتبارها من المرجعيات الحاسمة في رسم سياسة جديدة للأجور من أجل التكيف مع ضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.