المؤسسات الديمقراطية أو المسارات الإنتخابية أو ترسيخ حقوق الإنسان والمرأة فإن الأوضاع الإقتصادية لم تتطور بنفس الوتيرة و أن عدم تحسن الوضع الإقتصادي والإجتماعي يمثل تهديدا للإنتقال الديمقراطي و قد يعرضه للمخاطر.
و لكن دراسة مختلف تجارب الإنتقال الديمقراطي في العالم تظهر أن الزمن السياسي عادة ما يسبق الزمن الإقتصادي. و يستنتج المنتدى الدولي حول مسارات الإنتقال الديمقراطي و الذي نظمه برنامج الأمم المتحدة للإنماء سنة 2011 "أن خبرات دول أوروبا و أمريكا اللاتينية في الإنتقال الديمقراطي تظهر حتى الآن فجوة زمنية بين التحرر السياسي و مأسسة السياسات الإجتماعية و الإقتصادية التي تضمن توزيعا اجتماعيا عادلا"
و يضيف التقرير "بأن اقتصاد المجتمع في مرحلة الإنتقال الديمقراطي يجد نفسه بين شقي رحى. فمن ناحية يلعب تدهور الإقتصاد دورا في دخول المجتمع في مرحلة التحول الديمقراطي ومن ناحية أخرى على الإقتصاد أن يلعب دورا داعما للتحول السياسي من خلال قدرته على استيعاب المطالب المادية للجماهير و من ثمة المساهمة في الحفاظ على النظام الناشئ. و ما لم يحدث ذلك تصبح احتمالات النكوص إلى الديكتاتورية أمرا قائما".
عفيف شلبي: إعصار "تسونامي" ضرب الإقتصاد التونسي
في مداخلة قدمها مؤخرا على منبر حركة "تحيا تونس" في سوسة اعتبر عفيف شلبي الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن ما أصاب الإقتصاد التونسي بعد الثورة عبارة عن إعصار "تسونامي" هز بعمق أركان الاقتصاد التونسي. و اعتبر أن الأزمة الاقتصادية لسنة 1986 والتي يعتبرها التونسيون مرجعا، يمكن اعتبارها مجرد سحابة صيف مقارنة بالعاصفة التي شهدها الإقتصاد التونسي منذ 2011. وأوضح أن التراجع الكارثي لإنتاج الفوسفاط والنفط لأسباب مختلفة خلال الست سنوات التي عقبت الثورة كلف لوحده الاقتصاد التونسي ما يناهز 40 ألف مليار وهو ما يساوي عموما مجمل ديون تونس.
و يضيف عفيف شلبي بأن ظهور الإرهاب في تونس والضربات الإجرامية التي نفدها سنة 2015 ضربت قطاع السياحة في العمق و الحال أنها أحد المحركات الأساسية للإقتصاد.علاوة على أن الدولة راجعت أولوياتها و أصبح الأمن و الدفاع أولوية و خصصت لهما ميزانيات إضافية حيث بلغ الإنفاق على هذين القطاعين 16 بالمائة من الميزانية و قد تم ذلك على حساب قطاعات خدمية أساسية مثل الصحة و التعليم.
واعتبر عفيف شلبي بأن الإدارة التونسية إحدى الرافعات الأساسية للنمو الاقتصادي تضررت أشد الضرر بعد الثورة مما أثر سلبا على أدائها في دعم الإقتصاد الوطني و لا تزال تعاني من تلك المخلفات إلى حد ألان.
إضافة إلى الدور السلبي لتدهور الأوضاع في ليبيا الشقيقة و التي كانت تمثل سندا هاما للإقتصاد الوطني.
و حسب رأي الخبير فإن المبلغ الجملي لخسائر الإقتصاد التونسي في السنوات التي عقبت الثورة يناهز 100 ألف مليار أي ما يقارب الناتج الوطني الخام لسنة كاملة. معتبرا أن تونس ليست استثناء حيث أشار أن دراسة مقارنة لحوالي 30 دولة شهدت انتقالا ديمقراطيا تظهر أن الإقتصاد في تلك المرحلة يشهد تدهورا خطيرا قد يؤدي إلى إفلاس الدول و بعضها يتمكن من الصعود والبعض الأخر يفشل.
فقد أفلست الدولة في جنوب إفريقيا و شهدت أندونيسيا أزمة اقتصادية خانقة و بلغت نسبة الفقر في الشيلي 40 بالمائة و بلغ التضخم في الأرجنتين 300 بالمائة. كما شهدت بلدان أوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين سنة 1991 خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي أزمات اقتصادية خانقة من بطالة و فقر و احتجاجات اجتماعية.
