محل جدل بمجلس نواب الشعب في جلساته العامة الأربعة الأخيرة، والتعديل ينصّ على أن:
«لا يقبل الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب لكل شخص أو قائمة تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال السنة الانتخابية بأعمال يمنعها التشريع المتعلق بالأحزاب السياسية على الأحزاب ومسيريها، والتي تخص سقف جمع التبرعات والهبات والوصايا - التمويل الأجنبي - التمويل من قبل الذوات المعنوية - الإشهار السياسي - توزيع الامتيازات المالية».
كما تضمن تنصيصا أخر مفاده :
«إلزامية تقديم المرشحين ما يفيد القيام بالتصريح بالمكاسب والمصالح، في الآجال المنصوص عليها بالقانون، بالنسبة للأشخاص الخاضعين لواجب التصريح بالمكاسب والمصالح، وما يفيد القيام بالتصريح السنوي بالضريبة على الدخل للسنة المنقضية في الآجال القانونية، وإلى جانب بطاقة تفيد خلو المرشحين من السوابق العدلية».
وتضمن أيضاً بنداً ينص على أنّه :
«لا يقبل الترشح للانتخابات الرئاسية لكل شخص تبين لهيئة الانتخابات قيامه أو استفادته خلال السنة الانتخابية بأعمال يمنعها التشريع المتعلق بالأحزاب السياسية على الأحزاب ومسيريها، والتي تخص سقف جمع التبرعات والهبات والوصايا - التمويل الأجنبي - التمويل من قبل الذوات المعنوية - الإشهار السياسي - توزيع الامتيازات المالية والعينية، كما تقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات إذا ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل».
وحيث يثير هذا التعديل المقترح الإشكاليات الدستورية والقانونية التالية:
لابد من الملاحظة أولا :
أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد وضعت روزنامة الانتخابات التشريعية والرئاسية وانطلقت في تنفيذها وقد أوشكت عملية التسجيل على نهايتها هذا وقد حدد موعد الانتخابات التشريعية ليوم 6 أكتوبر2019 والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 17 نوفمبر 2019
ويأتي مشروع هذا التنقيح قبل تلك المواعيد بأقل من أربعة أشهر وبأقل من شهر من موعد إصدار أمر دعوة الناخبين من طرف رئيس الجمهورية ( المحدد قانونا بثلاثة اشهر قبل يوم الانتخاب)
وحيث يثير هذا المشروع ما يلي :
1 ـ مشروع تنقيح القانون الانتخابي فيه مخالفة صريحة للدستور التونسي في فصوله 49 و126و130 :
حيث نص الفصل 49 من الدستور في خاتمة الباب الثاني من الدستور والمتعلق بالحقوق والحريات , على إن الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات لا يمكن المساس بها أو بما ينال من جوهرها إلا لضرورة مقتضيات تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام, أو الدفاع الوطني , أو الصحة العامة أو الآداب العامة... وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك ...».
وحيث نص الفصل 34 من الدستور التونسي في نفس الباب الثاني على كون
« حقوق الانتخاب والاقتراع والترشح مضمونة طبق ما يضبطه القانون».
وحيث انه بقراءة الفصلين معا يتضح ان أي تعديل على القانون الانتخابي لا يمكن أن يفهم منه او يؤدي إلى تضييق الترشح او حق الاقتراع او حق التصويت ا وان يمس بهما الا اذا كان لغاية حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام, أو الدفاع الوطني , أو الصحة العامة أو الآداب العامة وحيث ان مشروع التنقيح الحالي لا يتعلق باي استثناء من الاستثناءات المنصوص عليها بالفصل 49 من الدستور وهو ما يجعله مخالفا للدستور وماله التصريح بعدم دستوريته بل على العكس فهو يشكل خطرا على الحقوق والحريات ومنها حق الترشح والاقتراع والانتخاب.
وحيث نص كذلك الدستور التونسي في الفصل 125 و126 المتعلق بالهيئات الدستورية وخاصة الفصل 126 المتعلق بهيئة الانتخابات التي أعطاها المشرع الولاية العامة على المسار الانتخابي والتي تتمتع بسلطة ترتيبية في مجال الانتخابات على كونها تستشار وتبدي الرأي في جميع مشاريع النصوص ذات العلاقة بالانتخابات والاستفتاء.وهو ما نص عليه كذلك صراحة قانونها الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 44 لسنة 2013 المؤرخ في 1 نوفمبر 2013 وبالقانون الأساسي عدد 52 لسنة 2013 المؤرخ في 28 ديسمبر 2013 , اذ جاء في الفصل الثالث منه ما يلي :
«تتولي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الانتخابات والاستفتاءات وإدارتها والإشراف عليها طبقا لهذا القانون وللتشريع الانتخابي وتقوم في هذا الإطار خاصة بما يلي :1/ ...2/ ...3/ ...4/ ...ضمان المعاملة المتساوية بين جميع الناخبين وجميع المترشحين وجميع المتدخلين خلال العمليات الانتخابية والاستفتائية.
