المفروضة تحت ضوابط ضيّقة وشروط صارمة وعدد محدّد.
الثابت أنّ المملكة العربيّة السعوديّة هي الخاسر الوحيد من الجانب المالي والاقتصادي لما لهذه الشعيرة من مردودية ماليّة جليّة وكبرى وقد كانت الكورونا سببا في فرملة مشاريع المملكة الاستشرافيّة «الحجّ 2025م» و«الحجّ 2030 م» وما كان يتطلّب كلّ ذلك من استثمار وتوسعات وجهود. لذا فمن غير المعقول أن يكون قرارها حول الحجّ لهذا العام قرار اختياريّا ترضاه لنفسها كدولة يقوم اقتصادها بشكل كبير جدا على مداخيل الحجّ فالجانب الاقتصادي حكم رئيسي فاصل في استعادة هذه العبادة بشكلها العادي أو في تحجيمها حسب الأوضاع الصحيّة.
والمعلوم اليوم أنّه تبعا للبيـان الصّـادر عن وزارة الحج والعمــرة بالمملـكة العربية السـعـودية بتـاريخ 12 جـوان 2021م والـذي تقـرّر من خلاله اقتصـار إقـامة حـجّ هذا العـام 1442هـ/2021م على عدد معيّن ووفق شروط محدّدة.
• المباركون لقرار السعوديّة في ما يتعلّق بفريضة الحجّ 2021 م: الحكمة المقاصديّة.
وقد لقي هذا القرار استحسانا لدى أغلب الجهات إذ أشاد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، بشروط حج 2021. المتمثّلة في حصر الحجّ على المواطنين والمقيمين داخل المملكة، مع تحديد عدد الحجاج بإجمالي (60) ألف حاج، نظرًا لاستمرار تطورات جائحة كورونا «كوفيد-19»، وظهور تحويرات جديدة له حول العالم وقال إنّ «من توفيق الله وكرمه أن وفّقنا لإقامة شعيرة حج هذا العام مع ظروف جائحة كورونا، فالمملكة العربية السعودية تضع سلامة وأمن وأمان الحجاج في أولوية اهتماماتها وفوق كلّ اعتبار، وأنها بهذا الإجراء الموفق حفظت شعيرتين إسلاميتين في غاية الأهمية، أولاهما: إقامة الشعيرة والركن الخامس من الإسلام، وثانيهما: حفظ النفس البشرية التي جاء الإسلام بحفظ حقوقها وصيانتها».
وبيّن «الشيخ السديس» أنّ كلّ ذلك لأجل ضمان تأدية مناسك الحجّ وتيسيرها وفق نموذجٍ أمثل، في ظلّ المستجدّات المتسارعة المصاحبة لذلك الوباء، ومدى تقدّم دول العالم في تحصين مواطنيها والمقيمين فيها، وعدد الإصابات فيها، مع استصحاب التحذيرات من خطورة ازدياد تفشّي العدوى والإصابة في التجمّعات البشرية، الصادرة من منظمة الصحّة العالمية، ومن الجهات المعنية في المملكة وفي عديد من الدول.
وأكد أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي مستعدّة تمام الاستعداد لاستقبال حجّاج هذا العام وفق الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية والبرتوكولات الصحيّة، التي تضمن سلامة البلاد والعباد
كما جاء موقف مفتي الديار المصريّة فضيلة الدكتور شوقي علاّم مشيدا في نفس الاتّجاه بقرار المملكة العربية السعودية تنظيمَ فريضة الحج هذا العام 1442 هجريًّا بعدد محدود للراغبين في أداء مناسك الحجّ للمواطنين والمقيمين داخل المملكة العربية السعودية فقط بإجمالي 60 ألف حاج، وذلك في ظل ما يشهده العالم أجمع من استمرار تطورات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وظهور تحوّرات جديدة له.
وقال مفتي الجمهورية المصريّة في بيانه: «قرار سلطات المملكة العربية السعودية قرار حكيم يراعي عدم تعطيل فريضة الحجّ والحرص على سلامة حجاج بيت الله الحرام، باعتبار أنّ حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وهو ما يعكس وعي وحكمة السلطات السعوديّة في أعلى مستوى في خدمة حجاج بيت الله الحرام، والتيسير عليهم والحفاظ على سلامتهم والعمل على حمايتهم من خطورة فيروس كورونا، خاصة في ظل الانتشار المتسارع لهذا الوباء.وهذا ما يتّفق مع أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية للحفاظ على أرواح وسلامة الحجيج وضيوف الرحمن.فإقامة الحجّ بأعداد محدودة يأتي استنادًا للقاعدة الفقهية «درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح».
