والمؤسسات واستقلال القضاء والحوكمة الرشيدة والتوازن بين الجهات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والشغل والقطع مع التسلط والديكتاتورية ...والمحافظة على المال العام... ومقاومة الفساد ومكافحة الارهاب...... و التزمت المنظومة السياسية الجديدة بقوة بتجسيد هذه القيم لتحقيق التحول الديمقراطي والسياسي وا لاقتصادي المنشود...
وقد شكلت هذه العناوين اركان المنظومة الفكرية والدستورية والقانونية واجندة الاحزاب السياسية و الحكومة والمؤسسات الوطنية والنقابة ومركز ية رجال الأعمال وخطاب الجمعيات ومضمون الندوات الفكرية والبرامج التلفزية و حديث الناس في الفضاءات العامة و حتي الخاصة..
لكن المعضلة الكبري هي ان المنظومة الحاكمة لم تتوفق البتة في تجسيد هذه المفاهيم رغم انقضاء عشر سنوات باكملها وتداول عشر حكومات على السلطة الي الحد الذي اصبح الكثير من الناس يحنون الي الماضي القريب ويتحدثون عن إنجازاته الاقتصادية...
ماحصل هو العكس تماما..... وابرز دليل على ذلك ماتعيشه البلاد من غموض وإحباط عام وتسيب وعدم استقرار وتراجع كبير لهيبة الدولة وانخرام للموازين الاقتصادية والمالية وانتشار للفقر والبطالة وبروز حكم اللوبيات وتغلغل المال الفاسد والفساد وانخفاض منسوب الثقة بين المواطن والدولة .... في اجواء مشحونة تسيطر علىها الصراعات على السلطة والمساجلات على اعلى مستوي في الدولة مما يهدد التحول الديمقراطي في كينونته بالاندثار ....
الحزب المهيمن على السلطة منذ العشرية الاخيرة اقر منذ بضعة ايام تحت سلطان الواقع المتردي وثقل المديونية الخارجية وسطوة صندوق النقد الدولي وسياط الارقام بما يسميه «البعض من مسؤوليته» في الاوضاع التي الت اليها الامور في البلاد في جميع الميادين لكنه تنصل من المسؤولية الكاملة مؤكدا انه يتقاسم المسؤولية مع أطراف اخرى ..
والاسئلة التي يفرضها المنطق هي: لماذا عجزت المنظومة الحاكمة عن تجسيد التزاماتها المتكررة؟ وهل كانت فعلا واعية بان خطابها غير واقعي ويتغاضي عن إمكانيات البلاد وان الدول لاتساس بالشعارات والوعود بل بالحكمة والواقعية ؟ وهل كانت تعلم ان الشعب الذي وظفته لاغراض انتخابية قد ينقلب عليها عندما يكتشف انها سوقت له الاوهام ؟
في ظل هذه السياقات المشحونة والصراع على السلطة وازمة المؤسسات التي تعيشها البلاد ومع تلاشي منسوب ثقة المواطن في الدولة واستقوائه علىها يطرح اليوم موضوع «الحوار الوطني حول الاصلاحات الكبري» ومضونها ونسق انجازها ومدي تقبلها من طرف الشعب وجمهور العاملين في القطاع العام والمؤسسات العمومية....وماقد ينجر عنها من مضاعفات خطيرة على استقرار المجتمع خصوصا وانها تستهدف تقليص حجم كتلة الاجور و تحرير الاسعار ورفع الدعم عن المواد الاسياسية.... ورفع يد الدولة عن قطاعات اقتصادية عديدة . والخروج من مؤسسات عمومية..وهذا يعني بالدرجة الاولي الطبقات الضعيفة وماتبقي من الطبقة المتوسطة..... مما قد يحدث هزات خطيرة وانفجارات غير مسبوقة في المجتمع.
لذا بات من الضروري على رئيس الحكومة مباشرة الحوار الاجتماعي حول الاصلاحات بالتشاور والتنسيق مع رئيس الجمهورية، نعم مع رئيس الجمهورية، والاتحاد ومركز ية رجال الأعمال رغم ماتشهده الحكومة من ضعف ووهن نتيجة التجاذبات السياسية في اعلى مستوي الدولة.. عليه إذن أن يحزم اموره في الابان ويحيط نفسه بافضل الخبرات في البلاد حتي يوفر افضل مايمكن من ظروف النجاح لهذه الاصلاحات التي لا مناص منها يمكن له ارساء استراتجيتين متكاملتين: الاولي وتتعلق بمضمون الاصلاحات الكبري ونسق تنفيذها وادارة انعكاساتها حتي تكون شاملة وعادلة ولاتتحمل جهة دون اخري مضاعفاتها.... والثانية تواصلية هدفها مخاطبة الشعب مباشرة وبوضوح وبقوة منذ الان في كل انحاء البلاد وعن طريق وسائل الإعلام المرءية والمسموعة بلغة الصدق والاعتراف له بان اخطاء جسيمة ارتكبت.... واعلامه بحقيقة الاوضاع في كل الميادين وافهامه المغزى الحقيقي من الاصلاحات و توعيته باالتضحيات المطلوبة منه و بمحتوي الإجراءات المصاحبة لتخفيف وطاة الإجراءات الجديدة و الموجعة حتي لايتفاجيء بها ويعي انها ضرورية لإنقاذ البلاد من الافلاس ..
ويمكن ان يبادر رئيس الحكومة بمخاطبة الامة حول الحوار الوطني والإصلاحات المزمع القيام بها و ان يكون ذلك من احدي ولايات الجمهورية وليس بالضرورة من العاصمة...
لغة واضحة وصادقة تحفز الشعب على الالتفاف حول الدولة لتحقيق المنشود..وللقيام باالتضحيات ويمكن ان يتزامن هذا الخطاب مع إجراءات كبري تتعلق بالحرب على الفساد وتشرح للشعب بدقة ماال الاف ملايين الدينارات التي اقترضتها الدولة بالعملة الصعبة من الخارج .....
الهدف من كل ذلك احداث رجة نفسية كبري حتي يسترجع المواطن ثقته في الدولة ويعي بمسؤوليته في البناء.... لعل ذلك يعين البلاد على الخروج تدريجيا من العتمة ويجنبها الأسوأ.