وتقييم مخاطر اخر المستجدّات التي تشهدها الجريمة الالكترونية سواء منها تلك التي أتت على ذكرها النشرات التحذيرية المنتظمة «للوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية « أو غيرها من الهيئات والمؤسسات الاقليمية والدولية ذات العلاقة ...
في الآونة الأخيرة لم تتوقف «الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية» عن إطلاق صفارات الإنذار الواحدة تلو الأخرى من التهديد السيبرني الجديد / القديم لما اصطلح على تسميته «بالابتزاز الجنسى عبر الانترنت» او «الابتزاز الجنسي الالكترونى» Sextorsion .
تهديد جديد باعتبار أنه عرف انتشاره الواسع ببلادنا انطلاقا من سنة 2016، وقديم لانه يٌعيدنا الى حقبة «الحرب الباردة» حيث كان عدد من حسناوات الجوسسة السوفياتية ( الروس والاوكرانيات على وجه الخصوص ) يقمن باغواء وابتزاز قيادات عليا من الدول الغربية بعد ان يتم الايقاع بهم عبر أشرطة فيديو جنسية فاضحة...
من الحرب الباردة إلى النسخة الرقمية، عرفت جريمة «الابتزاز الجنسي عبر الانترنت» استخداما مفرطا من قبل أعتى كارتلات المافيا في العالم لتستقر أخيرا تحت سيطرة مجاميع من جيل الهاكر الجديد «المتعدد القبعات» Multiple hat
• المطلب الأول: ما يٌميّز جريمة «الابتزاز الجنسي عبر الانترنت» عن باقي الجرائم الإلكترونية الشبيهة؟
في تعريفها المٌبسّط تتمثل هذه الجريمة في ابتزاز شخص ما (عبر الفايسبوك او الواتساب أو السكايب وغيرها من التطبيقات الذكية) بتهديده بنشر صور ومقاطع فيديو ذات محتوى جنسي أٌخذت له إذا لم يدفع فدية محددة بواسطة عملة «البيتكون» أو عن طريق تحويل بنكى أو بريدي.
دفعا لكل تداخل أو خلط مفاهيمى مٌحتمل بينها وبين باقى الجرائم الإلكترونية الشبيهة، فإن جريمة «الابتزاز الجنسى الالكترونى» تشتغل بشكل مكثف على ثنائية الجنس / الضحية على نقيض جرائم «الفدية الرقمية» Ransomware او»التحيل الإلكترونى» Phitching حيث يكون عنصر الجنس فيهما مٌهمّشا أو شبه منعدم، أما في جريمة «الابتزاز الجنسى الالكترونى» فانها تٌعدّ أداة الجريمة ووقودها الرئيسى دونها يستحيل القيام الفعلى بعملية الابتزاز فيما بعد.
كما أنه في جرائم «التحيل الالكترونى» و»الفدية الرقمية» تكون مشاركة الضحايا في تسهيل القيام بالجريمة عادة نتيجة إهمال أو عدم دراية ومعرفة بالقواعد الدنيا للسلامة المعلوماتية، في حين أنه في جريمة « الابتزاز الجنسي الالكترونى» فانه باطلاقه العنان امام «الواب كام» Webcam لغرائزه الجنسية يكون الضحية قد لعب دورا نشطا دون ان يدرى في تقديم نفسه بسخاء وعلى طبق الى قراصنة لا تعرف الرحمة أو الشفقة...
• المطلب الثاني: تكتيكات جريمة «الابتزاز الجنسي عبر الانترنت» الأكثر انتشار
لئن تعددت التكتيكات فانه من الممكن اختزالها في صنفين:
- صنف موجّه لفئة معينة Sextorsion ciblé من الضحايا حيث:
كل شيء يبدأ بدردشة حميمية على إحدى الشبكات الاجتماعية عبر حساب وهمى لامرأة فاتنة أو لرجل جذاب، وعندما يتيقّن صاحب أو صاحبة الحساب الوهمي أن الضحية أمست جاهزة غرائزيا يٌطلب منها بأن تقوم بتشغيل كاميرا الواب وبخلع ملابسها والانخراط في سلسلة من الوضعيات الجنسية، في الأثناء تنطلق عملية التصوير ليغلق الفخ على الضحية ويبدأ سريان دورة التهديد والابتزاز المالى ...
