وازدادت وتيرتها بسبب الأزمات التي عصفت بالدول المطلة عبر المتوسط وبسبب تنامي الجرائم التي رافقت تدفق اللاجئين خصوصاً جرائم تهريب البشر مما يستدعي تعاوناً دولياً لوضع حدّ لهذه الأزمة .
ضمن هذا السياق، اعتبر السفير غيرهارد بوتمان كرامر، المراقب الدائم لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لدى الأمم المتحدة في جنيف، أنّ المجتمع الدولي بحاجة إلى التعاون والالتزام المستمر لمعالجة أزمة الهجرة وتأثيرها الإنساني المدمر على المستوى العالمي.
حتّم عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي في دول جنوب المتوسط، تنامي ارقام اللجوء والهجرة غير الشرعية وتحوّل البحر الأبيض المتوسط في تلك السنوات وما زال، إلى مقبرة مائية، بالرغم من أن دولاً مثل لبنان والأردن قد تحمّلا العبء الأكبر من الضغوط المتعلقة بلجوء السوريين بسبب العامل الجغرافي المؤثر. فلبنان لديه ما يقارب مليوني لاجئ سوري، والأردن أكثر من مليون وخمسمائة ألف لاجئ سوري.
أدى تنامي توافد اللاجئين إلى أوروبا إلى تصاعد الخطاب اليميني وأدى أيضا إلى تضارب المصالح بين الدول الأوروبية، ففي حين كانت دول جنوب أوروبا تطالب بسبب ظلم اتفاقية دبلن، بالتضامن وتقاسم الأعباء مع دول شمال أوروبا التي كان اغلبها يرفض استقبال اللاجئين تضامناً مع باقي دول الاتحاد الأوروبي.
ساهم هذا التضارب في المصالح إلى إحداث تغييرات جذرية في افريل 2024، إذ وافق البرلمان الأوروبي على حزمة تاريخية من إصلاحات سياسة الهجرة واللجوء. أهمّ تلك الإصلاحات، هي الآلية التي تعدّل اتفاقية دبلن المذكورة أعلاه وبالتالي تلزم الإصلاحات الجديدة دول الاتحاد الأوروبي (شمال أوروبا) باستقبال اللاجئين من الدول الأعضاء الأخرى (جنوب أوروبا) من أجل تحقيق توزيع أكثر توازنا للاجئين في دول التكتل.
من الواضح ان الحلول المطروحة لإدارة مسالة الهجرة غير الشرعية في المتوسط لا تقوم على رؤية واحدة بين دول جنوب المتوسط، إذ تفرض الواقعية ان تقوم الدول الأوروبية بالتعاون معها في حال إعادة أو عودة اللاجئين إلى بلادهم باعتبارها دول المنشأ وذلك من خلال تطوير اتفاقيات للتعاون مع دول ثالثة ما حصل مؤخراً مع مصر وتونس لا تكون فيها المصالح الأوروبية هي الأساس.
تقول سارة بنجلون وهي باحث مساعد في LPED ومراكز أبحاث العلوم الاجتماعية LIMI MOVIDA، أن هذا التباين بين دول الشمال والجنوب يعود إلى أن " أوروبا تواصل تركيزها على النهج الأمني في إدارة مسألة الهجرة غير الشرعية، بينا تدعو دول جنوب المتوسط إلى اعتماد نهج سياسات أكثر شمولية وتماشياً مع سمات الهجرة الخاصة بها " .
بهذا المعنى، تقول د. مشري، مرسي، في دراستها "أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والإنعكاسات"، أن الهجرة قد تحوّلت إلى قضيّة أمنية، وصارت الهجرة غير النظامية هي عملية إجرامية في نظر السياسات الأوروبية التي خلقت جدران العزل. وظهر مفهوم الأمننة أول مرّة في مدرسة كوبنهاغن، وهو يعني تحويل أي موضوع إلى قضيّة أمنية، بحيث يقدّمها الفاعلون على أنّها تهديد لوجودهم ويتقبلها الجمهور.
ختاماً، يتناول دكتور حمزة جمول في كتابه "السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي في المتوسط – دراسة لأزمة الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط " الحاجة إلى تطوير التعاون بين الدول الاوروبية والعربية على أساس التضامن والشراكة الجدية، تحديث الشراكة الأور ومتوسطية لتتماشى مع المتغيرات الطارئة والمتسارعة ووضع حلول مشتركة للتحديات المشتركة، على أن تعتمد الحلول في المقام الأول على البعد التنموي الإقتصادي والإستقرار السياسي بالإضافة إلى قاعدة رابح - رابح .
التعاون الدولي في مكافحة الهجرة غير النظامية في البحر الأبيض المتوسط
د. فيصل مصلح كاتب لبناني
تُشكّل مسألة الهجرة غير النظامية في البحر الأبيض المتوسط أزمة حقيقية ما زالت تهدد الأمن الإقليمي
Leave a comment
Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.