الذي وصل الحكم عن طريق الإقتراع المباشروالذي اكتشف خلال الفترة التي قضاها في قرطاج, مدى صعوبة المرحلة وتشعب الأمور من تفشي الفساد وسيطرة المافيا على كل مجالات الحياة داخل المجتمع, الرئيس (الذي يسير نحو التحنك السياسي والذي يعلم الناس نظافة يده وصدق خطابه ونزاهة سريرته) إستجاب لنداء الضمير ونداء أغلبية مكونات هذا المجتمع فوجد الثغرة وأخذ قرارات جريئة كانت أول نتائجها الإستبشار ورجوع الدم إلى شرايين المجتمع وفرحة عارمة عمت جميع شرائح ومكونات هذا البلد.
وإلئن حاول البعض إدخال بعض الإرباك على طبيعة هذا التمشي من تأويل للحيثيات والفواصل والنقاط وإصدار صفارات «الخوف على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان», كل هذا لم يزرع الخوف ولا الشك لدى قائد الدولة الذي قرأ الإحدى عشر سنة الأخيرة قراءة صحيحة وفهم أن ما آلت إليه البلاد من سوء تصرف وفوضى وفساد لا يسمح بالمواصلة و يقتضي وضع حدّ للمسرحية البذيئة والمضي قدما نحو مرحلة جديدة.
وقد أكدنا على الأقل في ثلاث مناسبات في منابر على صفحات هذه الجريدة على الضرورة الانية والعاجلة لإتخاذ مثل هذه القرارات ووضعنا الأطر العامة والخاصة للإنطلاق في عملية البناء.
العاجل:
العالم ينظر اليوم إلى تونس نظرة الاستبشار والتفاؤل مع بعض من الخوف: كيف ستكون ملامح المرحلة القادمة؟ وجب إعمال الفكر واللجوء إلى الحكمة والذكاء من أجل بناء مرحلي يعتمد على استراتيجيا واضحة وتدابير عملية وميدانية فعالة في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة.
لقد أثبت إدماج الدين في السياسة والإقتصاد والثقافة والتعليم والبحث العلمي أن هذا الإختيار فاشل وله منتج عكسي, أدى إلى التقهقر والإنهيارالمجتمعي وبروز طبقة اجتماعية لا مبدأ لها ولا فلسفة ولا ثوابت ولا مهارات, أدت إلى تحطيم عميق لكل مكاسب دولة الاستقلال. وجب انيا وضع حد نهائي لسيطرتها. كيف ذلك؟ عمليا, وجب حل البرلمان ( أولا), ثانيا عرض استفتاء شعبي للرجوع إلى دستور 59 .هذا على مستوى القرار السياسي الآني والعاجل والذي أتصور أنه سيحظى بالمساندة الشعبية الواسعة والذي سوف يمكن رئيس الدولة من المسؤولية العظمى للتمكن من الصلاحيات التي يفرضها المنطق والعصر وضروريات البناء.
توجد في كل المستويات الحياتية قرارات وجب اتخاذها من أجل إعادة الأوكسيجان إلى رئتي المجتمع وضخ الدم في شرايينه وإعادة القلب (المحرك الأساسي) إلى النبض و الحياة.
أسوق تباعا بعض البديهيات: تعيين وزراء أكفاء وشرفاء ممن أثبتوا مؤهلاتهم ونجاعتهم وقدرتهم على قلب الموازين (أخص بالذكر السيدان الطرابلسي محمد وروني). أمثالهم بالالاف. وجب حسن الإختيار والإهتداء إلى رجل (أو إمرأة) المرحلة.
رفع القيود البالية المكبلة للنشاط الإقتصادي لكل فئات الشعب. يجب منح القروض لحاملي الشهادات والمشاريع والأفكار من الشباب خاصة والحرفيين وباعثي المشاريع الصغرى. يجب إعادة الثقة والإرادة لدى المستثمرين الكبار من الداخل والخارج لإعادة الحياة والإنطلاق في البناء والتشييد والتوسيع والإرتقاء.