و استخلص عفيف شلبي بان الانتقال الديمقراطي ينطبق عليه المثل الذي ينطبق على صحة الإنسان. إذ ليس له ثمن ( لأنه أغلى ما للإنسان) و لكن له كلفة و هو ما يجب أن يعيه التونسيون جيدا حتى يتمكنوا من الخروج من هذه الأوضاع الصعبة والخطيرة التي نتجت عن ثورة 2011.
Samuel P. Huntington وشروط ترسيخ الديمقراطية الانتقالية
تعتبر الباحثة Alexandra Goujon التي أصدرت سنة 2015 كتابا توليفيا حول تجارب الإنتقال الديمقراطي في العالم ( les démocraties) أن تونس هي البلد الوحيد من ضمن ما يسمى بالربيع العربي الذي انخرط بثبات في تحول ديمقراطي حقيقي بإرسائه دستورا ديمقراطيا ونظاما نصف رئاسي و ضمانات للحريات الفردية.
و السؤال المطروح إلى أي مرحلة بلغ الإنتقال الديمقراطي في بلادنا؟؟
حسب الباحثة المذكورة أعلاه فإن الإنتقال الديمقراطي يمر بثلاثة مراحل. مرحلة التحرر من الديكتاتورية و مرحلة الانتخابات الحرة ثم وأخيرا مرحلة تعزيز وترسيخ الديمقراطية consolidation و من أهم مظاهرها إرساء ديمقراطية تمثيلية بفضل تنظيم انتخابات دورية وشفافة و تطوير منظومة قضائية مستقله وتعددية سياسية حقيقية.
أما "ساموال هينتقتون" صاحب المقال الشهير(1991) Democrac’ys Third waveفإنه يعتبر أن الديمقراطية تصل مرحلة من الترسيخ و الصلابة بعد التداول مرتين على الحكم بفضل انتخابات حرة. و إذا طبقنا مقاييس صاحب نظرية صراع الحضارات على تونس و بعد أن نجح التداول الأول على الحكم سنة 2014 فإن الإنتخابات القادمة ستكون حاسمة. فإذا نجحت تونس في انتخابات حرة و شفافة و أنجزت تداولا على الحكم فإن ذلك سيكون علامة حقيقية لنجاح الإنتقال الديمقراطي في تونس.
لقد أصبحت دراسة الإنتقال الديمقراطي la transitologie فرعا مهما في العلوم السياسية منذ أن اندلعت الثورات الديمقراطية في أوروبا الشرقية و التي أطلق عليها الباحثون مصطلح "الموجة الرابعة من تطور الديمقراطية". وقد أصبح هذا المفهوم محل نقد و تشكيك من عديد الباحثين. فنظرية الإنتقال transitologie تفترض مرحلة نهائية للديمقراطية بعد المراحل الأولى لللإنتقال. و لكن هذا المفهوم لا يعكس حسب الباحثين الواقع المعقد لحالة الديمقراطية في العالم.. فالديمقراطية بما هي تنظيم للمجتمع هي حالة متطورة و غير مضمونة. فحتى في البلدان العريقة في الديمقراطية تبقى العودة إلى مظاهر الإستبداد و القمع ممكنة جدا. فقد أظهرت دراسة علمية تقهقرا للحالة الديمقراطية في أمريكا الشمالية و أوروبا الغربية بين سنتي 2006 و و2015 ويعود ذلك إلى الأزمة الإقتصادية و ظهور الإرهاب وتقهقر مؤسسات التمثيلية الديمقراطية الكلاسيكية وقطيعتها مع الناخبين. علاوة على أن المظاهر التقليدية للديمقراطية مثل الإنتخابات الدورية لم تعد مقياسا وحيدا للديمقراطية. ويستشهد البعض بروسيا التي تشهد منعرجا استبداديا منذ وصول بوتين للحكم رغم تنظيم الإنتخابات بصورة دورية و يجد الباحثون صعوبة في تصنيفها في خانة البلدان الديمقراطية. فقد تصبح المؤسسات الديمقراطية مجرد قوقعات فارغة بفعل سيطرة اللوبيات المتنفذة على تلك المؤسسات ذاتها.
"الديمقراطية لا تتحقق إلا متى كانت الديمقراطية معترفا بها من طرف عموم المواطنين باعتبارها قانون اللعبة الوحيد the only game on town" حسب أحد الباحثين. فهل هو حالنا في تونس؟؟؟ that’s the question !!!!