لصوص القلعة المعالم والسرقات الأثرية

صدر مؤخرا في 2025 رواية " لصوص القلعة"

للكاتب والقاص مالك الشويخ وهو صاحب مدونة قصصية لامست العديد من الإشكاليات الحياتية والمعيشية لطفل اليوم كمحاولة تراكمية مع قصص الأطفال بهدف التوجيه والتأطير ومد يد المساعدة كي نقف في الأخير على شخصية يتكامل فيها الجسدي- الحسي مع المعرفي – العلمي ليكون رجل الغد وقد تسلح بعدة معاول معرفية ومعلوماتية وأخلاقية واجتماعية قادرا بها الدخول لمعترك الحياة .

وها هي رواية " لصوص القلعة" تنضاف كميا وكيفيا لمدونة الكاتب أولا ثم للمدونة التونسية فالعربية وقد قدم من خلالها رسائل ومضامين عدة تحركت ضمن معاجم عدة أثرية – تراثية وطبيعية –بيئية وآخرها اجتماعية – حياتية .
أما عن المعجم الأثري والتراثي والتاريخي فقد اشتغل الكاتب على موقع من خياله يتوفر على مقومات المواقع الأثرية بكل الأثاريات الموجودة غالبا بكل المعالم والمواقع الأثرية فهي قلعة وبها هياكل عالية كأنها عماليق وأعمدة رخامية وتيجان مزوقة وكتابات قديمة وأقواس وتماثيل وتاج عمود وحجارة صغيرة ومكعبات منتظمة وملونة ولوحات فسيفسائية وحجارة منقوشة وآنية فخارية وأخرى زجاجية وقناع قديم وحوض محفور وسرداب ومصابيح ونقود قديمة. ثم ها هو المعجم الطبيعي الذي اثرى المتن الروائي وزين صفحاته بخضرته فحضرت عدة تضاريس ومشاهد جغرافية طبيعية مثل التل المرتفع والحقول والبراري الواسعة وشجرة السدر والكهوف والأفاعي والحشرات السامة والكلاب وغابات الزياتين والبحر الأبيض المتوسط والخرفان والحملان والجديان والعشب .
والمعجم الثالث فهو اجتماعي – حياتي فقد ذكر الروائي أجواء الأعراس كحمل جهاز العروسة عزيزة إلى بيت الزوجية وأجواء البهجة والسرور كالزغاريد والأغنيات .
كل هذه المعاجم كانت في خدمة المتن الروائي الذي طرح إشكالية الآثار من عدة زوايا أولها الجمهور العريض الذي يجانب في سكنه المواقع والمعالم الأثرية معتبرا إياها خرائب وحجارة ملعونة وأصنام الكفار المشركين ثم استغلال ما وجد فوق تربتها أو تحتها واعتبر النبش في الخرائب مصدر رزق للأطفال والهواة والمحترفين إذ يقول النص" وما الجديد في ذلك؟ الكثيرون اتخذوا من تجارة الآثار مورد رزق لهم نعم يبيعون الآثار بأبخس الأثمان ثم يهرب بعضها إلى الخارج ويبيعها التجار المحترفون بمبالغ خيالية إلى هواة جمع الآثار من الأثرياء وأحيانا تنتهي في المتاحف العالمية" وقد عدد الكاتب هنا العديد من هذه الأصناف من الأطفال وصولا للعصابة التي قايضت الباحث المهتم بعدة تفاصيل والذي ثمن هذه الثروة الأثرية وتاريخها ورموزها رافضا بيعها والاتجار بها إذ هي ملك المجموعة الوطنية يجب أن تحفظ في المتاحف ليدرسها الباحثون المختصون بل وكانت لمسة فنية – سردية وجدانية من طرف الروائي أن ربط الباحث بمسقط رأسه لا باحثا قادما من مكان آخر ليربط نفسيا الباحث بطفولته التي عشقت هذا الموقع حتى كبر وسحرها قاده أن يختص في الآثار والتراث فعندما عاد باحثا