لإغناء رصيد الكتب- المراجع عن تاريخ تونس، وهو كتاب ضخم في أكثر من 500 صفحة يشكّل قراءة أساسيّة قامت بها هذه الكاتبة الفرنسيّة-التونسيّة لأنّها تمكّن من مقاربة أفضل "للتونسة" التي هي مطلب الجميع ومن توضيح الخصوصيّة التونسيّة ووضعها في سياقها مع أخذ مختلف تناقضاتها ومناطق الالتباس فيها بعين الاعتبار.
وقد اختارت الكاتبة أن تخصّص عناية أكثر للمرحلة المعاصرة من الملحمة التونسيّة، أي ما بعد 1830م، وهو ما نتج عنه نصّ إختلّ توازنه عن قصد إذ هو يهتمّ في أقلّ من نصفه الأوّل بفترة تاريخيّة تمتدّ على 2800 سنة بينما يخصّص أكثر من نصفه الثاني للقرنين الأخيرين. ومن ثمّ كان القسم الأوّل من الكتاب عسيرا بعض الشيء وكان من المجدي أن يوفّر المزيد من التوضيحات والعلامات، ذلك انّه يفترض إلماما مسبقا بتاريخ تونس في العصر القديم و القرون الوسطى.
ولن تكون قراءتي للكتاب تأريخيّة، وإنّما سأركّز على بعض الثوابت والأسس التي لئن هي لا تقدّم تفسيرا للتطوّرات الحديثة للبلاد، فإنّها قد تسلّط عليها الضوء وتنيرها بشكل مفيد.
ثلاث ظواهر متكرّرة تجلب انتباه القارئ خلال هذا السّفر المممتدّ على 3000 سنة: الاستمراريّة والازدواجيّة والقطيعة، ناهيك أنّ الكاتبة قد بادرت مبكّرا بطرح السؤال التالي على نفسها: «هل يمكننا ثقافيّا أن نتبيّن مظاهر استمراريّة قد تكون ناجمة عن نزعة محليّة متجذّرة ... تحكّمت في المؤثّرات الخارجيّة المتعاقبة بأن طبعتها بطابعها الخاص؟».
• البصمة الرومانيّة:
راهنت صوفي بسّـيس رهاناً جريئاً على أنّ تونس قد كان لها- في حدودها الجغرافيّة الحديثة تقريبا- وجود تاريخي على مرّ العصور، ولم تفتأ، طوال الكتاب، تقدّم عناصر هذه الخصوصيّة التي تميّز إفريقيّة من سائر بلدان المغرب بَلْهَ من سائر بلدان المشرق. ذلك أنّه منذ القدم رسمت القرون الرومانيّة السبعة ملامح تونس المعاصرة سواء في مستوى حدودها أو شبكة طرقاتها أو اقتصادها المعتمد على الثالوث الذي لا يزال قائما إلى اليوم: القمح والزيتون والكروم.
«لقد اعتمد التوسّع ثمّ دعم الاحتلال منذ البدايات، على دعامتين: إنشاء شبكة طرقات مكثّفة تعبر جميع جهات المقاطعة وتحصين حدود بيّنة لا ينفكّ رسمها يتحرّك نحو الجنوب ونحو الغرب بقدر تمكّن السلطة الإمبراطوريّة على الأرض الإفريقيّة» (ص 53).
وبعد ذلك، في القرن التاسع تحديدا أسّس الأغالبة «أوّل دولة مستقلّة ]...[ راسمين الحدود الخارجيّة لتونس المستقبل» وبنوا هذه «التَوْنَسَة الشهيرة التي يشكّل العروبةُ والإسلام دعامتيْها منذ ذلك العصر».
• التمازج المضني:
تاريخ تونس سلسلة من حملات الاجتياح والاستعمار التي كانت بعضها طويلة بشكل خاصّ : ذلك أنّ هيمنة الفينيقيّين قد امتدّت إلى حدود سبعة قرون والأمر نفسه بالنسبة إلى الرومان، غير أنّ هذا لم يمنع من أن يكون التمازج بين الغزاة والسكّان المحلّييّن عسيرا، فقد كانت «أفْرقَةُ» قرطاج بطيئة وسطحيّة شأنها شأن «بَوْنَقَةِ» النوميديّين بما لم يسمح بإرساء وحدة بين الطرفين كفيلة بمقاومة الغزو الروماني. ولئن تَأَفْرقَتْ الرّوْمنة فإنّ انتشار العمران وتوسّع المواطنة لم يكن لهما في البوادي سوى تأثير سطحي . أمّا القرنان اللّذان امتدّ عليهما حضور الوندال والبيزنطيّين فقد اتّسما بالتفكّك ولم يتركا أثرا ذا بال.