...16 / ـ إبداء الرأي في جميع مشاريع النصوص ذات العلاقة بالانتخابات والاستفتاء...».
وعليه فان كل مشروع تنقيح لا يعرض على الهيئة في الآجال المعقولة لتبدي رأيها فيه يعد مخالفا للدستور وللقانون الأساسي المنظم للهيئة ولا يمكن تمريره أو المصادقة عليه.
كما انه لا يمكن المساس حسب الفقرة 4 من الفصل الثالث المذكور من قانون هيئة الانتخابات بعد انطلاق العملية الانتخابية والتي بدأت منذ 10 افريل والتي سبقها قرار نشر الروزنامة الانتخابية من الهيئة باي نص ينظم العملية الانتخابية وفيه مساس بحق الترشح او التصويت او المشاركة .
مع العلم ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد حددت في قرارها عدد 20 لسنة 2014 المؤرخ في 8 اوت 2014 والذي تم تنقيحه وإتمامه بالقرار عدد 17 المؤرخ في 23 اكتوبر 2017 تعريفا واضحا للعملية الانتخابية والتي خلالها لا يمكن تغيير قواعد اللعبة أي شروط الترشح او الاقتراع أو الانتخاب الخ وهي شهرين قبل الحملة الانتخابية مثلما يستفاد من الفصل 2 في تعريف المصطلحات في ذلك القرار اذ جاء فيه: «مرحلة ما قبل الحملة أي المرحلة التي تمتد شهرين قبل الحملة الانتخابية».
وحيث وبالرجوع للروزنامة الانتخابية الصادرة عن الهيئة نجد انها قد نصت على كون الحملة الانتخابية تنطلق بالنسبة للانتخابات التشريعية يوم الثلاثاء 16 جويلية 2019 وهو ما يعني أنه أصبح محجرا المساس بالقانون الانتخابي .
وحيث وعلاوة على مخالفة الفصلين 49 و126 من الدستور فان المشروع المقدم وبالرجوع إلي شرح أسبابه نجد انه يهدف حسب مقدميه لنزاهة وشفافية الانتخابات وعدم استعمال المال السياسي فيها كما من بين أهدافه حماية المال العام والتصريح بالمكاسب وهي مسائل لها صلة مباشرة بمجال تدخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حسب الفصل 130 من الدستور التونسي والذي نص على: «... تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها».
وحيث ان مشروع التنقيح وثيق الارتباط بمجال تدخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وان عدم استشارتها الوجوبية فيه مخالفة صريحة للدستور تجعل من المشروع المقدم متسم باللادستورية لمخالفته للفصل 130 من الدستور .
2/ ـ مشروع التعديل المقترح من الحكومة بغية تنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء مخالف لمبادىء لجنة البندقية حول الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة:
حيث جاء في الآراء الصادرة عن لجنة البندقية المتعلقة بنزاهة وشفافية الانتخابات والتي تعد تونس عضوا فيها تمنع إجراء إي تعديل على النظام الانتخابي سنة /ثمانية أشهر قبل موعدها وهنالك حالات يمنع فيها منعا باتا المس بالقانون الانتخابي سنة الانتخابات وخاصة فيما يتعلق بما يسمي :
أولا : التقطيع الانتخابي او التقسيم الانتخابي أي عدد الدوائر الانتخابية لا يمكن سنة الانتخابات لا التقليص فيها ولا الترفيع فيها وهو ما اقره كذلك المشرع التونسي حيث نص الفصل 106 من القانون الانتخابي في تونس على كون: «يتم تقسيم الدوائر الانتخابية ويضبط عدد مقاعدها بالاستناد إلى قانون يصدر سنة على الأقل قبل الموعد الدوري للانتخابات التشريعية».
ثانيا : شروط الترشح وموانعها لا يمكن المساس بها كذلك سنة قبل موعد الانتخابات قياسا بالتقطيع الانتخابي وبما لها من تاثير على الحقوق والحريات ومنها حق الترشح والاقتراع والتصويت
ثالثا :العتبة التي تؤثر بصورة واضحة على النتائج .
وحيث يتضح انه استنادا للمعايير الدولية لنزاهة وشفافية الانتخابات طبقا لأراء لجنة البندقية ولمبادئ باريس المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها الحق في المشاركة السياسية إن لا تغير قواعد الانتخاب عند انطلاق العملية الانتخابية تحت أي مسمى كان لما في ذلك لضرب من مبدأ المنافسة النزيهة .
يراجع الرأي الاستشاري للجنة البندقية عدد 190/2002 الصادر في 9 أكتوبر 2002
II. Les conditions de la mise en œuvre des principes
1. Le respect des droits fondamentaux
a. Les élections démocratiques ne sont pas possibles sans respect des droits de l’homme, et notamment de la liberté d’expression et de la presse, de la liberté de circulation à l’intérieur du pays, ainsi que de la liberté de réunion et d’association à des fins politiques, y compris par la création de partis politiques.
b. Les restrictions à ces libertés doivent respecter les principes de la base légale, de l’intérêt public et de la proportionnalité.
