وأودى بحياة خمسة عمال، غياب الحدٌ الأدنى من شروط الوقاية والسلامة والحماية في المصنع ،وفي محيط معامل المجمع الكيميائي بقابس... عمٌال بسطاء فرض عليهم اللهث وراء الرزق أن يراقصوا الموت، وان يجاوروه كلما قصدوا مكان العمل..تناسوا في زحمة الوقت، وتحت ضغط الحاجة، انٌهم يقتحمون المخاطر كلٌ يوم ، وانٌهم يسيرون إلى حتفهم بلامبالاة..هم يعلمون عِلْمَ مَنْ ادرك، وفٌرِضَ عليه ان يتجاهل ، انٌ الموت قريب إذا ما حدث خلل او حدث تماس كهربائي.خمسة عمٌال خرجوا إلى العمل على امل العودة السريعة إلى منازلهم حالمين ... فيهم مَنْ ضبط موعدا مع أصدقائه لمشاهدة مباراة كرة القدم في المساء... وفيهم من وعد اهله بتوفير ما يجعلهم يقضون نهاية أسبوع سعيدة.....لم يَدْرِ هؤلاء أنٌ الموت ،اختناقا او احتراقا،او انفجارا، كان يترصدهم في معمل «الزفت» الأسود الذي أنذر بالكارثة لونا ورائحة.. اليس شنيعا ان يعيش هؤلاء العمٌال حياتهم «زفتا» لينتهوا حرقى بالزفت!!؟؟؟
.. سيقول بعض المسؤولين هذا قضاء وقدر!! وما على المؤمن التقيٌ إلا ان يقنع بأحكامهما ،وأن يستسلم لمشيئتهما..إذ كلما غُلٌِفَ العجز بكساء التقوى، تداعى له المواطن بالصمت و التقبٌل والنسيان .. وستقام مجالس العزاء والبكائيات . وستذرف دموع الاستغفال، وإطفاء الحرائق العاطفيٌة، وسيهرع المسؤولون الحريصون على ربطات العنق، إلى حفلات الخطب ..وقد يتكرمون على اهل ضحايا الحرق، بشهادة تثبت انهم ماتوا بشرف اثناء اداء عملهم ،وانٌ أسماءهم ستسجلٌ في قائمة الذين قضوا من اجل الوطن !!! وقد يقودهم الحماس إلى التعهٌد بتشغيل أقرباء الحرقى في شركة البيئة أو البستنة لينعموا بمرتب قار دون جهد او عمل..
إنٌ موت هؤلاء العمال اليوم اختناقا او احتراقا ، لم يكن قضاء وقدرا ..لقد كان موتا منتَظرا متوقٌعا غذٌاه الصمت، و مهٌد له العجز السياسي المتعاقب وما تبعه من خطاب أجوف «خلٌي غدوة» سكٌتهم ..فك علينا» عدٌيني توٌة»...في مجمع كيميائي يخفي بين اسواره سموم الموت اختناقا او احتراقا،و به خزانات الأمونياك و صهاريج الغاز و مخازن الامونيتر ومن حوله مصانع تحوٌل مواد خطرة، عجزت السلطات المتاقبة على تركيز مقرٌ خاص للحماية المدنية، داخله للتدخٌل السريع كلما استوجب الأمر..فما الذي منع فرض توفر اجهزة الإطفاء في كل مكان،وكل ملابس الوقاية، وأجهزة الحماية في كل زاوية ؟؟؟..
أين كل الوعود بتركيز مستشفى للحروق يموٌله المجمع الكيميائي ويلعب دور الحامي لآلاف العمال والموظفين الذين يشتغلون في المنطقة الصناعية؟؟؟
إنٌ دولة تحترم نفسها ،وتُولي قيمة للإنسان، وتعتبر حماية الأرواح البشرية اولوية مطلقة لا يمكن ان تمرٌ هذه الفاجعة دون ضبط الأمور ،واتخاذ قرار فوري لحماية المجمع الكيميائي والمنطقة الصناعية من حوله.
لم يكن يوم السبت 13 مارس2021 يوما عاديا في قابس. ولن يكون كغيره من الأيام ،بعد أن استشعر الاتحاد الجهوي للشغل بقابس والرابطة التونسية لحقوق الإنسان الخطر ونبٌها إلى ان الوضع لا يعالج بالجمل الإنشائيةأو بالاصطفاف السياسي ..إنه يوم له ما بعده..لن تنفع فيه المسكنات و لن يقبل فيه الملتاعون .الخطاب السياسي الأرعن الذي يمارس الهروب إلى الأمام.
لقد غنى فنان عن تونس «حارقة الأكباد» في زمن لن يعود لكنٌ ارضا من تونس في جنوبها المطلٌ على محنة الجغرافيا وعبث التاريخ ، امست «حارقة الأجساد»..
لقد جاء في الكتب انٌ نهاية الإنسان على الأرض ستكون احتراقا او اختناقا او انفجارا او غرقا ..لكن ليس اتعس من ان ينتهي عامل بسيط احتراقا بسبب اللامبالاة والتراخي وفي غياب شروط السلامة والوقاية ...