جدل واستنفار بسبب المسيّرات الروسية في أجواء بولونيا اختبار جماعي لحالة التأهب داخل حلف "الناتو "

في حادثة تحمل في طيّاتها ما يتجاوز مجرّد خرق جوي

أعلنت بولونيا أن طائرات مسيّرة يشتبه في أنها روسية انتهكت مجالها الجوي في تصعيد اعتبرته وارسو "الأقرب إلى الصراع المباشر منذ الحرب العالمية الثانية". ورغم نفي موسكو الرسمي، إلا أن الواقعة فجّرت سلسلة من التفاعلات الغربية الغاضبة، وأعادت التوترات الروسية الغربية إلى واجهة صراعها البارد المتقد منذ اندلاع الحرب على أوكرانيا.

وليست هذه أول مرة تتهم فيها دولة أوروبية روسيا بعمليات تسلل عبر الحدود، لكن ما جرى فوق الأراضي البولونية هذه المرة يبدو مختلفا في الحجم والنطاق والرمزية. فقد تحدثت وارسو عن 19 طائرة مسيرة اخترقت الأجواء، انطلقت معظمها من بيلاروسيا، الحليف الأقرب لموسكو، في وقت كانت روسيا تشنّ فيه موجة جديدة من الهجمات الجوية على أوكرانيا.

وحظرت بولونيا أمس تحليق الطائرات المسيرة وفرضت قيودا تؤثر في الغالب على حركة الطائرات الصغيرة غير التجارية في المجمل على طول حدودها الشرقية مع روسيا البيضاء وأوكرانيا بعد اختراق طائرات مسيرة هذا الأسبوع لمجالها الجوي.وقالت وكالة خدمات الملاحة الجوية البولونية في بيان إن القيود، التي لا تؤثر على حركة الركاب، دخلت حيز التنفيذ أمس الأربعاء الأول وتطبق حتى التاسع من ديسمبر.
ولطالما شكّلت بولونيا عمقا استراتيجيا حاسما لكييف على هامش النزاع الأوكراني، وقاعدة حيوية لوجستيا وأمنيا لدعم أوكرانيا بالسلاح والاستخبارات. ومع تحوّل أراضيها إلى منصة عبور مركزية للمساعدات الغربية، أصبحت أكثر عرضة للردع الروسي غير التقليدي.
وكانت تصريحات رئيس الوزراء دونالد توسك، التي وصف فيها الحدث بأنه "الأقرب إلى صراع مفتوح"، تعكس تأكيدات بولونية بجدية الموقف، رغم نفي وجود مؤشرات حقيقية على اقتراب الحرب.
لكن الجدير بالانتباه هو أن الرد البولوني لم يكن منفردا، بعد أن شاركت طائرات من هولندا وإيطاليا والولايات المتحدة في إسقاط المسيّرات، ما يشير إلى أن الحدث كان بمثابة اختبار جماعي لحالة التأهب داخل حلف الناتو.
روسيا تنفي
منن جانبها نفت موسكو، على لسان دبلوماسييها مسؤوليتها، ووصفت الاتهامات بأنها عديمة الأساس. كما أكدت وزارة الدفاع الروسية أن المسيّرات المستخدمة في الهجمات على أوكرانيا لا يتجاوز مداها 700 كلم، وهو ما يُفترض أنه أقل من المسافة التي تفصل نقاط الإطلاق عن بولونيا.
لكن هذا النفي، لم يُقنع قادة الغرب بل إن صمت الكرملين وامتناعه عن تقديم رواية بديلة عزز المخاوف من وجود نوايا روسية لاختبار حدود ردّ الفعل داخل حلف الأطلسي.
ووفق متابعين بدت ردود الفعل الغربية، من بروكسل إلى واشنطن، منسّقة وسريعة. إذ تعهدت الولايات المتحدة بالدفاع عن "كل شبر من أراضي الناتو"، والبيت الأبيض حيث أعلن أن الرئيس ترامب سيتحدث مع نظيره البولوني، في تحرك يبدو مدروسا لتأكيد وحدة الموقف.
ولعلّ اللافت أن هذه الحادثة تأتي في ظلّ تصاعد المطالب الأوروبية لزيادة الدعم العسكري لكييف، وفي لحظة بدأ فيها الرأي العام الغربي بالتساؤل عن كلفة الحرب. وبالتالي، فإنّ التوغل الجوي – إن ثبتت مسؤوليته الروسية – سيكون بمثابة حافز سياسي لتجديد الإجماع على ضرورة مواجهة موسكو بشكل أشد.كما أن مشاركة طائرات من عدة دول في العملية الدفاعية – لا سيما الهولندية والإيطالية – يشير إلى تفعيل بروتوكولات الدفاع المشترك بشكل عملي، وإن دون إعلان رسمي عن حالة طوارئ جماعية.
من جانبه قال أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو" مارك روته أنه بحث مع الدول الأعضاء طلب بولونيا إجراء مشاورات بموجب المادة الرابعة من ميثاق الحلف، "عقب انتهاك طائرات روسية مسيرة مجالها الجوي".جاء ذلك في تصريحات أدلى بها ، عقب اجتماع مجلس شمال الأطلسي، أعلن فيها إسقاط مسيّرات روسية في بولونيا باستخدام منظومات دفاع من بولونيا وإيطاليا وألمانيا وهولندا.وتتيح المادة الرابعة لأي دولة عضو في الناتو تستشعر أن سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو أمنها معرض لتهديد، طلب التشاور مع الحلفاء من أجل اتخاذ قرار بشأن سبل مواجهة التهديد.
ورغم أن الهجمات الروسية على أوكرانيا غالبا ما تكون محددة في أهدافها، لكنها هذه المرة امتدت إلى داخل حدود دولة عضو في الناتو. وحتى لو كانت نية موسكو اختبار أنظمة الدفاع الغربية أو التشويش عليها، فإن النتائج قد تذهب أبعد من ذلك.
فقد وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحادثة بأنها "سابقة خطيرة للغاية"، ودعا إلى ردّ مشترك. وهنا يبرز تساؤل هل تتحول بولونيا إلى ساحة المواجهة التالية، أو على الأقل إلى مجال اختبار مباشر لعتبة ردع الناتو؟ .
ورغم أن المراقبين يرون أن الحادثة لن تؤدي هذه إلى تصعيد عسكري مباشر بين روسيا والناتو، لكنها بالتأكيد سترفع درجة الاستعداد الغربي، وتُسرّع في تنسيق الردود على أي اختراقات مستقبلية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115