إلى ما بين 35 و45 دينارا بالنسبة للعيادة في الطب العام و 50 إلى 70 دينارا في طب الاختصاص، إلى جانب زيادات أخرى منها ما يهم العيادات المنزلية بالليل والنهار والأعمال الجراحية وعمليات التوليد وغيرها .وقد اعتبرت الأوساط التي صدر عنها القرار أنه إجراء عادي ويدخل في إطار صلاحية مراجعة تعريفات الأعمال الطبية كل ثلاث سنوات.
هكذا ومرة أخرى يفاجئنا سلك من نعتبرهم ملائكة الرحمة بقرار لا يرحم الأغلبية الساحقة من التونسيين وهم في معظمهم من ذوي المداخيل الضعيفة والمتوسطة بل أن ما يعتبر منها مرتفعا نسبيا لم يعد يجدي كثيرا في ضوء الارتفاع المستمر لتكاليف المعيشة مئات الآلاف من التونسيين يضطرون لشراء أدوية ترتفع أسعارها من يوم إلى يوم وللتوجه إلى أطباء الممارسة الحرة بسبب المعاناة التي يكابدونها ولا يطيقونها في المستشفيات العمومية .هذا معطى إنساني واجتماعي لا يمكن صرف النظر عنه ومع تقديرنا لأطباء القطاع الخاص وعملهم النبيل نقول أن هذه التعريفات مشطّة في بلد محدود الإمكانيات وأيضا بسبب تتابع الزيادات في أسعار الخدمات والأعمال الطبية طيلة السنوات الماضية لا نريد أن ننجرّ كثيرا إلى تقدير مدخول الطبيب الواحد يوميا ومقارنته بمداخيل الفئات الأخرى في الوظيفة العمومية والقطاع العام أو بمداخيل أسلاك أخرى حاملة لشهائد عليا وموجودة في أعلى الرتب الوظيفية . هل نذكر بأن الطبيب في القطاع الخاص يحصل على ما بين عشرة وعشرين مرّة ما يحصل عليه زميله في الوظيفة العمومية أو الأستاذ الجامعي ؟ ولا نريد العود إلى تفاصيل امتناع أطباء الممارسة الحرة عن إصدار فواتير لخدماتهم العيادية بما يتيح للدولة معاملتهم جبائيا على قدم المساواة مع غيرهم علما بأن هذه القضية التي تنوسيت عند إعداد قانون المالية لسنة 2019 ستبقى مطروحة الى أن تجد حلا عادلا لها ما نؤكد عليه الآن هو أنه لا يوجد مبرّر لهذه الزيادات الفاحشة لا من ارتفاع تكاليف الأعمال الطبية ولا من منظور العدالة الاجتماعية ولا من زاوية أخلاق هذه المهنة النبيلة وشرف من يقومون بها.
كذلك لا نودّ إفراد الأطباء باللوم فما يحصل في القطاع الصحي والطبي هو مثال لظاهرة أوسع ظاهرة استشراء الأنانية والطائفية المهنية لدى أسلاك أخرى في القطاعات الثلاثة الخاص والعام والوظيف والتي أصبحت جزءا أساسيا من أسباب الدمار بل الخراب في هذه البلاد إلى جانب ظواهر الفساد المعممة وعبث المضاربين بقوت المواطن والتهرب الجبائي والتهرب الاجتماعي وهي أمراض لم تجد من يقف في وجهها الى حد اليوم ولكننا نأمل ونتوقع أن يتصرف الأطباء بمقتضى وازع الضمير ونبل المهنة بما يجعلهم يرفضون انسياق بعضهم أو بعض من ينوبونهم إلى تغذية لهيب الأسعار في تونس المثخنة كما نودّ أن لا يرمي بعضهم مجدّدا بالكرة في شباك الصندوق الوطني للتأمين على المرض –كنام- والذي يعرف الجميع ضعف وسقف استرجاع النفقات لديه وأوضاعه المتعبة .
كما لا يمنعنا توجيه هذا النداء لأطباء الممارسة الحرة وهياكلهم المهنية من مساءلة الحكومة ومجلس النواب والأحزاب والنقابات عن سكوتها عمّا يحدث هل هو من باب تفادي إغضاب بعض الجماعات المهنية أم استرضاء لها على حساب أغلبية المواطنين ؟ كيف يترك الحبل على الغارب لأصحاب المصالح واللوبيات تفعل ما تشاء والى أين تقودنا الحرية الفوضوية والأنانية الاجتماعية ؟ هل نطالب بمستبدّ عادل ؟.
هذه ليست فدلكة . فالكثيرون في تونس اليوم يرون أننا في حاجة ماسة لقيام حكم شعبوي وعادل يردع التجاوزات ويضع حدّا للإنفلاتات بكافة أنواعها،ويأخذ بأيدي الضعفاء ،ويجابه أنانية العديد من الطوائف المهنية التي تكدّس الإمتيازات وتمتنع عن القيام بالواجب الوطني في المجال الضريبي . هل نصبح غدا من أنصار هذا الرأي ؟وما العمل ونحن نشهد دولة الحماية الإجتماعية تحتضر باسم تحفيز القطاع الخاص وحرية الهيئات المدنية ؟