وتهدف هذه المبادرة الى السماح باجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في 2023". وذلك بغية الانتهاء من حالة الانقسام السياسي الذي تشهده ليبيا والتي تتثمل بالأساس في وجود حكومتين تتنازعان السلطة، حكومة طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة والتي تعترف بها الأمم المتحدة، وحكومة فتحي باشاغا ومقرها مدينة سرت.
وتقضي المبادرة الأممية الجديدة بتشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات والشخصيات وزعماء القبائل والنساء والشباب تكون مهمتها الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وذلك في محاولة لحلحلة الأزمة المستعصية واخرج ليبيا من دوامة الاستقطاب والانقسام .
جدل واسع
وكانت هذه المبادرة محط جدل واسع فقد انتقد مجلس النواب الليبي الإحاطة التي قدمها موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي، بعد اتهامه للبرلمان بالفشل في وضع إطار قانوني للانتخابات، معلنا عن مبادرة جديدة تتيح إجراءها. خاصة ان باتيلي كان قد أشار الى فشل البرلمان الليبي و مقره في شرق البلاد كذلك المجلس الأعلى للدولة ومقره في طرابلس في "التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات".
وردت رئاسة البرلمان في بيان قالت فيه "نستغرب ما تضمنته إحاطة المبعوث الأممي من مغالطات بشأن فشل مجلسي النواب والدولة في إقرار القاعدة الدستورية".
وكان البرلمان قد صوت في الثامن من فيفري على "التعديل الثالث عشر" للاعلان الدستوري، وهو بمثابة دستور موقت، معتبرا أنه يشكل قاعدة قانونية لاجراء الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر 2021 لكنها ارجئت حتى اشعار آخر بسبب خلافات سياسية.
واوضح باتيلي أن هذا التعديل "لا زال يتطلب موافقة مجلس الدولة"، علما وأن النص قد نشره البرلمان في الجريدة الرسمية.
وأصدر مجلس النواب ، بيانا أشار فيه إلى أن "نصوص الاتفاق السياسي الليبي حصرت الدعوة لانعقاد لجنة الحوار بين طرفي الاتفاق، وهما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة دون غيرهما من الكيانات".
وأكد المجلس على أن "العملية السياسية ملكية ليبية، وهي الضامن الوحيد لإنجاح أية مبادرات في هذا الشأن"، واعتبر أن إحاطة المبعوث الأممي "حملت مغالطات بخصوص فشل مجلسي النواب والدولة في إقرار القاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات".
وعبر المجلس عن استغرابه من عدم تطرق باتيلي لـ "عرقلة المصالحة وتعطيلها، كذلك الفساد وإهدار المال العام وتأثير ذلك على تعطيل العملية الانتخابية بالبلاد"، معتبرا أن هذا الأمر "يضع البعثة الأممية في دائرة الكيل بمكيالين، وعدم الحياد بين الأطراف الليبية".
وأشار المجلس إلى عمله مع مجلس الدولة والبعثة الأممية في إنجاز القدر اللازم لإجراء الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال، رغم ما وصفه بالتعقيدات المحلية والدولية المصاحبة، وأكد أن تحميل مجلس النواب وحده مسؤولية الإخفاق "أمر ينافي الواقع الليبي".
وقال المجلس إن "التدخل الخارجي، وعدم إكمال خريطة مخرجات جنيف في الآجال المحددة بالفعل، وعدم استكمال مساري: المصالحة والأمن، هي أهم العوائق أمام إنهاء الأزمة الليبية".
ردود مرحبة
في المقابل أكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، دعمه لأي جهود "واضحة ومفصلة" تبذلها الأمم المتحدة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية طال انتظارها لمعالجة الأزمة في بلاده.
تأكيد المنفي جاء خلال مباحثات في طرابلس مع السفير الفرنسي لدى ليبيا مصطفى المهراج تناولت تطورات الأوضاع السياسية في البلاد، بحسب بيان للمكتب الإعلامي لرئيس المجلس.
ووفق البيان "أكد الرئيس (المنفي) دعم أي جهود أممية واضحة ومفصلة تفضي لمعالجة مختنقات القاعدة الدستورية للانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العام 2023، وتلبي رغبة الشعب الليبي في اختيار قياداته".
في السياق نفسه أعلنت قبائل الطوارق في ليبيا، دعمها لمبادرة المبعوث الأممي الخاص عبد الله باتيلي، داعين إلى تمثيلهم في أي لجان سياسية لحل الأزمة في البلاد. جاء ذلك في بيان أصدره رؤساء المجالس الاجتماعية وأعضاء بمجلسي النواب والأعلى للدولة المنتمين لقبائل طوارق ليبيا المنتشرة في الصحراء الكبرى بليبيا والجزائر ومالي والنيجر.
وأكد طوارق ليبيا على "دعمهم لمبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي وتأييدهم لها في كل ما من شأنه إخراج البلاد من الوضع القائم".
