إلى أهم المنظمات الوطنية في البلاد بطريقة صادمة فاجاتنا صراحة والحديث عن «الحوار الوطني» الذي أنجزته عام 2013 بطريقة بلغت درجة نسف صفة الوطنية عنه.
عفوا سيادة الرئيس، لقد كان حوارا ووطنيا بامتياز باعتراف كل كواكب الكون وجميع البشر في مشارق الأرض ومغاربها لما حققه آنذاك من انفراج - ولو ظرفي - في واقع كان يؤشر للمجهول وسياق ينذر بالاتيان على الأخضر واليابس.
صحيح ان الحوار الوطني، في قراءة متأنية اليوم بالنسبة لمن خانهم التسرّع يومها، اخرج مكونات حكومة الترويكا بقيادة النهضة انذاك من عنق الزجاجة ونفّس عنها الخناق لكن ذلك يعود إلى اختلال المشهد حيث لم تكن هناك مؤشرات لوجود بديل أرحب خاصة أمام تشرذم بل تطاحن القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية.
نقول نفّس عنها ونحن نتذكر تحذير أحدهم لابناء عشيرته من انهيار سقف البيت عليهم جميعا إذا لم يغادره مطمئنا اياهم في نفس الوقت بان مغادرتهم الحكومة لن تكون مغادرة للحكم.. ألم يعترف راشد الغنوشي رئيس النهضة نفسه بهذه الحقيقة؟.
ولا تقف المآخذ عند هذا الحد، فهناك مسألة على غاية من الخطورة وقع إهمالها ايضا وهي عدم تفعيل أحد مخرجات الحوار وتحديدا نقطة مراجعة التعيينات التي تمت على اساس الانتماء، الأمر الذي وفر الطمأنة وسمح بتواصل السيطرة على مفاصل الدولة وخاصة السيادية منها إلى جانب بعث الهياكل الموازية لمزيد إحكام القبضة عليها ونهب خيراتها و لا يمكن هنا التغافل عن موضوع ما عرف بالجهاز السري لحركة النهضة.
صحيح أيضا ان الإشعاع الدولي عبر جائزة نوبل للسلام التي تحصل عليها الرباعي التونسي لحما ودما الراعي للحوار الوطني المكون من اتحاد للشغل واتحاد الأعراف وهيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جاء متأخرا بسنة عما كان يمكن أن يكون عليه لأسباب لا فائدة في ذكرها الان، ولم تستفد منه تونس للاسف مثلما استفاد منه البعض وقد يكون ذلك لسوء تقدير أو لضيق أفق أو لغاية في نفس يعقوب قد تكشفها الايام.
فوق كل هذا، أليس صحيحا أيضا ان ذلك الحوار جنب البلاد اقتتالا انكشفت بعض خيوطه ذات يوم من شهر مارس سنة 2016 في بنقردان تحديدا عندما وقع اعتقال أحد قادتهم العلنيين المحصّنين، على غير عادتهم في الفصل بين السري والعلني، في بيته الذي احتوى على مخزن للسلاح استعدادا لـ«الغزوة» والهجوم على المدينة الآمنة تمهيدا لاقامة إمارة، رغم زعمهم لاحقا ان ما تم لا يعدو الا ان يكون نقل الرجل من بيته حماية له من اعتداء إرهابي محتمل عليه ليطلق سراحه لاحقا؟
انها الحقيقة ولن يستطيع الجن والمجوس اخفاءها لأنها موثقة عبر تصريحات للعموم من مسؤولين وطنيين لا نعلم إلى حد الآن الى اين تم ابعادهم.
والاصح والاسلم كذلك ان خطر الاقتتال لازال قائما ومصرحا به من عدة أطراف، تهديدا مبطنا في غلاف تحذير منه في صورة عدم الجلوس إلى حوار لم تدع له ولكنها تمسكت به بشروط تمهد لها لتضمن بقاءها فى الحكم من ناحية وتبعث برسالة إلى الرأي العام وخاصة الدولي منه مفادها وداعتها وديمقراطيتها وكذلك رسالة طمأنة لحلفائها على قدرتها على المناورة والخداع مثلما فعلت مع كل شركائها في الحكم منذ وطأته اقدامها.
فالاشكال اذن ليس في الحوار السابق نفسه والذي يحتاج إلى كثير من تسليط الضوء انصافا لأصحابه وقطعا للطريق أمام المستثمرين له والمتمعشين منه، ولن يكون في المشروع الحالي الذي طال مخاضه وقد لا يرى النور او يولد مشوها، ولكن في ارضيته وفي اطرافه وصدقهم وقدرة المبادرين به على متابعته وتفعيل مخرجاته لاحقا، ولا حل لسواه وبهذه الشروط لبوادر الخروج من الازمة العميقة والمعقدة التي تعيشها البلاد.
اليوم، ولئن وظفت جائحة الكورونا فيما لمنع وقمع التجمعات والاحتجاجات المطالبة بالحلول مقابل غض الطرف عن تظاهرات ومسيرات بعينها لا تؤذيها إذا لم يكن فيها نفع شخصي وحصري، فإن هذا المنع سيكون لاحقا محركا وخزان حجج لمزيد مقارعة من يحكم وتمسكا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنضال من أجلها بدعم من كافة القوى الصادقة في هذا البلد على قاعدة الوضوح والاحترام المتبادل والجرأة في استنباط وتنفيذ الحلول الجذرية التي تنقذ البلاد نهائيا لا مؤقتا وجزئيا كما كان الحال في 2013 وهذا لا يعني بطبيعة الحال التطاول على التاريخ وعلى المنظمات التي نجحت ذات يوم صعب من ايام تونس العصيبة في جمع الفرقاء حول حوار وطني بكل المعاني بالنسبة الصادقين فيه كحد ادنى، علما وان الاستدراك خلال اللقاء مع السيد لطفي زيتون غير كاف.
ما هكذا تورد الابل يا سيادة الرئيس !
- بقلم المغرب
- 10:39 26/06/2021
- 825 عدد المشاهدات
بقلم قاسم عفية - عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل سابقا
مهما كانت المآخذ على قياداتها وعلى تاريخها وأدوارها، لم يكن من الحكمة والوجاهة والمسؤولية ان يتعرض رئيس الجمهورية