ما بعد أزمة مؤتمر القيروان: اتحاد الكُتّاب التونسيين أمام امتحان البقاء !

انتهى مؤتمر اتحاد الكتّاب التونسيين في القيروان

ولم ينته الجدل حول وقائعه التي جاءت موّقعة بإمضاء عدل منفذ ! بل بدأت بانتهائه أزمة عميقة تحوّلت إلى بؤرة جدل واسع داخل الوسط الأدبي والثقافي عموما، كاشفة عن إشكال أعمق من مجرّد خلاف تنظيمي. هي اعتراضات ونقاشات تمسّ بنية المؤسسة الثقافية ومدى احترام القانون الأساسي للاتحاد والاحتكام إلى الديمقراطية وحفظ كرامة الكاتب.

تمّ يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 عقد مؤتمر اتحاد الكتاب التونسيين في دار الشباب في القيروان في ظل توقعات سابقة بتغيّب الكثير من المنخرطين أمام اقتصار المؤتمر على يوم واحد فقط وعدم توفير وسائل النقل. وقد أسفرت الانتخابات عن صعود محمد سعد برغل رئيسا لإتحاد الكتاب.
النيابات غير القانونية… جوهر الخلاف
أظهرت المعطيات المتداولة داخل مؤتمر الاتحاد بالقيروان أنّ عددا مهما من النيابات المقدّمة لا يحمل المصادقة البلدية، وهو ما اعتبره معترضون خرقا صريحا للنظام الأساسي. وقد تمّ اكتشاف أكثر من ثلاثين إنابة غير معرّفة بالإمضاء في البلدية، الأمر الذي دفع إلى المطالبة بتعليق أشغال المؤتمر. في هذا السياق، صرّح محمد المي الذي ترشح للمكتب التنفيذي الجديد لـ "المغرب" بالقول إنّ «المشاركة في المؤتمر حقّ قانوني لكل منخرط، لكن اعتماد توكيلات غير مستوفية للشروط القانونية أفقد الانتخابات مشروعيتها. وهو ما جعله رفقة عضو الاتحاد شمس الدين العوني يستنجدان بعدل منفذ لحماية الاتحاد من انزلاق قانوني قد ينسف مصداقيته بالكامل».
ويروي محمد المي التفاصيل كما يلي :" أصبح عدد المنخرطين في اتحاد الكتاب 261 عضوا بعد أن كان عدد الأعضاء يصل الى 500 عضوا وعليه فان النصاب القانوني لن يتوفر إلا بنصف الحاضرين زائد واحد أي 132 عضوا. في مؤتمر القيروان لم يحضر سوى 79 عضوا حينها خرجت علينا 53 نيابة ( فالقانون الأساسي للاتحاد يخول للأعضاء حمل نيابات للتصويت نيابة عن زملائهم الغائبين على ان تكون نيابة واحدة لكل عضو). ولولا الـ53 نيابة لتم تأجيل المؤتمر. بعد النقاش تم الشروع في التصويت للمترشحين وقد لاحظت أن كل عضو تقريبا يحمل معه نيابة وهو ما زرع الشك في طبيعة النيابات فطالبت بالتثبت في النيابات وعندها اكتشفت أن 36 نيابة غير معرفة بالإمضاء في البلديات كما ينص على ذلك القانون الأساسي . فقمنا باستدعاء عدل منفذ لمعاينة هذا الخرق الأساسي الذي من شأنه إبطال أعمال المؤتمر وعدم الاعتراف بنتائجه ولا شرعية الهيئة المنبثقة عنه. بعد خروج عدل التنفيذ، أصر رئيس المؤتمر على مواصلة أشغال مؤتمر اتحاد الكتاب وإجراء الانتخابات. وكان يفترض أن تحذف النيابات المشبوهة والتي تتعارض والقانون الأساسي أي أن سعد برغل المتحصل على 93 صوتا هو في الحقيقة متحصل على 57 صوتا فقط وقس على ذلك باقي قائمته المشبوهة. "