2. Niveaux normatifs et stabilité du droit électoral
a. A l’exception des règles techniques et de détail – qui peuvent avoir un caractère réglementaire -, les règles du droit électoral doivent avoir au moins rang législatif.
b. Les éléments fondamentaux du droit électoral, et en particulier le système électoral proprement dit, la composition des commissions électorales et le découpage des circonscriptions ne devraient pas pouvoir être modifiés moins d’un an avant une élection, ou devraient être traités au niveau constitutionnel ou à un niveau supérieur à celui de la loi ordinaire
3/ ـ مشروع التعديل المقترح من طرف الحكومة فيه مخالفة صريحة للقانون وخاصة الفصل 106 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء والقانونين عدد 23 لسنة 2012 المنظم لهيئة الانتخابات والقانون عدد 59 المنظم لهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد :
أ ـ مخالفة مشروع التعديل المقترح للقانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء :
حيث أننا في مادة تتعلق بالحقوق والحريات والأصل فيها الإباحة والتوسع وليس التضييق وان تعديل أو تغيير قواعد الترشح بعد انطلاق العملية الانتخابية فيه تضييق ومنع من حق مكفول دستوريا وتسحب عليه تلك الأحكام المتعلقة بالتقطيع الانتخابي والتي لا يمكن أن تكون إلا سنة قبل الموعد الدوري للانتخابات وعليه فان أي تعديل أو تغيير على القانون الانتخابي في اتجاه تضييق أو منع من ممارسة ذلك الحق فيه مخالفة صريحة للقانون ولإرادة المشرع .
ب ـ مخالفة مشروع التعديل المقترح للقانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المتعلق بهيئة الانتخابات:
حيث ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي التي تملك ولاية عامة على الانتخابات منذ انطلاق العملية الانتخابية وهي المسؤولة على نزاهة وشفافية وسلامة المسار الانتخابي وضمان حق الاقتراع والترشح للجميع
وحيث سبق للهيئة ان أعربت صراحة على ضرورة عدم تغيير القانون الانتخابي في اتجاه تضييق حق الترشح ( يراجع تصريح رئيس الهيئة السيد نبيل بافون ونائبه السيد فاروق بوعسكر لوسائل الإعلام ) مما يجعل المشروع المقترح فيه تعد صارخ على موقف الهيئة ومخالفة لقانونها الذي أعطاها ولاية عامة على المسار الانتخابي سنة الانتخابات خصيصا .
ج ـ مخالفة مشروع التعديل المقترح للقانون الأساسي عدد 59 لسنة 2017 المتعلق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد:
حيث نص الفصل التاسع من القانون المذكور أعلاه كون: «تستشار الهيئة وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها سيما تلك المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته وتكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة».
وحيث يتضح من خلال المبادرة بمقترح التعديل ان له اتصال بمجال اختصاص الهيئة في الشفافية وتضارب المصالح والحوكمة وهو ما يعني وجوبا ضرورة استشارة الهيئة وبالتالي فما لم تقع استشارة الهيئة فان المقترح فيه تعد على قانون وعلى سلطة الهيئة مستوجب الرفض.
في الختام لا بد من إبداء ملاحظتين :
• الأولى:
متعلقة برجعية تطبيق المقترح ان قبل وهو ما يعد مسا بحق مكتسب جري فقه قضاء المحكمة الإدارية على اعتبار ان رجعية النص القانوني لا تكون الا في حالة مصلحة الطرف المعني بذلك النص وكذلك جري العمل في المادة الجزائية ان رجعية النص الجزائي لا تكون الا في حالة النص الأرفق بالمتهم وهو ما يجعل رجعية التطبيق في اتجاه التضييق مخالف للمبادئ العامة للقانون وهي مصدر من مصادر القانون ما فوق الدستورية لاتصالها بحق أنساني .
• الثانية:
إن التعديل إن قبل سيدخل تنقيح على مرسوم الجمعيات والأحزاب وهي إلي حد اليوم منظمة بمراسيم والحال أن الدستور اشترط في الفصل 65 إن تكون منظمة بقوانين أساسية فكيف يقبل في نظام قانوني تواجد نصين منظمين لمادة واحدة ومختلفين في الترتيب الهرمي القانوني وهو ما سيدخل إرباك على المنظومة القانونية ويغير من معطيات ستؤثر حتما على المسار الانتخابي .
دولة القانون تقتضي احترام وعلوية القانون والفصل الواضح بين السلطات وعدم تعدي سلطة على أخرى ... الولاية العامة على المسار الانتخابي بعد تحديد الروزنامة تكون للهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحت الرقابة اللاحقة للقضاء وتحت أنظار واعين المجتمع المدني والإعلام ... أما السلطتان التشريعية والرئاسية فدورهما تامين المسار الانتخابي وتهيئة سبل نجاحه فقط ...لا التدخل فيه لتحقيق مكاسب أو الفوز بمقاعد فالتنافس يكون بالبرامج لا بالإقصاء التشريعي.