تقرّ بأن الدولة التي وافقت على هذه المقاربة لحلّ المشكل العالق منذ سنوات قد أطلقت النار على قدميها. فلا هي قادرة على التصويب ولا هي قادرة على المضيّ قدما نحو المستقبل. الدّولة التي أذعنت لمطالب الشباب في الكامور رغم إغلاقهم « الفانة» هي دولة فقدت تقريبا هيبتها.
تتعزز المخاوف لا فقط من فقدان الدولة لهيبتها مرّة بل من تكرار سقوط هيبتها مرّات ومرّات في مشاهد مشابهة لما حصُل في الكامور. ماذا ستفعل الدولة عندما تجد نفسها أمام محتجين متمسكين بتعطيل شيء حيوي؟ كيف ستخاطبهم؟ وهل ستواصل الإنصات والتفاوض وربما الوصول إلى الخضوع؟
نعلم جيدا أن الأسلوب المستعمل في الكامور وهو أسلوب تعطيل كامل ومتواصل للإنتاج جاء بعد أن أغلقت كل المنافذ أمام إيجاد حلّ للوضعية الشائكة. في مظاهر أخرى احتجاجية يمكن أن يبقى عاطلون عن العمل أشهرا وهم معتصمون أمام وزارة أو أمام مؤسسة سياسية إلى أن يُصبح المشهد مألوفا بل أكثر من ذلك مثيرا للاشمئزاز. هذه المرّة وفي الكامور تحديدا بلغنا مستوى أعلى من الاحتجاج فيه الكثير من توازن القوى في سياق يعلم المحتجون فيه أن الحلّ الأمني لم يعد كما كان قبل 2011 هو الحلّ الممكن والوحيد والأسرع.
هناك زاوية لقراءة المشهد في الكامور هي زاوية هيبة الدولة. علينا أن ندقّق في معاني هذه المقولة وفي دلالاتها. هل تعني هيبة الدولة شدّتها وغلظتها؟ هل تعني في الأخير القبضة الحديدية أو الحلّ الأمني؟ منى نستدعي هيبة الدولة؟ ما هي السياقات التي نستند فيها إلى هذه المقولة؟
لم تكن مقولة هيبة الدولة أو شوكتها كما يقول ابن خلدون مستعملة في السنوات الأولى بعد 2011. لقد كانت تعني في ذلك الوقت استبداد الدولة واستبداد النظام السياسي و كل ما حدث هو محاولة لإعادة تعريف هيبة الدولة و إفراغ المقولة من شحنتها الأمنية المخيفة. هناك محاولات سياسية لإعادة بناء علاقة الدولة بالمجتمع والرغبة في أن تكون هيبة الدولة هيبة ديموقراطية مبنية على أسس المساواة وأسس احترام القانون دون أن تكون الدولة مُجبرة على استعمال العصا في كل شيء.
بدأت مقولة هيبة الدولة في استرجاع مكانتها مع بعض المدلولات الأمنية في انتخابات 2014. وتصدرت هذه المقولة الخطاب الانتخابي وحققت بها أحزاب سياسية انتصارات انتخابية ذات دلالة. ولكن أمام تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وعجز السياسي عن إيجاد منفذ لهذه المشكلات تضررت هيبة الدولة مجددا واستضعفها الجميع والكامور هو النموذج الدّال على ذلك.
هل يمكن اعتبار اتفاق الكامور جسرا استرجعت به الدولة هيبتها؟
أتجه إلى الاعتقاد في ذلك، والاعتقاد يمرّ بإعادة تعريف هيبة الدولة.
من هذا المنظور تكمن هيبة الدولة في قدرتها على الإيفاء بتعهداتها مهما كانت جدية تلك التعهدات ومهما كانت قابليتها للتنفيذ. هيبة الدولة في صدقها مع مواطنيها وقدرتها على الإنصات لمشاغل الناس والإبداع في إيجاد الحلول الممكنة. هيبة الدولة هي أيضا تلك القدرة على التفاوض وعلى خلق التوازنات التنموية. فهل وجدنا حلاّ للحوض المنجمي سنة 2008 عندما كان الحلّ أمنيا فقط؟ ألم تكن هيبة الدولة التي استعملت في ذلك الحين بداية لنهاية نظام سياسي بأكمله؟
عندما نعيد تعريف هيبة الدولة من منظور ديموقراطي منسجم مع السياق الذي نعيشه فإنه بالإمكان الارتياح إلى ما حدث في الكامور والذي يمكن أن يحدث في مناطق أخرى. إن اتفاق الكامور قد أعطى جدية أكبر في تعامل الدولة مع مواطنيها بالرغم من أن ثمن ذلك كان باهظا وهو إغلاق « الفانة» وتعطيل الإنتاج لمدة طويلة. إن كلفة إغلاق « الفانة» أقل بكثير من كلفة عدم صدق الدّولة مع مواطنيها. كلفة تعطيل الإنتاج يمكن تداركها بالرغم من الخسائر المنجرة عنها، وتداركها يكمن في تحويل شركات البستنة مثلا إلى قلعة للإنتاج وعنوانا لديمومته. ليس هناك كلفة أكبر من كلفة فقدان الثقة بين الجميع...
الكامور: هل أطلقت الدولة النار على قدميها؟
- بقلم محمد جويلي
- 10:30 10/11/2020
- 1034 عدد المشاهدات
هناك مخاوف جدية يعتقد فيها الكثيرون بكون الكامور سيصبح ثقافة ضدّ الدولة. وتأتي هذه المخاوف من المقولة التي