توقف مجلة "المسار"... وتراجع المكانة المعنوية
إنّ السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم لا يتعلق فقط بتوقيت المؤتمر أو هوية رئيس الاتحاد، بل بمكانة الاتحاد نفسه داخل الحقل الثقافي: هل ما زال قادرا على أداء دوره التاريخي كفضاء جامع للمبدعين، ومدافع عن حرية الكلمة واستقلالية الفكر؟ أم أنه بات أسير منطق إداري وبيروقراطي يُفرغ الفعل الثقافي من روحه النقدية؟
وعن تراجع المكانة المعنوية للإتحاد ، أفاد محمد المي بأنّ : " الاتحاد فقد جميع مواقعه في تمثيل الكتاب في لجان تظاهرات وزارة الثقافة ( معرض تونس الدولي للكتاب والمعرض الوطني للكتاب ولجان دعم الكتاب ...الخ ) !! كما تم سحب رخصة دار الكاتب ولم يبق له سوى مقر شبه مفتوح فلا مجلته الفصلية المسار بقيت تصدر ولا كتب تطبع بل مجرد ناد للشعر وآخر للسرد وهذا هو كل الاتحاد "
وما بعد مؤتمر القيروان، قال محمد المي إنه "تمت مراسلة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الثقافية وكل السلط المعنية لمطالبتهم بعدم الاعتراف بهذه الهيئة المشبوهة على رأس اتحاد الكتاب. كما سيتم رفع قضية استعجالية لدى المحكمة الإدارية والمطالبة بوضع الاتحاد تحت مراقبة متصرف قضائي الى حين إعادة انتخابات شفافة ونزيهة تستجيب لطموحات كتاب تونس وتليق بهم وباتحادهم المؤسس منذ سنة 1971."
أزمة وتمرّ... أم شرعية معلقة !
ما حدث في مؤتمر القيروان يمكن أن يُقرأ بوصفه فرصة لإعادة التفكير في بنية الاتحاد وفي آليات اشتغاله وفي معنى الانتماء إليه. فالاتحاد، بوصفه مؤسسة ثقافية عريقة، لا يُقاس فقط بعدد المؤتمرات التي يعقدها، بل بقدرته على تجديد نفسه والانفتاح على الأجيال الجديدة وصون كرامة الكاتب، بعيدا عن الاصطفاف الضيق والمصالح الظرفية.
وفي تصريح لـ المغرب" أفاد طارق العمراوي عضو الهيئة المديرة الجديدة والمنتخبة في مؤتمر القيروان بالقول: "شهدت مدينة القيروان فعاليات المؤتمر 22 في أجواء تأثرت بكل ما قيل سابقا من اعتراض ونقد ورفض، وقد حضر بدار الشباب العديد من الكتاب وكانت النقاشات حادة وجدية ناقدة الهيئة المتخلية ووضع الاتحاد وطرق تطويره على مستوى البرمجة والهياكل. كما تم طرح موضوع مجلة المسار والفروع والتمويل لتتعطل الأشغال في نقطة التفويض غير المعرف به لدى المصالح البلدية .ووصل عدد التوكيلات الى36 توكيلا وأمام إصرار الكاتب محمد المي على الوقوف على هذه النقطة والتدقيق، حضر عدل منفذ لحصر العدد وكتابة تقريره. تواصلت بعدها أشغال المؤتمر وتم إجراء الانتخابات. وأرى أنه على الهيئة المنتخبة أن تكون منفتحة على النقد الذي سينهض بالاتحاد لكي يراكم تجربته كميا وكيفيا، مع التفكير بجدية في الحصول على التمويل العمومي عبر إقناع السلطة ببرنامج نوعي."
يجد اليوم اتحاد الكتّاب التونسيين نفسه أمام مفترق طرق حاسم. فإمّا أن تكون هذه الأزمة فرصة لمراجعة عميقة تعيد الاعتبار للشفافية والتداول الديمقراطي واستقلالية القرار الثقافي، وإمّا أن تتحوّل إلى حلقة جديدة في مسلسل التآكل الداخلي لصرح عريق يكاد أن ينهار !

مؤطر:
اليوم انعقاد أوّل اجتماع للهيئة الجديدة
انطلاقا من الساعة العاشرة صباحا، يشهد، اليوم الإربعاء، مقر اتحاد الكتاب التونسيين بتونس العاصمة التئام أول اجتماع للهيئة الجديدة برئاسة محمد سعد برغل، وفقا لما أفاد به "المغرب" عضو الهيئة الجديدة المكلف بالإعلام والنشر الحبيب بن فضيلة. ويبقى السؤال ما قبل مؤتمر القيروان وما بعده: إلى أين يمضي اتحاد الكتاب التونسيين؟

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115