يحظى موضوع المسؤوليّة المجتمعيّة بإهتمام متزايد عبر العالم، أمام حاجة المؤسّسات إلى إعتماد سلوك يقوم على إدراج متطلّبات التنمية المستدامة ضمن أنشطتها، وفي علاقاتها بمختلف الأطراف والجهات المرتبطة بها أو المتعاملة معها داخليّة كانت أو خارجيّة.
وفي هذا الإطار يتزايد إهتمام صناديق الإستثمار بالتنمية المستدامة وحرصها على التأكد من احترام المؤسسات الإقتصادية لمجموعة من المعايير ذات الطابع الإجتماعي والبيئي، بالتّوازي مع الأهداف الرّبحية، وذلك قصد ضمان التوازن بين الجوانب الإقتصادية و الإجتماعية و البيئية للمؤسسة أو المشروع المموَّل.
وبذلك أصبحت سياسات صناديق الإستثمار تهتم بشكل خاص بالإستثمار المسؤول إجتماعيّا. ويتميّز هذا المفهوم عن الإستثمار الكلاسيكي الهادف بالأساس إلى تحقيق الرّبح، ويتجاوزه نحو البحث عن أهداف إضافية أخرى يغلب عليها الطابع الإجتماعي والأخلاقي، كل ذلك بالإعتماد على عدد من المقاربات والمعايير التي تمكّن الصناديق الإستثمارية من إنتقاء الأنشطة والقطاعات الإقتصادية المسؤولة، مقابل إستبعاد كلّ نشاط أو قطاع لا يأخذ البعد الأخلاقي أو الإجتماعي أو البيئي بعين الاعتبار.
I- مقاربات صناديق الإستثمار
في مجال المسؤولية المجتمعية:
لضمان إستثمار مسؤول من الناحيتين الإجتماعيّة والبيئيّة، تعتمد صناديق الإستثمار على عدد من المقاربات من أهمّها المقاربة الموضوعية والمقاربة متعدّدة القطاعات، التي ترمي بالأساس إلى الإستثمار في مشاريع وقطاعات تستجيب لشروط و أهداف المسؤولية المجتمعيّة مقابل إستبعاد عدد من الأنشطة والمشاريع المخالفة لتلك الشروط و الأهداف.
1 - المقاربة الموضوعيّة:
يتعلق الأمر وفق هذه المقاربة بإختيار صناديق الإستثمار لمواضيع نشاط محدّدة وقطاعات معيّنة ذات مردوديّة عالية من الناحيتين البيئيّة والإجتماعيّة، لتتولّى الإستثمار فيها. وكأمثلة لمواضيع النّشاط التي تستأثر بإهتمام صناديق الإستثمار لمردوديّتها العالية في المجال البيئي، يمكن أن نذكر الأنشطة المتعلقة بالإقتصاد في الطاقة والطاقات المتجدّدة والإقتصاد في المياه و معالجة و تثمين النفايات. أمّا في المجال الإجتماعي، فيمكن على سبيل المثال ذكر الإستثمار في المشاريع المتعلقة بإسداء خدمات للفئات الضعيفة و المشاريع المتعلقة بالصحة و التّعليم و مكافحة الفقر.
2 - المقاربة متعدّدة القطاعات:
تقوم صناديق الإستثمار وفق هذه المقاربة بإختيار المؤسّسات التي يتأكّد التزامها بمجموعة محددة من المعايير البيئيّة والاجتماعيّة والحوكمة، بصرف النظر عن قطاعات نشاطها. وبذلك يتمّ الإستثمار في المؤسّسات التي يثبت تبنّيها لأفضل الممارسات في المجالين الإجتماعي و البيئي على غرار حسن التصرف في الموارد البشرية والإقتصاد في الطاقة و المحافظة على المحيط، كذلك التي تلتزم بالمبادئ المتعلقة بحوكمة المؤسّسات.