- صنف عشوائى Sextorsion aléatoire et massive أسهبت «الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية» في تفصيله كالاتى :
تقوم على تلقي الضحية لرسالة عبر بريد إلكتروني من أحد القراصنة يدّعى التحكم عن بُعد في حاسوبه ومعرفته عن كل المواقع الاباحية التي قام بزيارتها... وكشفت الوكالة « انه بعد استقبال الضحية للرسائل غير المرغوب فيها ، يطلب القرصان منها دفع مبلغ من المال (فدية) حتى لا يبث بياناتها التي تم اختراقها وكذلك مقاطع الفيديو التي تم تصويرها على شبكات التواصل الإجتماعي».
• المطلب الثالث: ما هي العاصمة الدولية «للابتزاز الجنسي الالكتروني» ؟
لئن كانت «شنغهاي» و«سان بطرسبورغ» أحد أبرز عواصم «الهايكرة» في العالم فإن منطقتين في العالم تعتبران عاصمتي «الابتزاز الجنسى عبر الانترنت» دون منازع .. الأولى في أوروبا والثانية في العالم العربي وهي منطقة مفقرّة ناتجها الداخلى الخام متأت أساسا من عائدات ممارسة «جريمة الابتزاز الجنسي» في ظل غياب بدائل تنموية أخرى.. ضحاياها يتم اختيارهم بدقة من أوساط الأثرياء من خليجين ومواطنين أمريكان وبريطانيين على وجه الخصوص، يتم استدراجهم عبر «الواب كام» في وضعيات إباحية حساسة ومن ثم يقع تهديدهم بنشر ما تم تصويره إلى العموم ما لم يتم دفع مبلغ مالى خيالي في أجل محدد ...
وفي معرض شرحه للأسباب المحفزة لانتشار هذه الظاهرة في هذه المنطقة بالذات، أكد أحد الشباب الناشطين في مجال الابتزاز الجنسى الالكتروني أنه «عندما لا يتوفر الشغل ويعم الفقر المدقع، من الطبيعى أن نفعل ما يجب فعله لمساعدة عائلاتنا من خلال امتهان هذا البزنس . لكن بمجرد الانغماس فيه فانه من الصعب للغاية التراجع عنه...».
• المطلب الرابع: كيفية التوقى من هذه الجريمة ؟
إلى جانب التوصيات الصادرة عن «الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية» - التي أدعوكم للإطلاع عليها - فإنه يتعين على كل من وقع في المصيدة أن يلتزم بالسلوكيات التالية:
- أن يحافظ على قدر كبير من برودة الأعصاب بتجنب الانزلاق في حالة من الفوبيا،
- أن يتوقف فورا عن اى اتصال مع الجهة المبتزة،
- أن يتصل بأقرب جهة أمنية لابلاغها بالجريمة،
- أن يحافظ على جميع البيانات والحسابات وأرقام الهاتف وغيرها من الوسائط التي استخدمت في الاتصال مع المحتال وتقديمها فورا للجهة الأمنية أو القضائية المكلفة بالتحقيق،
- أن لا يستسلم للتهديدات وذلك بامتناعه عن إرسال أي أموال.
- ان يٌوكّل محاميا على دراية مهنية بالجرائم الإلكترونية لمتابعة قضيته،
- ان يتصل باخصائى نفسى – خاصة إذا تم نشر الفيديو - لمساعدته على الاندماج مجددا وتجاوز الازمة،
- في مطلق الأحوال، أن يتصرف بالسرعة القصوى التي يتطلبها مثل هذا النوع من الجرائم الافتراضية.
لمن قد لا يعلم، إذا كانت جريمة «الابتزاز الجنسى الالكترونى» في القانون التونسى تفتقر إلى نص زجرى خاص بها فانها تٌعدّ من جرائم الابتزاز التي يعاقب عليها الفصل 284 من المجلة الجزائية الذى ينص صراحة على أنه:
«يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها ألفان وأربعمائة دينار كل من اغتصب، بواسطة التهديد، بالكتابة أو القول أو بإذاعة أخبار أو بنسبة أمور من شأنها الإضرار بالغير أموالا أو قيما أو إمضاء أو إحدى الأوراق المبيّنة بالفصل 283 من هذه المجلة».