وجاء موقف دار الإفتاء التونسيّة حول إعلان المملكة العربية السعودية الاكتفاء بأعداد محدودة من المقيمين في حج هذا العام 1442 هـ مباركا ومستحسنا فقد أصدر الشيخ عثمان بطيخ مفتي الجمهورية التونسية البلاغ التالي:
إنّ صحّة الناس وسلامتهم في أبدانهم ونفوسهم ضرورة إنسانية ومقصد أساسي للدين الإسلامي الحنيف، قال تعالى « ومــــن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا « المائدة 32. وقد اتّخذت المملكة العربية السعودية الشقيقة قرارها بتروّ وحكمة ليقتصر حجّ هذا العام على أعداد محدودة من المقيمين بناء على صعوبة الظرف الصحي العالمي وانتشار وبـاء كورونا بشكل تصاعدي وظهور متحوّرات منه جدّ خطرة مع شحّ اللقاحات في العالم. وما هذا القرار المستند إلى رأي راجح لعلماء الأمّة إلاّ نتيجـة طبيعية لمعاينة الوضع ففي القاعدة الشرعية: «الحكم فرع عن تصوّره» وفي ذلك السلامة للمسلمين.
إضافة على هؤلاء فقد أوضح عدد من علماء الازهر الشريف موقفهم من قرار قصر أداء مناسك الحجّ على السعوديين والمقيمين الذي يهدف إلى «حماية النفس البشرية».
وأكّد العلماء أنّ «القرار السعودي يستند في صحيحه إلى مقاصد الشريعة الإسلامية التي تؤكّد أنّ درء الضرر أهمّ من جلب المنفعة، فضلاً عن المحافظة على الروح التي هي أحد أعمدة الدين الإسلامي». كما بيّنوا في عدّة محافل أنّ «المملكة العربية السعودية اتّخذت القرار الأصحّ والأصوب لحماية حجاج بيت الله الحرام، وهو أمر محمود ومعتاد على المملكة التي تكفّلت بحماية الزائرين منذ عقود، وبشهادة كل من أدّوا المناسك سواء كانت حج أو عمرة. وأنّ قرار السعودية يعتبر إدارياً تتمتّع به إدارة الحجّ والعمرة في المملكة وحدها خاصة وأنها أدرى بشؤونها، وهي تعلم كيفية تنظيم المناسك المقدّسة طبقاً للعدد الذي سيحضر من المواطنين السعوديين ومن الوافدين المقيمين على أرضها. ثمّ إنّ القاعدة الفقهية تقول إنّه لا ضرر ولا ضرار، والمقصود أن أي فعل يجلب مضرّة للناس فلا مانع من تأجيله أو إلغائه، ورجال المملكة هم المنوط بهم في المقام الأول تحقيق الأمن والأمان في كافة الأماكن المقدسة ففي الجوائح والمصائب الكبرى، يحقّ لأهل المكان أن يمنعوا أي إنسان من دخول مكة أو المدينة، أو الخروج منه طالما أن في دخوله أو خروجه ضرر سيقع على المكان وأهله، والقواعد الأصولية المستنبطة من الكتاب والسنة لحكم الضرورة تنصف القرار السعودي في هذا الشأن. كما أنّ السعودية لجأت أيضاً قبل استصدار قرارها إلى أهل الذكر عملا بأصول الفقه، وأهل الذكر في تلك المسألة هم الأطباء الذين أّيدوا بكلّ تأكيد تخفيف حدّة التزاحم والتكدّس حفاظاً على أرواح المسلمين، خاصة وأن الله تعالى قدس حماية النفس البشرية في أكثر من موضع في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الحميدة».
وفي نفس المنحى كان موقف وزارة الشؤون الدينية التونسيّة واضحا عبر البيان الصادر عنها والذي نصّه «تبعا للبيـان الصّـادر عن وزارة الحجّ والعمــرة بالمملـكة العربية السـعـودية بتـاريخ 12 جـوان 2021، والـذي تقـرّر من خلاله اقتصـار إقـامة حـجّ هذا العـام 1442هـ/2021م عــلى أعــداد مـحـدودة جـدّا من المقــيمــين داخـل الممـلكة، تعلم وزارة الشؤون الدينية أنّه تقرّر إرجاء القيام بالفريضة الخامسة إلى السنة القادمة بإذن الله، تأييدا بذلك لهذا القرار المؤسّس على اعتبارات ومعطيات صحيّة أضفت الوجاهة عليه من الجانب الشّـرعي القائم على حفظ النفس البشريّة التي هي من أهمّ مقاصد الشريعة الإسلاميّة.هذا وتجدر الإشارة إلى أن التواجد بالقائمات النهائية للموسم القادم يرتبط بضرورة التسجيل بمنظومة الحج عند فتح باب الترشّح وعند توفّر الشروط التي ستنصّ عليها المذكرة التوجيهية المنظّمة له عند صدورها في إبّانه...».
• المعترضون على قرار السعوديّة: المكيدة والموقف المتطرّف والتجييش.
ومن الغريب ظهور مواقف تتّسم بالغرابة والتطرّف وصادرة عن دوافع سياسيّة عدائيّة فقد اعتبر البعض من المتطرّفين والغلاة خاصة ممن ينتمون إلى اليمن أنّ الموقف السعودي من قبيل الصدّ عن المسجد الحرام يقول تعالى «وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ.».