كما يجب منح الحياة لإعلام عمومي باستقطاب الكفاءات وتعيين أناس أذكياء وطنيين عارفين وذوي اختصاص في المر اكز القيادية لهذا القطاع الحيوي حتى يتم الإنطلاق نحو إعلام مسؤول ومعاضد يضطلع بمهامه الفعلية ويقطع الطريق أمام المهازل والدعارة والفساد والتسيب الذي يشل العزائم ويبث اليأس وتتعالى فيه أصوات الجهلة «المنظرين» بينما سكت الأذكياء والمختصون والعارفون: إنطلاقة نحو المفيد والصحيح و الجدي والمعلم والمروح.
في القضاء والمحاسبة: إن هذا الميدان (كما شتى ميادين أخرى) حساس وصعب. لا يمكن على المستوى العاجل إلا الإطاحة بأكبر رموز الفساد, بارونات الظلم والتطاول على المصالح الحيوية للبلد, محاكمات سريعة ومثالية.
الآجل:
يتمثل هدفنا في إرساء دولة معاصرة يعيش فيها مواطن حر ومثقف و مسؤول في رفاهية وراحة: هذا هدف طويل المدى! يجب القيام بعمل دؤوب في المستقبلين القريب والبعيد. وهذه القلسفة الإستراتيجية تتطلب صياغة جديدة لكل ميادين النشاط.
فالاقتصاد يبنى على أسس فتح كل المجالات ورفع كل العراقيل من أجل خلق مناخ ثقة وراحة و بعث ديناميكية لدى كل فرد من أجل خلق القيمة المضافة والزيادة في الرفاهية المادية. ادام سميث وكاينس أيضا! الإنتاج, الإنتاج, الإنتاج والتصدير أولا! في هذا الخضم يمكن كتابة مجلد إذا أردنا التطرق إلى القطاعي والجزئي والدقيق: العام والخاص, الداخلي والخارجي, الميادين والمجالات, الصناعة والفلاحة والسياحة والخدمات والتكنولوجيات الجديدة,الطاقة والماء, التفتح على المحيط المباشر: الجزائر ومصر والمغرب وليبيا (فضاء عظيم لإقتصاد فاعل يبدأ بفتح المجال أمام تنقل الأشخاص والسلع).أفضل السبل لبناء الديمقراطية (التي هي مسار ولا فقط قرارات حبر على ورق) يبدأ ببناء إقتصاد صلب. فالمعدة الفارغة والجائعة لا تهمها الحرية!!
بقي أن نقول أن كل الميادين الأخرى تحتاج إلى عمل دؤوب وبرمجة طويلة المدى وبناءا مشتركا: التعليم نحو طفل وشاب جديد, البحث العلمي نحو مجتمع المعرفة والذكاء والخلق والإبداع, الصحة نحو صحة للجميع والقضاء تدريجيا على الوضعية المزرية والصارخة من صحة باهظة وذات سرعتين: سرعة يموت فيها الفقير وسرعة يسلب فيها المرفه من الغالي والنفيس, القضاء القانون (سيادة وعلوية قوانين الجمهورية أمام مواطنين متساوين في الحق و الواجب في دولة مؤسسات), الرياضة نحو تنوع وديمقراطية ومواثيق عادلة وشريفة تنهي سيطرة نمط واحد وأقلية وفساد نتن وكريه واسع النطاق, تربية وسلوك بيئي جديد يزرع لدى الخاص والعام من أجل تفاعل عملي مع مقتضيات العصر وإنهاء هيمنة السماسرة وتجار الكلام...
في الآجال: في خلاصة, خلق وطن جديد ومواطن جديد ومجتمع جديد تكون لديه ثوابت لا تتغير مع تغير الحاكم أو مع متغيرات الأوضاع الداخلية أو الخارجية: إرساء الديمقراطية المسؤولة, بناء مواطن واعي, مثقف, قادر على التمييز, على العمل, على تربية أطفاله والعيش داخل أسرة متوازنة, السير نحو قداسة المؤسسات و علوية القانون, تفجير طاقات الخلق الإبداع العلمي و الثقافي والإمتياز. فنحن لم نوفر بعد الظروف السانحة لبروز أمثال نيوتن وبتهوفن وشكسبير و ايزنشتاين.
عمل دؤوب ينتظرنا إذا نحن أردنا الحياة وإذا نحن تقنا إلى النور»العذب الجميل» وإذا نحن أردنا إعادة خلق المجد لهذا الوطن العظيم والسخي والثري.
فلنبدء!!!