وقد جعل الفتح العربي الإسلامي إفريقيّة تستعيد ميلها الشرقي الذي هو حصيلة سبعة قرون من الحضارة البونيقيّة، غير أنّ الحضور العربي قد ظلّ سطحيّا زمنا طويلا، ولئن أسلمت إفريقيّة بسرعة فإنّها قد تعرّبت ببطء، ذلك أنّ السّكّان قد بقوا متأثّرين باللاّتينيّة ، والأمراء الأغالبة ضربوا عملة برسوم لاتينيّة وكانوا يتخاطبون مع مساعديهم باللّغة اللاّتينيّة الدارجة.
أمّا غزوة بني هلال التي انطلقت سنة 1049م فقد نعتتها المؤلّفة «بالعاصفة» ذلك أنّ هؤلاء البدو أصيلي الجزيرة العربيّة قد رُحّلوا إلى الصّعيد المصري حوالي سنة 1000م على إثر إغارتهم على مكّة وتخريبها وأنّ وصولهم إلى إفريقيّة يشكّل لحظة فارقة جدّا، لا بسبب العنف الذي اتّسمت به غزوتهم بل بسبب اختلاطهم بالسّكان ودعمهم للبنية القبليّة للمجتمع البربري وما نتج عن دخولهم من «هيكلة اجتماعيّة وسياسيّة ودينيّة جديدة وعميقة لإفريقيّة». وقد تمّ معهم تعريب البلاد كما تمّ الدّمج بين سكّان البوادي وسكّان الحواضر.
• ثوابت متعاقبة:
والمظهر الأوّل لهذه الثوابت هو الشعور السائد إلى أنّ السلطة غريبة أو دخيلة وهو ما ولّد علاقة صراع دائم بين الشعب وحكّامه: ذلك أنّه منذ الفينيقيّين حتّى استقلال البلاد سنة 1956م تمّ النّظر إلى السّلطة باعتبارها دخيلة إن لم تكن أجنبيّة لا علاقة لها بالسّكان المحلّيّين. ومن ثمّ فقد كان الناس في تونس ينظرون إلى السلطة الحاكمة دائما تقريبا على أنّها أداة قمع واستعباد للسكّان وجباية لضرائب لطالما إعتبرت مجحفة وظالمة ودون مقابل.
فهل أحدث الاستقلال قطيعة مع هذا التصوّر؟ لئن جمعت الحكومة الأولى المكوّنة غداة الاستقلال –موضوعيّا، وللمرّة الأولى في تاريخ البلاد- فريقا كلّه من أبنائه الأصليّين ومنحت صلاحيات فعليّة، فهل سعت إلى المصالحة مع الشّعب؟ هل أعادت الحقّ إلى أصحابه من السّكان الذين غُصبت أراضيهم منذ السنوات الأولى من الحماية ترسيخا للمسار الاستعماري؟ هل
فكّرت في إعادة توزيع مئات آلاف الهكتارات التي تمّ استرجاعها من المعمّرين بسرعة على صغار الفلاّحين في حركة كان من الممكن أن تكون لها آثار سياسية عبر تعبئة الفلاّحين الصّغار، وكذلك إقتصادية عبر تأهيل هذه الأراضي وتطويرها وأخيرا من ناحية التهيئة الترابيّة عبر تثبيت صغار الفلاّحين على أراضيهم الأصليّة؟
لم يحدث شيء من هذا، وقد تكون الدولة الفتيّة فوّتت بهذا فرصة فريدة من فرص الالتحام الجماعي وكسب الدّعم الشعبي. فالقيام بذلك كان من شأنه أن يساعد على تغيير التمثّل السابق للسلطة نحو تملّك أكبر للشعب وقد عمد قانون 12 ماي 1964، المتعلّق بالملكيّة الزراعيّة، إلى استرجاع أراضي المعمّرين لكنّه أممّها ليدمجها ضمن تصرّف مركزي وبيروقراطي. وعلى أيّ حال لم يكن مثل هذا التمشّي الإدماجي ملائما لروح العصر.
