هذه تونس تعيش العطش اليومي في انتظار نهاية حكاية حكومة «الوحدة الوطنية» في مرحلة تعطشنا للوحدة وأصابنا قحط الأنانية ومنطق الغنيمة والمحاصصات وحتى لا نصاب بالعطش نحتاج لقطرة واحدة من دواء اسمه «حبّ تونس» مدة صلوحيته لا تتجاوز ثلاث سنوات مكوناته العطاء قبل الأخذ والإيثار قبل الأنانية والبناء قبل الهدم حينئذ نتعافى ويأتينا الشفاء وتغادرنا الأسقام ...وتصحّ تونس ...
هذه تونس تعيش العطش الروحي والقيمي بعد انهيار كلّ القيم وتفّشي الفساد في كل المفاصل والعقول والقطاعات ...مع مطلع كلّ يوم تتواتر علينا الأخبار الغريبة العجيبة من جرائم القتل والتحيّل والإعتداء والجور والظلم ..مئات الملفات ومئات الشكاوى والحقوق ضائعة والواجبات مدفونة ...
هذه تونس تعيش العطش في المواقف فالتلوّن والمداهنة والسير على نهج المسؤولين ذوي الأطماع الشخصية من الذين لم يدركوا أن الماضي لا يعني الزمن البعيد ...بل كلّ ما مضى ولو لحظة مضت ..والماضي - يعني ما فات - على أغلب عقولنا أنّنا لم نتعلّم الإتعاظ من الماضي ....التلحيس وقلبان الفيستة وتبديل المواقف وتغيير المبادئ وتلوّنها هي القاعدة وتتكرر الصور ولا نحسن قراءة الدروس ونبقى في نفس المستنقع ..هذه أحوال الكثير من التونسيين ... وخاصة النخبة منهم..
تونس تعيش العطش في مؤسسات الدولة والنماذج كثيرة يكفي أن نرى بأم أعيننا أمّ نذير القطاري في ليبيا بمفردها تبحث عن فلذة الكبد تحرّكها الأمومة ....هذا الخبر نذير صادم وقوي بانهيار الدولة انهيارا رهيبا وبتغلغل الأنانية في كلّ المفاصل وعجز المؤسسات وشللها التام عن التكفّل بالموجود وبالمفقود ..تلك هي الهاوية العاوية ...
هذه تونس تعيش العطش في البرامج والاستراتيجيات الإصلاحية والإنقاذية للحالة المترديّة اقتصاديا أساسا والتي تتمظهر في انهيار الدينار وزيادة التداين وتوقّف الاستثمار والعجز التجاري وازدياد التهريب والتهرّب الضريبي ودبيب الخور في منظومات الإدارة وتهاوي الوظيفة العمومية وازدياد الرشوة والمحسوبية ...
هذه تونس تعيش العطش وهي تنتظر فراغ جيوب المواطنين بعد خرفان العيد ومفتتح السنة الدراسية وتنتظر بداية الموسم الكروي بمشاكله وتوتّراته وتترقّب التحرّكات الاجتماعية الاحتجاجية التي لن يفلت من عقالها أي قطاع فالمطلبية قاعدة التحرّكات النقابية والاستجابة سمة لازمة في دولة اليوم بالتزاماتها الثقيلة سنة 2017..
هذه تونس تعيش العطش في أخلاقياتها وقيمها الروحية جرائم القتل تتكاثر ظاهرة الانتحار تتفشّى المخدرات وما تبعها حوادث الطرقات ووخيم نتائجها ولا ننسى تخلّي الأسرة عن دورها والمدرسة عن واجبها والجامع عن مهمته فكان العطش الفكري قد أجدب القلوب والعقول ...
ولولا ارتواء المؤسسة العسكرية بالوطنية والانضباط ولولا سقي المؤسسات الأمنية بروح الجمهورية وعبورنا مرحلة المخاطر الإرهابية لأبادنا العطش جميعا ....كلّ هذا وغيره هل يكون إيذانا باندلاع ثورة «العطش «؟
هل نحن قادرون على تجاوز مرحلة العطش .. علينا أن لا ننهزم . وعلينا أن نبقي شموع الأمل متوقّدة تنير الدرب ولا نسكت الصوت بالرجاء والإستسقاء ولا نوقف نبض القلب ..تحدونا رؤية الآفاق رغم بعدها عن الآماق ..ها نحن نسير نحوها بعزيمة المشتاق حتّى لا تغرقنا ثورة «العطش».