كما أدانوا بكلّ عبارات الشجب والإدانة ما يقوم به النظام السعودي من صدّ ومنع المسلمين عن بيت الله الحرام للعام الثاني تحت ذريعة (وباء كورونا)، وهي الذريعة ذاتها التي برّر بها أفعاله العام الماضي، مع العلم أنّه لا يحقّ لهذا النظام المتجبر الفاسد أن يتفرّد بقرار منع الحجّ إلاّ باستشارة الدول الإسلامية، فمثل هكذا قرار لا يخصه وحده بل منوط بالمسلمين كافة، وليس وقفاً أو حصراً على آل سعود أن يتحكم فيه كيفما شاء، قال تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً.» البقرة :125، وقال: «جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ.» المائدة: 97 فالله عز وجل قد جعل البيت الحرام للناس جمعاء وليس لآل سعود ينفردون به ويقرون بإغلاقه أو بفتحه متى شاؤوا وكيفما أرادوا !!. فلا يجوز منع الناس عن حجّ بيت الله الحرام. أمّا قضية كورونا فلا تُعدُّ مبرراً للمنع مطلقاً، فكما اتّخذ النظام السعودي إجراءاته الاحترازية لاستعادة هيئة الترفيه نشاطها (كالملاهي والسينما والبارات والمراقص)، فهو قادر على أن يتخذ إجراءاته الاحترازية (كالحجر الصحي) وغيره من إجراءات الاحتراز تجاه حجاج بيت الله الحرام، وكان بمقدوره القيام بذلك قبل فترة الحج بشهور، لكنه أبى أن يألو جهداً لذلك!! وإذا كان النظام السعودي يدّعي ويزعم حرصه المسيّس على حياة الحجاج من وباء كورونا، فأين أدبر حرصه على حياة ملايين من أفراد الشعب اليمني -منذ سبعة أعوام-وهو يقوم بضربهم وقصفهم ليل نهار ؟!. فما من يوم يمرّ إلاّ وهو يرتكب أبشع المجازر في حقّ أفراد الشعب اليمني. إن النظام السعودي الجائر لم يكن حريصاً على الحجاج من تفشي وباء كورونا كما يزعم، بل كان حريصاً أشدّ الحرص على تنفيذ رغبات الصهاينة والأمريكيين الذين باتوا يشعرون بخطورة الحج الذي يُعد عنواناً جلياً لوحدة المسلمين. وإذا ما ظلّ الصمت مخيماً على أجواء المسلمين كافة واستمرت عيونهم تغض أطرافها عما يفعله النظام السعودي اليوم من صده عن بيت الله الحرام، فإنّه سيتمادى أكثر في تنفيذ أجندات تخدم رغبات وأهواء أعداء الله. وإزاء هذا الواقع المخزي والمرير في آنٍ ندعو الشعوب العربية والإسلامية بمعية أنظمتها إلى أن تستيقظ من سباتها العقيم وتصنع لها موقفاً موحداً ضد هذا النظام السعودي الصهيو -أمريكي المستبدّ بدلاً عن وقوفهم هكذا مكتوفي الأيدي، فالله تعالى يقول: «وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ.» فالآية تشير إلى التحرّك في ضرب النظام السعودي الظالم حتّى يتوقّف عند حدّه، وذلك عبر كلّ الوسائل المتاحة... فلا بقت أمّة تقيم على الضيم، ويجتاح عزّها الإذلالُ ..
ويواصل أصحاب هذا الموقف الذي اعتبره متطرّفا وغير حكيم في اعتبار قطع الحج بين مكائد اليهود وغباء آل سعود فمِن الحقيقة بمكان أن كلّ مَن يستقرئ كتاب الله تعالى، فسوف يجد كثيراً من الآياتٍ التي تشير -صراحة-إلى التصدّي للظالمين وإيقافهم عند حدهم، وإنّ استمرّوا في ظلمهم، فيجب ضربهم وإراحة الناس منهم. ولا يوجد أشدّ ظلماً ممن منع بيوت الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها حسياً ومعنوياً، قال تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا.» البقرة: 114، وأعظم هذه البيوت هو بيت الله الحرام «وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ.» الأنفال :34 فهذه الآية الكريمة -وغيرها -تشير إلى وجوب ضرب النظام السعودي الظالم الأرعن عبر جميع الوسائل المتاحة، وذلك لصدّه عن المسجد الحرام، ناهيك عن جرائمه في حقّ المسلمين والإنسانية وما يرتكبه من مجازر وحشية في حقّ الشعب اليمني التي تعدّ خير شاهد ودليل على وجوب عدم صمتنا لما يقوم به وإيقافه عند حده ..
تأجيل موسم الحج ّ 2021 م: من المكيدة إلى المقاصد الشرعيّة الحكيمة
- بقلم بدري المداني
- 10:58 18/06/2021
- 952 عدد المشاهدات
«الكوفيد» أشعل الضوء الأحمر أمام موسم الحجّ سنة 2020م فتمّ تعليق أداء الشعيرة وفي 2021م تؤدّى الشعيرة التعبّديّة