استمرار ثان هو استمرار الثورات واستقرار الأماكن التي تندلع منها وثبات خلفيّاتها الإيديولوجيّة.
ذلك أنّ مختلف الثورات التي شهدتها تونس قد انطلقت جميعها من نفس المنطقة: وهي جهة الوسط الغربي والسّباسب العليا، وهي جهة كانت ولا تزال متمرّدة.
«وقد كان على الأمبراطوريّة الرّومانية، عبر تاريخها الطويل وحتّى زوالها، أن تواجه ثورات هؤلاء البربر الذين لم تتمكّن أبدا من إخضاعهم».
تشير المؤلّفة إلى «ميل دائم (لدى التّونسيّين) إلى جعل الدين المحمل الإيديولوجي للخلافات السياسيّة والاجتماعيّة، فعلى هذا الصعيد- مثلما هو الأمر على أصعدة أخرى- لم يهدّئ التاريخ الخواطر، ونقاشات المجلس التأسيسي سنتي 2012 و 2013 حول مصادر القانون ومكانة الشريعة وحول مدنيّة الدولة أو حقوق المرأة، لاتزال حاضرة في الأذهان لتذكيرنا بقوة بهذا التوظيف المستمرّ للدّين من قبل السياسة».
وإنّ الانشقاق الدّوناتي الذي شهده العصر الروماني المتأخّر (بداية القرن IVم) والثورة الخارجيّة (ثورة صاحب الحمار) في العصر الوسيط (القرن IXم) يتشابهان بشكل عجيب بإدماجها، بالرغم من أنّ بينهما خمسة قرون، لبعدين "من خصائص الرّوح البربريّة: وهما التشدّد الديني وقوّة الإحتجاجات الاجتماعية التّي تتّخذ التطرف الدّيني شعارا". ثمّ إنّ مظاهر الاستمراريّة الثقافيّة متعدّدة أيضا، ونحن نكتفي بأن نذكُر مثالا من بين أمثلة عديدة منها: هو أنّ «المنزل الروماني- الإفريقي ليس له فِناءٌ، كما هو الشأن في إيطاليا، ولكن ساحة مركزيّة تصطفّ من حولها البيوت: هذا النمط اليوناني المستورد خلال الفترة البونيقيّة استقرّ تماما ضمن مخطّط الدار التقليديّة المغاربيّة».
وعلى المستوى المؤسسّاتي والسياسي، وممّا هو أقرب منّا أنّ «الإصلاحات العلمانيّة واللّجوء إلى السجلّ المتّصل بالدّين والهويّة» أمران دائمان، شأنه في ذلك شأن الزوجيْن: قمع/احتواء-تسلّط/ شعبويّة، هذا إلى التلاعب بالقضايا العادلة وتوظيفها للمآرب السياسية.
وتتجلّى مظاهر الاستمرار أيضا في مستوى العلاقات الخارجيّة : ذلك أنّ تونس كانت من قديم الزمان محلّ أطماع لفرنسا والجزائر وتركيا، كما أنّها كانت –بحسب تقلّب الأوضاع- محلّ أطماع قوى أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وأنقلترا. هذا التذكير من شأنه أن يسلّط الضوء على البيئة الجغرا–سياسيّة لتونس حاليَّا وعلى العلاقات الخاصّة التي تربطها بشريكين متميّزين من شركائها الكبار هما فرنسا والجزائر، وتبرز لنا أيضا الاهتمام الخاصّ جدّا الذي تبديه بلدان أقلّ قربا مثل تركيا أو قطر منذ 2011 والذي يبلغ أحيانا مبلغ التدخّل الذي يكاد يكون سافرا في الشؤون الوطنيّة.
