لمحدوديّة صلاحياته الواردة بدستور 2022 (الذي كرّس الحكم المُطلق) والقانون الانتخابي (الذي كرّس الإقصاء) كذلك للصّراعات الحادّة القائمة بين مختلف مكوّنات المشهد السّياسي وامتناع أغلبيّة مُنظّمات المجتمع المدني عن الانخراط في التّمشّي الحالي من خلال مقاطعة شريحة واسعة لهاته الانتخابات وبالتّالي رفض نتائجها و هو ما يعني عدم الاعتراف بمجلس نوّاب الشّعب القادم الذي سيؤسّس لصراع حول مشروعيّة المجلس من عدمه ومدى تمثيليّته الشّعبية التي تخوّل له التّشريع باسم الشّعب... ومن الواضح أنّ السّنوات القادمة لن تشهد استقرارا سياسيّا حيث ستنقسم البلاد إلى طرفين متنازعين وهو ما يجعل من مسألة التفاف التونسيات والتونسيين حول مشروع مُوحّد ومتعدّد الأبعاد (أو بنسبة كبيرة) لإنقاذ بلادنا ووضعها على طريق الرّقي والتقدّم على كلّ المستويات مسألة صعبة المنال أو شبه مستحيلة وبالتالي ستتواصل الأزمة بأكثر حدّة منذرة بانهيار الدّولة ومؤسّساتها وكلّ المنظومات الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية.
كما أنّ الانفراد بالرّأي وازدواجيّة الخطاب ورفض التّشاركيّة والتواصل والحوار والتهجّم على مخالفي الرّأي بكلّ الأشكال والتّشهير بهم ومحاصرتهم وتلفيق تُهم كيديّة ضدّهم والإصرار في مُواصلة التّعنّت وعدم الأخذ بالنّصائح وتكرار نفس الأخطاء والمُضي فيها دون حرج وتهميش كلّ المؤسسات الرّقابية والتعديليّة واستعداء الجميع خاصة الكفاءات والخبرات، علاوة على تجميع كلّ السّلطات من دون أي مساءلة سيؤدّي بنا إلى الدّكتاتورية والاستبداد والانتهاك المُمنهج للحريّات العامّة والفرديّة وللحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة لعموم الشّعب التّونسي علاوة عن ضرب الحقّ في المفاوضة الجماعيّة والحقّ النّقابي (المنشور20/21) وتفكيك مُنظّمات المجتمع المدني وتدجين الاعلام والالتفاف على مكاسب الدّولة الوطنيّة وهو ما سيزيد من الإساءة لصورة تونس في الخارج وخاصة لدى المجتمع الدولي. والأكيد أنّ الفشل الذي رافقنا طيلة السّنوات الماضية والتّراكمات السلبيّة للمنظومات السّابقة والممارسات السيئة ستتواصل وستزداد حدّة وهو ما سيزيد في تعقيد عمليّة الإنقاذ والإصلاح الحقيقي علاوة عن غياب رُؤية واضحة وجديّة لمحاربة الفساد بجميع أشكاله والتهرّب الجبائي بما ستكون له كُلفة باهظة جدّا على المجموعة الوطنيّة.
وحيث أنّ حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير ممكنة إلا بحلحلة الأزمة السّياسيّة، علما بأنّ كلّ المؤشّرات تؤكّد شبه استحالة تحقيق هذا الأمر لا على المستوى القريب ولا على المستوى المتوسّط، و عليه فإنّ المواصلة في نفس النّهج ستزيد من التدهور الخطير للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وستصبح كلّ المنظومات وخاصة منظومة الإنتاج مهددة بالانهيار مع اندثار المرفق العمومي وارتفاع غير مسبوق لنسبة التضخم والفقر والبطالة وتدنّي النّمو وركود الاستثمار العمومي والخاص علاوة عن رفع الدّعم وآثاره عن المواطنين والمواطنات وخوصصة المؤسّسات العموميّة لا سيما في ظل غياب رؤية واضحة والافتقار لبرنامج إصلاح حقيقي مع المواصلة على نهج الارتجال والحلول الترقيعيّة والعشوائية أو المُسقطة وفي سياسة الفشل والفعل وردّة الفعل وعدم القدرة على استنباط الحلول للإشكاليات المطروحة والملحّة على غرار المشاكل التنموية والبيئية والتزود بالمواد الأساسيّة والغلاء المشط للأسعار وانهيار أغلب مؤشرات المعيشة والرّفاه المنشود.
وأمام هذا الوضع الخطير والغير عادي بكلّ المقاييس وفي ظل الغياب الكلّي لروح المسؤوليّة الوطنيّة وقيم العيش المشترك وفي ظل غياب كل مشروع جدّي لأغلب المترشّحين والمترشّحات والمواصلة في الشعبويّة والمحاباة والفئويّة والجهويّة، فإنّ الاتحاد العام التّونسي للشّغل كمنظّمة وطنيّة عريقة لا يمكن له الانخراط في التّمشّي الحالي والمساهمة في تفكيك المجتمع والدّولة الذي كان من أوّل بُناتها أو ضرب السّيادة الوطنيّة وانتهاك الحرياّت والحقوق وبقبول الأمر الواقع والتّهليل للدّكتاتورية والاستبداد وهو ما يدفعنا إلى اعتبار أنّ الانتخابات القادمة لا تعنينا وندعُو مجدّدا لحوار وطني جامع وخارطة طريق سياسيّة واقتصاديّة واجتماعية تُؤسّس لمستقبل أفضل وتُعيد الأمل للتّونسيات والتّونسيين.
بقلم: أنور بن قدور