زوبعة في كتاب

صنصرة كتاب"فرانكشتاين تونس " لكمال الرياحي في المعرض الدولي للكتاب الذي أُفتُتح مؤخّرا لا يمكن أن يشكّل مفاجأة

إذا نظرنا في سياق ما يحدث في الساحة من تضييق على الحصص الحواريّة ومن هرسلة متكرّرة على عدد من الإعلاميين ، المفاجأة هي خروج تلك الأعداد الهائلة من المتطوعين لاختلاق المبرّرات القانونية والأخلاقية لذلك القرار، ومما يزيد من غرابة هذا الامر انتساب ّ جلّ هذه العناصر المتطوعة إلى عالم الفكر والكتابة، وهذه المناسبة تثبت خطورة هذه الفئة في تدجين المجتمع من خلال الدور الذي تلعبه ، وقد يكون الامر أخطر من ذلك «الجيش» المسخّر على الصفحات الإلكترونية والمنابر لتشويه وتخوين المعارضين وغير المنصاعين وتدمير سمعتهم، وربّما هم أخطر من ذلك "الجيش» فبامتلاكهم القدرة على إيجاد المسوّغات النظرية والتبريرية للقرارات حتى وإن كان فيها دوس فاضح للمبادئ والقيم التي يدعون الالتزام بها والدوس على الحريات، لقد كانوا أكثر من ساعد السلطة في توفير الغطاء الدعائي والإعلامي في عمليات طرد القضاة وحلّ المجلس الأعلى للقضاء وتفكيك المؤسسات والانفراد بالسلطة والزج بالمعارضين في السجن وهرسلة الإعلاميين وملاحقة النقابيين، لقد كانت حجتهم في دفاعهم الشرس عن تلك العمليات - رغم عدم إنكارهم لوجه التعسف الذي يشوبها - أنّ تلك الإجراءات ضرورية لتخطي المرحلة السابقة والأضرار التي خلّفتها على جميع أوجه الحياة بالبلاد، لفتح الطريق أمام إعادة تركيز مقوّمات الحرية والديمقراطية على قواعد سليمة. حتى وإن نجحوا في إقناع بعض الدوائر السياسية والاجتماعية بهذا الخطاب الديماغوجي ، إلا أنّ موقفهم من الصنصرة أسقط حجّتهم تلك ، لأنّ حرية التفكير والإبداع، مسألة جوهرية لا تقبل المساومة ولا المهادنة تحت أي مسوّغ كان، وخطيئة هؤلاء أنّهم حين عجزت إدارة المهرجان عن تبرير ذلك الفعل الأحمق ولم تفلح المسرحيات التي لجأت إليها للتغطية على فداحة تلك الفعلة، هبّوا بأنفسهم لتصدّر المواجهة، وأوّل شيء قاموا به ترك قصّة الكتاب جانبا وجرّ الجدل الدائر نحو الخلفيات السياسية والفكرية للكاتب، واختيارهم لتهمة التطبيع التي كانت قد وجهت للكاتب في وقت سابق،و ليس ذلك من قبيل الصدفة والإرتجال ، وتلك لتهمة باتت «سلاحا» يستخدم بمناسبة أو بغير مناسبة لعزل بعض الأشخاص أو إصدار عقوبة بشأنهم كما حصل مع الأكاديمي «الحبيب الكزدغلي» العميد السابق لكلية منوبة بسبب اشتراكه في ندوة علمية تدخل في نطاق بحوثه واختصاصه العلمي وكادت أن تطال البطلة العالمية للتنس أنس جابر والتي تعرّضت لحملات التشهير والتشنيع بسبب مواجهتها للاعبة إسرائيلية، لكن انتصاراتها الباهرة أخرست كل الألسن وجعلت جميعهم ينسون الموضوع جملة وتفصيلا، لكن ذلك لا يعني أنّ موضوع التطبيع ليس شديد الحساسية لدى الرأي العام التونسي الذي مازال ثابتا في مناصرته للقضية الفلسطينية ، المشكل أنّ البعض جعلوا من ذلك «خشبة النجاة» لأنفسهم حين يعجزون عن معالجة بعض الأوضاع التي لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية والتستر على حقيقة مواقفهم من بعض القضايا الحارقة، لذلك لم يعد لتلك التهم الوقع الكبير على الرأي العام الذي فقد حماسه نحوها بسبب ما يشتمّه من توظيف سياسي ودعائي لها، وما يثير الشكوك حولها، أنّه الى حدّ الآن اقتصرت الضجة في هذا الموضوع على شخصيات من الوسط الرياضي والفكري ولم تطل أحدا من المجال الاقتصادي والسياحي والثقافي، والأغرب أنّ الأطراف السياسية التي ينتسب اليها معظم هؤلاء والتي كانت تعتبر ان تجريم التطبيع أولوية الأولويات الوطنية وكانت تطالب بتضمينها في الدستور، صمتت ولم نعد نسمع لها صوتا في الموضوع بالرغم من أن الفرصة بعد جويلية25 أصبحت متاحة أمام نظريا لطرح ذلك المطلب أكثر من ذي قبل ، واذا افترضنا جدلا أنّ ما قام به كمال الرياحي يرتقي إلى مستوى التطبيع بكلّ ما تحمله تلك الكلمة من معنى، فما علاقة مضمون كتابه المصادر بمسألة التطبيع ؟ وإذا كانت هذه التهمة كافية لفرض المقاطعة على كلّ من توجه إليه تهمة التطبيع ، فبماذا يمكن تفسير وجود سلسلةl’homo-sapiens وهي كتب للكاتب الإسرائيلي «يوفال نواه هراري» والتي تملأ فضاءات البيع بتونس وتلقى إقبالا كبيرا رغم ثمنها الباهظ. خطر هؤلاء ليس في توظيفهم السياسي لضرب العلم والفكر، بل ان خطرهم يتمثل أكثر في خلط المفاهيم والعمل على إضعاف دور الفكر والمفكرين في مجتمع يشكو من المنطلق خللا في علاقته بالكتابة والإبداع، فهل هنالك أكثر من هذه السذاجة في عصر الأنترنات والتطور الرهيب لوسائل التواصل السمعي البصري هنالك من يعتقدون أنّه ما زال بإمكانهم محاصرة كتاب أو فرض وصاية على القارئ، فيه عالم يغلي بالجديد في مجال الإنتاج الفكري والعلمي، وما يحتاجه مجتمعنا هو فتح مساحات أوسع للحرية والإبداع إذا أردنا أن نجد موطئ قدم بين الأمم والشعوب التي تفكر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115