أحس وكأن الحجارة تتكلم كما عبر عن ذلك النص " تجول وسط تلك الحجارة الصماء هذه أعمدة رخامية ذات تيجان مزوقة وهذه أقواس تداعى أغلبها فتراكمت الحجارة أكداسا وتلك حياض وحجرات وردهات انتصبت في زوايا ها بقايا تماثيل عيونها غائرة عيون لا ترى وآذان لا تسمع وخيل له رغم ذلك أنها تهمس وتتجاذب أطراف الحديث وتحكي حكايات لا تنتهي" وها هي الحجارة يعترف لها بفضلها عليه كما قال النص " إنه مدين لهذه الحجارة الصغيرة والكبيرة أنها هي التي صنعت حاضره" ولكي يكون وفيا ويرد الجميل بالجميل عاهد نفسه أن يرعى هذه الأرض الطيبة الحبلى بالكنوز المطمورة " وسيعمل جاهدا على إخراج ما بجوفها ليكتسف أسرار الأولين " متابعا وناقدا للنهب والنبش بجهته وبكل الجهات وطنيا وعربيا قائلا " أما نحن فتاريخنا مستباح آثارنا تنهب في وضح النهار كم من آثار فرعونية سرقت أنسيت ما حدث في العراق وسوريا " مع رفع الراية الحمراء المذكرة بإهمال المواقع والمعالم الأثرية التي فعل بها الزمن ما فعل كتراكم الحجارة أكداسا ومواقع بدون أسوار ومتاحف توضع بها القطع الأثرية وايقاف نزيف النبش العشوائي وأن تتكاتف كل المجهودات لوقف هذا الخطر بعد أن ذكر كل من مروا من هنا كاللوبيون والقرطاجيون والرومان والحضارة العربية الاسلامية قائلا " علينا أن نتصدى للصوص الذين ينهبون هذه الآثار إنهم يسرقون الماضي والحاضر والمستقبل "ورفض في الأخير التعاون مع العصابة ذات الاختصاص الممنهج في سرقة آثارنا مع أيادي وطنية متواطأة معهم.
كما انفتح النص على رسائل أخرى في نفس المنهج والمنوال وهي حب الوطن والموطن فهذه الجهة يقول عنها الباحث " حبيبتي حبيلة" ولم تزده الغربة إلا ارتباطا بهذه الأرض ولن نعرف ونقدر أرضنا إلا إذا ابتعدنا عنها وفارقناها فهي في الأخير كما لخصها البطل " ببساطة هو الحياة هو الأنس والأهل والخلان والدفء العائلي" ثم كانت تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة الحميدة وحب العلم والمعرفة وهو مثال والد البطل الذي راهن على هذه المثل وها هو البطل بعد وقت هام قضاه بالغرب نراه ناقدا للمجتمع الغربي المشدود للماديات كما طرح اشكالية هامة للدرس والاستثمار هي التفاعل مع الآخر وعملية التأثير والتأثر إذ قال النص " كل من يعيش في اوروبا يتطبع بطباعهم " ومن هنا توجب على الطفل – القارئ مواصلة استثمار القصة كالتعرف على تاريخ الوطن وكل الحضارات التي تعاقبت على حكمه وأهم الشخصيات السياسية والقادة العسكريون الذين بصمت حروبهم وقراراتهم السياسية تاريخ هذا البلد الحبيب والتعرف على أهم المواقع والمعالم الأثرية وأهم خصائصها .
إن النص "لصوص القلعة " طرح العديد من الإشكاليات التي ارتبطت جوهريا بعالم الآثار من المحافظة إلى التلف والإتلاف والسرقات وغيرها مارا بحب الموطن والوطن كانت اللغة حاضرة بسلاستها وعمقها المضموني والمتني مع أحداث مشوقة وشخصيات فاعلة.
بقلم: طارق العمراوي

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115