في العالم دونها تنقطع شرايين العولمة على الاشتغال والتدفق وتتوقف البورصات والمؤسسات الاقتصادية بمختلف أحجامها والنظم العسكرية المتطورة وغيرها عن العمل...
من الأكيد أن خلف هذه الهندسة الرقمية للعولمة بنية تحتية صلبة تعمل على تأمين ديمومة عملية تبادل الاتصالات بشكل انسيابي تٌعرف باسم «الكوابل البحرية» les câbles sous-marins التي ظلت «الضمير المستتر» والغائب / الحاضر صلب العديد من الأعمال البحثية ذات العلاقة بالشؤون الرقمية ...
1- الكوابل البحرية : العمود الفقرى للاتصلات
قبل ظهور الإنترنت لعبت «الكوابل البحرية» دورا محوريا في تأمين التراسل التلغرافي بين مختلف الدول حيث انطلقت في الاشتغال منذ سنة 1850 عبر مد كابل بحري تلغرافي عابر للاطلسى.. عمليا تتمثل في مد شبكة من الكوابل في قاع البحار عبر بواخر متخصصة les navires câbliers بغية تأمين تدفق الاتصالات بجميع وسائطها بين مختلف القارات .
منذ نشأتها والى حدّ اليوم عرفت تقنية «الكوابل البحرية» ثلاثة أجيال متتالية :
- الجيل الأول : الكوابل البحرية التلغرافية (سنة الاشتغال 1850 بين الولايات المتحدة الأمريكية باوروبا)
- الجيل الثانى : الكوابل البحرية الهاتفية (سنة الاشتغال 1956 بين الولايات المتحدة الامريكية بكندا وبريطانيا)
- الجيل الثالث : الكوابل البحرية بتقنية الالياف البصرية ( سنة الاشتغال 1988 قامت بنقل الإنترنت بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا).
يٌشكّل الجيل الثالث نقطة تحوّل في تاريخ «الكوابل البحرية» بالنظر إلى سرعته العالية وتكلفته المنخفضة مقارنة بالاقمار الصناعية .. خصائص تفاضلية (السرعة والتكلفة ) مكّنت الكوابل البحرية من احتلال الصدارة في مجال نقل الإنترنت والطاقة الكهربائية عبر العالم بنسب تتراوح بين 90 إلى 95 ٪ في حين ان الأقمار الصناعيــة تستأثر فقط بنســبة لا تتجــاوز الـ10 ٪...
يبلغ عدد الكوابل البحرية المنتشرة على تخوم جميع القارات 448 كابلا بطول جملى يٌقدّر 1,2 مليون كلم وبعمر افتراضى في حدود 25 سنة.. تٌقدّر تكلفة الكابل الواحد بين 30 مليون أورو الى 700 مليون أورو وذلك حسب طول الكابل وخصوصية تضاريس القيعان البحرية التي سيٌثبّت تحتها...
في البداية كانت «الكوابل البحرية» تزن 15 طن / كلم الواحد في حين أنها اليوم لا يتعدى وزن كوابل الجيل الثالث (الألياف البصرية ) 250 كلغ / كلم الواحد، ويعتبر الكابل البحري 3 SEA-ME-WE من أطول الكوابل البحرية بطول يقدر 39 0000 كلم يربط أوروبا بالشرق الأوسط وجنوب شرقى اسيا .. تجدر الملاحظة بان المغرب تعد تاريخيا الدولة. الإفريقية الأولى التي تمتعت بمنظومة «الكوابل البحرية» عبر ربط مدينة «طنجة» «بمضيق طارق» ( القارة الافريقية بالاطلسى ) سنة 1872 عبر كابل تلغرافي على ملكية مؤسسة بريطانية متخصصة في التلغراف Eastern Telegraph Compay في حين ان بلادنا تتوفر على أربعة كوابل بحرية بتقنية الالياف البصرية SEA ME WE / Keltra / Hannibal / Didon تربط تونس بأوروبا (ايطاليا وفرنسا بالتحديد ) وذلك بمشاركة نشطة من مشغلى الاتصالات الثلاثة.
تتعرض الكوابل البحرية إلى العديد من المخاطر يمكن تقسيمها إلى ثلاث عوامل :
- عامل ارادى تقوم به بعض الدول بدوافع تخريبية او تجسسية.
- عامل لا ارادى ناجم عن رسو السفن في عرض البحر بواسطة إلقاء عدد من مراسيها ancres مما يتسبب يوميا في إلحاق أضرار جسيمة بالكوابل البحرية الواقعة قرب هذه السفن.
- عامل طبيعى مرتبط بالبيئة البحرية حيث تتعرض عدد من الكوابل البحرية إلى «اعتداءات» من قبل القروش بسبب انجذابها للاشارات الكهرومغناطيسية المنبعثة من هذه الكوابل.
تتوزع «الكوابل البحرية» بشكل غير متساو بين مختلف المناطق القارية حيث تتمركز أساسا بين أمريكا وأوروبا وآسيا وبشكل اقل في أفريقيا وأستراليا، وتتجه الانظار اليوم أكثر فأكثر إلى افريقيا لما تكتسيه هذه القارة من أهمية إستراتيجية على مستوى الموقع الجغرافي المتفرد الذى يتوسط تقريبا جميع القارات والنمو الديمغرافي السريع المتوقع تحقيقه في السنوات العشر القادمة إلى جانب احتوائها على ثروات باطنية هائلة.
يتبع