وقال بيان الطوارق: "لا نعترف بأية أجسام سياسية أو تشريعية أو تنفيذية بما فيها لجان الحوار السياسي لا نكون فيها ممثلين تمثيلا حقيقيا نابعا من إرادة حرة لمجتمعنا المحلي".
وشدد بيان الطوارق على "ضرورة تنفيذ ما جاء في الاتفاق السياسي الموقع بجنيف بشأن معالجة مسألة الأرقام الإدارية (عدد من أسر الطوارق غير حاصلة على الجنسية الليبية) قبل الانتخابات القادمة ونرفض تجاهل ما جاء في هذه الفقرة من الجهات التنفيذية".
كما أبدت عدة أحزاب سياسية "في بيانات منفصلة" ترحيبها بتشكيل اللجنة الجديدة والتوجه للانتخابات خلال العام الحالي، واحترام إرادة الناخبين، ومن ضمنها تكتل إحياء ليبيا، وحزب التغيير، ومبادرة القوى الوطنية، وتجمع الأحزاب الليبية .
وقال المتحدث باسم تجمع الأحزاب الليبية فتحي الشبلي لوكالة الأنباء الألمانية نرحب بالمبادرة، شرط أن يتم هذا العمل فعلا ، وأن تضم اللجنة مختلف الأطراف الليبية المعنية بمن فيهم ممثلو الأحزاب السياسية المعتمدة وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل ومنظمات المجتمع المدني والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلون عن المرأة والشباب".
ودعا المتحدث باسم التجمع ، الذي يضم 24 حزبا ، إلى "تفادي الأخطاء السابقة المتمثلة في انعدام التمثيل الحقيقي للنسيج الاجتماعي الليبي، وانعدام إجراءات تعزيز النزاهة ومحاربة الرشوة والفساد".
تطلعات وانتظارات
اما في ما يتعلق بمدى قدرة نجاح وفعالية هذه المبادرة الجديدة أجاب المتحدث باسم المبادرة الليبية محمد شوبار لـ" المغرب " بالقول :" إحاطة رئيس بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي بمجلس الأمن الدولي تضمنت عدة ملفات منها الانتخابات حيث إقترح تشكيل لجنة فنية تضم كافة أطياف الشعب الليبي من سياسيين وشخصيات إجتماعية وأخرى من المجتمع المدني لإجاد إطار عام للوصول للإنتخابات . وبذلك تم إجتياز مجلسي الدولة والنواب " ويعتبر محدثنا ان ذلك يتناغم مع مطالب الشعب الليبي لإسقاط الأجسام السياسية الحالية. وأضاف :" كما حثّ المبعوث الأممي المجلس الرئاسي بدعم من الاتحاد الأفريقي على إستكمال ملف المصالحة الوطنية ، وأكد المبعوث الأممي على ضرورة إيجاد آلية بقيادة وطنية لإدارة عائدات النفط بشكل شفاف بما يتلاءم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656 الذي نصتّ الفقرة الرابعة منه على تشكيل قيادة وطنية موحدة لليبيا للحفاظ على عائدات النفط وتنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل والتمهيد والأشراف على الانتخابات ، كما تنصّ المادة الثامنة من القرار المشار إليه على تنفيذ عقوبات ضد المعرقلين للعملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 الذي صدر سنة 2011 ". ويضيف شوبار :"، أما معالجة الملف الأمني وملف إنتهاك حقوق الإنسان فسيكون وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570 ، وبذلك تكون هذه الإحاطة من أهم الإحاطات التي قدمها المبعوثين الأمميين منذ أكثر من عشرة سنوات " وقال :" إننا نترقب إنطلاق تنفيذ الآلية المقترحة من السيد عبدالله باتيلي خلال الأيام القليلة القادمة لتبدأ مرحلة الاستقرار في ليبيا بتشكيل قيادة وطنية قوية بوجوه جديدة لفرض الأمن والتمهيد للانتخابات والإنطلاق في مرحلة إقتصادية ضخمة ستعود بالخير والنماء والإزدهار ليس على ليبيا فقط وإنما على المنطقة بأسرها ".
واعتبر محدثنا ان مبادرة عبدالله باتيلي تلقى دعما دوليا واسعا وهذا ما ظهر خلال كلمات مندوبي الدول بجلسة مجلس الأمن الدولي عقب الإحاطة. أما الدعم المحلي يتمثل – بحسب شوبار -في تناغم هذه المبادرة مع مطالب الشعب الليبي في إسقاط كل الأجسام السياسية التي سببت لليبيين هذا الحجم من المعاناة ، وقال ان هذه المبادرة تختلف عن سابقاتها نظرا للدعم الدولي المنقطع النظير والتأييد الداخلي لها بالإضافة إلى أن هذه المبادرة لا تعتمد على المعرقلين السابقين في تنفيذها ، وأضاف :" إن بوادر نجاح هذه المبادرة ظاهر للعيان بل إن نجاحها يكمن في رفض الطبقة السياسية الحالية لهذه المبادرة رغبة منهم في إطالة عمر الأزمة".