والقادر على قيادة الدولة في جميع الاوقات وخاصة الفترات الصعبة التي تشهد ازمات سياسية واقتصادية، من خلال قدرته على فرض هيبة الدولة وإدارة الازمات بوضع استراتيجيات انقاذ تساعد على الخروج من المأزق بأخف الاضرار وهو شخصية تعرف ايضا بعلاقات متميزة مع المحيط الخارجي تجعل منه قياديا يقرا له الف حساب داخل وخارج بلاده دبلوماسيا واقتصاديا وسياسيا وتسخر له كل الوسائل الممكنة للتعاون ليتولى منصب قيادة البلاد تحت تسمية رجل الدولة .
هل لتونس رجال دولة؟؟ وهل طبعت سنوات ما بعد الثورة في مخيلة الجماهير وجها سياسيا او وجها اقتصاديا استحق هذه التسمية ؟ ومن هم اصلا رجال الدولة الذين تنطبق عليهم الصفة ؟
ينطلق مفهوم رجل الدولة اساسا لا من حيث اهميته كرجل سلطة فقط بل هو ينبع من تحمل المسؤولية تجاه الاخر والتضامن اللامشروط مع الرعية والذي يعتبر من ابرز العلامات الفارقة التي تميز رجل الدولة عن رجل السلطة، غير ان ما افرزته الثورة والسنوات التي تلتها من مختلف مكونات الاحزاب التي تواصلت كما التي وقع حلها وحتى بعض مكونات المجتمع المدني وجوه اتسم أغلبها بالتهرب من المسؤولية والبحث عن الحلول البديلة وتعليق الاخطاء على شماعة الاحتجاجات والاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية والغوص في برج مجتمع السلطة بعيدا عن مجتمع الدولة فنسمع جعجعة ولا نرى طحينا.
لئن كان من الضروري أن يتوّلى شأن قيادة الدولة شخصيات لهم خبرات عالية المستوى وامكانيات فكرية ومعرفية تمكنهم من القيام بمهامهم وتصريف شؤون الدولة على اكمل وجه فانه ايضا من الضروري ان يكون حول القائد اجماع على قدرته على التاثير الايجابي في رعيته وتبني همومهم ومشاغلهم وايجاد حلول، ولئن يرى علماء الاجتماع وابرزهم ماكس فيبر أن رجل الدولة هو « الشخصية القوية صاحبة القيادة الفكرية ، التي يظهر تأثيرها على جميع شرائح وأطياف المجتمع ، والصلابة في إدارة المواقف ، وكيفية صنع قراراته ، وقدرته على الدفاع عن المواقف والتوجهات التي يتبناها دون أن يتغول على القانون العام» ، وايضا الفلاسفة ومن بينهم افلاطون في تمييزه بين رجل الدولة والسفسطائي بأن «رجل الدولة يتصف بالحكمة٬ والشجاعة٬ والنزاهة الشخصية٬ والتعلق بالأهداف العليا للدولة٬ والعمل على تحقيقها٬ والسهر على مصالح المواطنين٬» فان الواقع الذي عاشته بلادنا اظهر حاجة ماسة إلى بعث مفهوم جديد لرجالات الدولة يختزل صفات اؤلئك الذين ينشغلون بهموم المواطن دون استقطاب رديء وساذج لهم ودون استنزاف لقدراتهم على التحمل ودون استغلال لأفكارهم المحدودة بل اعتبارا لمصلحة الفرد من مصلحة المجموعة.
رجل الدولة ليس كيانا قائما بذاته بعيدا عن المصلحة المشتركة بل هو ايضا الجندي الذي يقبع على التلال والهضاب يرعى امن بلاده وترابها وهو العامل البسيط الذي يقدم خدماته بكل تفان ومصداقية وهو الاداري والمسؤول الذي يراعي حرمة الله في حق المواطنين ويطهر يده من الفساد والسموم المتغلغلة في اعماق الابواب المغلقة ، وهو كل فرد من مكونات المجتمع يعتبر ان دوره لا يقتصر على تسخير قوته في ضمان عيشه وحياته وحياة افراد عائلته بل ايضا في كيفية احترامه للمحيط الذي يعيش فيه وتقاسم الادوار مع الاطراف المقابلة له.
مفهوم رجل الدولة يختلف حوله كثيرون واكتفي بالقول ان الدولة هي دولة المؤسسات والقانون قبل ان تكون دولة تجمعات أو أحزاب أو تكتلات نسجيها قام بشكل مفاجأ نتيجة ردود فعل على ثورة ما او وضعية ما بهدف فرض الذات قبل خدمة المجتمع وبالتالي رجل الدولة هو كل من يقوم بمهمته وبدوره في المجتمع بكثير من المسؤولية والوعي .