• تناقضات وإلتباسات :
وليس باب الغموض بأقلّ من هذا وعلى سبيل المثال فإنّ جملة الطبقة السياسيّة التونسيّة الحاليّة التي تنسب نفسها إلى الحداثة والإصلاح تدّعي الإنتساب إلى إرث خير الدين باشا وابن أبي الضّياف وعبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة معا. فهل كان مسار هذه الشخصيات التي أثّرت في تاريخ تونس الحديث خطيّا ومنخرطا دومًا في الإصلاح والحداثة كما يُعتقد؟
لقد كان خير الدين أحد الوجوه البارزة للحركة الإصلاحيّة بلا شكّ، غير أنّنا «ينبغي أن لا نرى في خير الدين ما لم يكن فيه، إذ أنّه لمّا كان وزيرا أوّل تولّى الدفاع عن مصالح الفئات المالكة، من أصحاب الأراضي في المرتبة الأولى، إذ أنّه كان، هو نفسه، أحد أكابر مالكي الأراضي الفلاحية بتونس» بعد أن وهبه الباي 100 ألف هكتار من أفضل الأراضي الزراعيّة. وعندما تمّ التخلّي عن الإصلاحات لم يتوان خير الدين عن بيع أراضيه الزّراعيّة الشّاسعة لشركة مرسيليا للاقتراض قبل أن يعود إلى تركيا فيتحمّل فيها، مرّة أخرى، مهامّ وزير أوّل !
بهذا التذكير الأخير لا يظهر خير الدين باشا بمظهر الشخص الوطني بقدر ما يظهر بمظهر الشخصيّة التي ساهمت في إنتصاب أوّل منشأة استعماريّة ذات دلالة في تونس.
ولئن أبدت صوفي بسّيس تقديرا كبيرا لبورقيبة واعترفت له ببعد استثنائي فإنّها لم تتوان عن التنبيه إلى وصوليّته السياسيّة وإلى سعيه الجامح والمحموم إلى السّلطة. ثمّ إنّ انخراطه ودعمه للقضايا الأكثر رمزيّة والتي لا يزال اسمه مقترنا بها اقترانا وطيدا، مثل وضعيّة المرأة، كان فيه شيء من التقلّب، إذ أنّ الأمر الوحيد الذي كان يؤخذ (عنده) في الاعتبار هو إسهام هذه القضايا في نجاح المسار السياسي للحظة، فالقضايا لم تفرض نفسها بنفسها، وإنّما كانت في خدمة المشروع السّياسي، والمشروع السّياسي غالبا ما ينحصر في الوصول إلى السّلطة وممارستها بشكل فردي. وعندما نشر الطاهر الحدّاد، في 1930، كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» وتعرّض لعمليّة سحل فعليّة من قبل علماء الدّين «لم يقل بورقيبة كلمة للدفاع عنه لأنّ التحالف مع الزعماء الدينيّين المحافظين قد كان عنده في تلك اللّحظة مسألة عاجلة أهمّ بكثير من الناحية السّياسيّة من تأييد مسألة تحرير المرأة. بل إنّ بورقيبة» عارض بشدّة، عام 1929، على أعمدة جريدة «الرّاية التونسيّة» (L’Etendard Tunisien) تصريحات الشّابة حبيبة المنشاري التي دعت علانية إلى تحرير المرأة المسلمة وإلى إلغاء إرتداء الحجاب.
• في مجال الإنقطاعات :
أمّا الانقطاعات فإنّي لن أحتفظ منها إلاّ بواحد فحسب لأنّه يبدو لي دالاًّ ومثقلاً بالتّبعات: ويتعلّق الامر بالانقطاع الذي حصل غداة الاستقلال مع التنوّع البشري والثقافي الذي لطالما اتّسم به المشهد التونسي.
لقد كانت الجالية اليهوديّة التّونسيّة، بعد الحرب العالميّة الثانية، هامّة ونشيطة، وكانت الجاليات الأجنبية المقيمة (بتونس) متنوّعة : فرنسيّة وإيطاليّة ومالطيّة وإسبانيّة ... وكانت الحياة الاجتماعيّة والثقافية جدّ نشطة.
لقد عرفت تونس على مدى القرون وفضلا عن التمازج العرقي المقترن بالغزوات- كيف تستقبل جنسيّات متعدّدة جلبت كلٌّ منها مهاراتها وفنونها وتقنياتها. وقد تمثل هذا خاصّة في ما ساد الفترة الممتدّة بين القرن XII وبداية القرن XVII مع وصول ثلاث موجات من المهاجرين الاندلسيّين، المسلمين واليهود، المطرودين بسبب حروب الاسترداد ومحاكم التفتيش.