3 - المقاربة القائمة على الإستبعاد:
وفقا لهذه المقاربة، تتولّى صناديق الإستثمار استبعاد نشاطات أو شركات معيّنة والإمتناع عن تمويلها، اعتمادًا على معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة المؤسّسات. وبذلك تتجنب الصناديق الإستثمارية تمويل قطاعات اقتصاديّة لا تأخذ البعد الأخلاقي أو البيئي بعين الاعتبار. وكأمثلة للقطاعات التي يتم إستبعاد تمويلها وفقا لهذه المقاربة نجد الكحوليات والتبغ والإباحيّة والمقامرة والسّلاح والطاقة النووية.
وتجدر الإشارة إلى أن المقاربات الثلاث المذكورة أعلاه هي على سبيل الذكر فحسب بإعتبار أنها الأكثر إعتمادا من قبل الصناديق الإستثمارية وهي مقاربات متكاملة ويمكن في الواقع دمجها.
II- معايير صناديق الإستثمار في مجال المسؤولية المجتمعية:
تعتمد صناديق الإستثمار على معايير متعلّقة بحوكمة المؤسّسات، بالإضافة إلى معايير ذات طابع إجتماعي وأخرى ذات طابع بيئي.
1 - المعايير المتعلقة بالحوكمة:
تتعلق هذه المعايير بالأساس بطرق التسيير والرقابة بالمؤسسة و بمختلف العلاقات بين هياكل التسيير والمساهمين ومختلف أصحاب المصالح.
ويقوم المستثمرون أو صناديق الإستثمار في هذا المستوى بتحليل حسن التسيير وجودة العلاقات القائمة بين المؤسسة والمساهمين خصوصا فيما يتعلّق بالشفافيّة الماليّة و مكافحة الفساد...
2 - المعايير الإجتماعيّة:
تتعلّق هذه المعايير بالأساس بتأثير نشاط المؤسّسة كمشروع إستثماري على عديد الأطراف، على غرار العمّال والحرفاء والمزودين والمجتمع المدني وذلك فيما يتعلّق بحقوق الإنسان و بالمعايير الدولية للشغل وبمكافحة الفساد...
3 - المعايير البيئيّة:
تتعلّق هذه المعايير بالأساس بالتّأثير المباشر أو غير المباشر لنشاط المشروع الإستثماري على البيئة: فمع تزايد الإنشغال بتهديدات التغيّر المناخي واستنزاف الموارد، أصبح عدد كبير من صناديق الإستثمار على وعي بالحاجة إلى إدراج عوامل الاستدامة في الخيارات الاستثمارية. وتتعلق أهم المسائل التي صارت تؤخذ بعين الإعتبار في هذا المجال، بالتغيّر المناخي والتّصرف في النفايات الخطرة والإنبعاثات الغازية. وبذلك، أصبحت صناديق الإستثمار تدرج هذه المسائل ضمن أوكد اهتماماتها لدى اتخاذها لقراراتها الإستثمارية.
خاتمة:
تحتل المسؤولية المجتمعية مكانة هامة في سياسات صناديق الإستثمار حيث أصبحت هذه الأخيرة تهتم أكثر من أي وقت مضى بتمويل المشاريع التي تهدف -وبالتّوازي مع البحث عن الرّبح المالي- إلى ضمان احترام مجموعة من المعايير غير الماليّة ذات الطابع الإجتماعي أو البيئي، على غرار حسن التصرّف في الموارد البشريّة والمحافظة على الموارد الطبيعيّة و المساهمة في برامج تنموية إنسانية و خيريّة.
وهنا يمكن القول أن سياسات صناديق الإستثمار أصبحت كثيرا ما تقوم على مفهوم الإستثمار المسؤول إجتماعيّا والمعروف باللّغة الفرنسيّة بـ Investissement Socialement Responsable « ISR » من خلال الإهتمام بصفة خاصة بمدى احترام الشركات والمشاريع الإستثمارية التي تقوم بتمويلها بالجوانب الإجتماعية والبيئية والأخلاقية ومدى تأثير أنشطتها على مختلف أطرافها الفاعلة.