«إنّ التنوّع الديني والعرقي الذي سيبلغ أوْجَهُ تحت حكم العثمانييّن يرمي بجذوره في الفترة الحفصيّة التي استرجعت خلالها إفريقيّة توجّهها المتوسّطي الذي لم تتخلّ عنه تماما».
وقد أضحت تونس قبيل الحماية «أرض استقبال لجزء من الفائض البشري الذي شهدته المناطق الفقيرة من أروبا الجنوبيّة» . ومنذ الاستقلال تقلّصت الجالية الأجنبيّة المقيمة بتونس بشكل ملحوظ بحيث بقي بها، سنة 1959، 85000 أوروبّي أي نصف عددهم سنة 1956.
تسارعت الهجرة الجماعية للفرنسيّين، كذلك الإيطاليّين والمالطيّين واليونانيّين وغيرهم من الأقلّيّات الأوروبيّة في أواخر الخمسينات وأوائل السّتينات، وانغلقت البلاد على نفسها متخلّية عن جزء نشيط من سكّانها.
«وقد تمّ طمس البُعد المتوسّطي للبلاد من التاريخ الرسمي من قبل واضعي دستور 2014 (ص359) وتعطّلت اليوم النقاشات حول تعميق إنصهار الاقتصاد التونسي في المجال الأوروبي».
أصبح هذا الانكماش المتعلّق بالهويّة معلنا منذ 2011 ودعمته الصعوبات الاقتصاديّة والماليّة التي تمرّ بها البلاد. وإتجهت بوصلة المجتمع التونسي نحو الشرق الأوسط واستسلم لإغراءاته بعد أن خيّبت أمله رعونة أروبّا وتردّدها وتفضيلها قيم مصالحها على حساب مصلحة قيمها.
فهل ستعرف تونس كيف تتجذّر في تاريخٍ للبُعد الكونيّ فيه مكانة ولا تنغلق في إرثها العربي الإسلامي وحده؟ هذا أحد الأسئلة التي تطرحها صوفي بسّيس في خاتمة كتابها متساءلة عن قدرة الدولة على أن تتجاوز، بأقل متاعب خطر التصدّع الذي يتهدّدها منذ 2011.
الجواب عن هذه الأسئلة معقّد ، ولن تخرج تونس من هذه الغمرات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والماليّة والأمنيّة إلاّ إذا راجع حكّامها أنفسهم من أجل فهم أسباب إنتفاضة 2010-2011 واقتنعوا بضرورة تكريس منوال جديد لتنمية أكثر إدماجيّة وأكثر انفتاحا وأكثر ديمومة. غير أنّنا لا نزال اليوم بعيدين عن هذا، إذ لا تزال إهتمامات الطبقة السياسية وإنشغالاتها منحصرة في الحسابات الإنتخابية الشعبويّة القصيرة المدى.
إنّ إعادة قراءة التاريخ التي تقترحها علينا صوفّي بسيّس تذكّرنا بأنّ نسق التحوّل الثقافي والاجتماعي لا يمكن أن يكون موازيا لنسق الانتقال السياسي، وبالنسبة إلى وضع تونس اليوم سيستغرق، حسب قناعتي، الخروج من الأزمة وقتا طويلا وسيتطلّب عودة ضروريّة إلى المقوّمات الأساسيّة وانخراطا محتوما لكلّ العزائم في المدى الزمني الطويل. وينبغي أن يمرّ بمنظومة تربويّة مجدّدة وسعي دائب للإنصهار في منظومة حقوق الإنسان الكونيّة وإرساء ثقافة الإبتكار والقطع مع إقتصاد الرّيع وإعتماد مبدإ الإدماج قاسما مشتركا لكل السياسات العموميّة.
-----------------
• صوفي بسيّس
فرنسيّة- تونسيّة، مبرّزة في التاريخ، عملت بالصحافة قبل أن تختصّ في دراسة العلاقات شمال- جنوب ولا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء وبلاد المغرب وفي وضعيّة المرأة في العالم العربي.
• الراضي المؤدّب
مهندس، متخرّج في المدرسة العليا المتعدّدة التقنّيات وفي المدرسة العليا للمناجم بباريس . عمل طويلاً بمناجم الفسفاط قبل أن يصبح إطارا بنكيّا ساميا ثمّ خبيرا مستشارا. وهو يناضل من أجل منوال تنمية جديد أنجع وأكثر تشاركيّة .
بقلم: الراضي المؤدّب