التي نظمنا على هامشها – وكما دأبنا على ذلك منذ سنة 2013- ندوة علمية عرضت خلالها آخر البحوث والأعمال حول الرافد اليهودي لهويتنا التونسية المتعددة ، عندما ما نبهتنني احدى الطالبات التي كانت ضمن الوفد الذي يرافقني الى وجود خبر بدأ يروج ويطفح على صفحات مواقع الاجتماعي حول نائبة «عثر عليها في حالة غير طبيعية». ارتني الطالبة في البداية الخبر مع صورة لامرأة بدون اسم وبعد مدة قصيرة عادت لإخباري أنه تم ذكرها بالاسم. لم يكن في ذهن الطالبة -وهي تعلم اهتمامي بأمور السياسة- سوى لفت انتباهي الى « فضيحة جديدة» تعرض على الجمهور العريض في شهر رمضان المعظم ولم يدر في خلدها ما يمكن أن يثير في مخيلتي وفي مشاعري ذكر هذا الاسم (ليلى الحمروني).
يرمز هذا الاسم الى امرأتين رافقتنا ولاتزالان في حياتي. فهذا الاسم واللقب تحمله امرأة أولى ربطتني بها علاقة رفاقية وعلاقة زواج لمدة تجاوزت العقد من الزمن خلال القرن الماضي وهي اليوم ام لابني العزيزين آمنة ومهدي وهي أيضا مثلي جدة لأحفادنا الثلاثة : كنزة واسكندر والهادي. ولكن هذا الاسم واللقب تحمله أيضا امرأة صديقة ورفيقة أخرى ربطتني وإياها علاقة نضالية ممتدة منذ أربعة عقود بالتمام والكمال وهي النائبة المحترمة ليلى الحمروني التي اختارت -كما ذكرت لي ذلك بنفسها منذ ايام- أن تضيف دائما لقب زوجها حتى يتم التفريق بينها وبين ليلى الأولى باعتبار اشتغالهن في نفس المجالات السياسية والاجتماعية.
لم أستوضح الخبر من أحد ولم أهاتف أحدا واقتنعت منذ اللحظة الأولى أن المعنية هي ليلى النائبة و أن الأمر يتعلق بحملة مسعورة جديدة ومتكررة تتغير فيها الأسماء ولكن الهدف واحد هو ممارسة التنافس ليس بالوسائل المعلومة والواضحة وإنما بالطرق المبتذلة والساقطة. انها تلك الطرق التي طالما اعتمدتها اجهزة الأنظمة الاستبدادية في بلادنا وفي غيرها من البلدان. وهي أيضا تلك الأجهزة الخلفية التي يتواصل اعتمادها حتى في الأنظمة الديمقراطية من طرف القوى التي لا تؤمن بمقارعة الأفكار ومناقشتها والتي تستغل هشاشة الأوضاع الانتقالية وانعدام التوصل لإرساء القوانين الواضحة والملزمة التي تراقب وتقاضي مثل تلك السلوكات اذ لا ديمقراطية بدون احترام صارم للقانون. في مثل تلك الظروف تعمد مثل هذه القوى الخفية الى «الضرب تحت الحزام» كما ذكر ذلك السيد يوسف الشاهد مؤخرا قصد ترهيب المنافسين في محاولة لبسط نفوذها تحت غطاء الدفاع عن مفهوم مبسط للأخلاق تقبل به العامة بسرعة وتكون بذلك ضحيته الأولى.
ان الهدف في مثل هذه الحالات هو تحويل وجهة النقاش وتصفية الحسابات السياسية عن طريق المس بالأشخاص وبذواتهم وبأعراضهم وعزلهم وجعلهم «عراة» أمام عائلاتهم وأبنائهم وأقربائهم قصد تحطيم المعنويات وتحويل التنافس السياسي من المجال العمومي الى حلبة الأخلاقيات في معناها الشعبوي المبتذل. ان ما تعرضت اليه النائبة ليلى الحمروني هو تجسيد جديد لهذا الانحدار نحو القاع الذي نشهده منذ مدة في الخطاب السياسي على خلفية الاستعداد -وبئس الاستعداد - للمحطة الانتخابية القادمة.
ظللت كامل الليلة الفاصلة بين الخميس والجمعة وطيلة الثماني ساعات التي استغرقتها رحلة العودة من جربة الى العاصمة أراجع صورا عديدة وأستحضر بعض الجمل والإشارات التي وردت في حواراتي الأخيرة مع النائبة ليلى الحمروني مقارنا اياها مع وضعيات أخرى ومع تجربتي الشخصية مع مثل هؤلاء الوحوش والضباع الذين لا يتورعون عن استعمال أي وسيلة لتلبية غرائز من أمروهم بتوخي مثل هذه الطرق لتصفية الخصوم السياسيين . توضح لي الأمر أن الأمر يتعلق بحملة منظمة ضد القيم التي حملتها ولا تزال تلك المناضلة العنيدة والتي ظلت جميلة وشابة رغم مرور العقود والسنوات وهو ما حرصت المواقع الرخيصة على توظيفه بحثا كالعادة عن «البوز». عرفت واكتشفت خصال ليلى الحمروني في الحزب
الشيوعي التونسي في سنة 1979 ثم في حركة التجديد قبل اختيارها الالتحاق في سنة 2012 بحركة نداء تونس وهي النائبة في مجلس نواب الشعب المنتخبة في سنة 2014 عن دائرة أريانة ضمن قائمات نداء تونس. كانت من أولى المغادرات لهذا الحزب ولكتلته النيابية وهي التي لم تنخرط في تجربة حزب مشروع تونس ولكنها تحمست وناصرت وبموقف متميز - رفقة عدد من النواب حكومة الوحدة الوطنية- برئاسة يوسف الشاهد منذ انطلاق الفكرة سنة 2016 وظلت وفية لها وهي التي كانت ضمن المجموعة المؤسسة في الصائفة الماضية لكتلة الائتلاف الوطني التي يرأسها النائب مصطفى بن أحمد وهي التي كانت من المؤسسات في الفترة الأخيرة لحزب تحيا تونس . وهي اليوم المتحمسة والمدافعة عن فكرة تجميع أوسع
القوى ضمن مسار توحيدي جاد بعيدا عن التموقعات والأنانيات ليكون حافزا لتجاوز حالة الوهن والتشتت ويكون قادرا على ضمان النجاح في الانتخابات القادمة لمواصلة المشروع الوطني التونسي الذي انطلق منذ منتصف القرن التاسع عشر والذي لايزال الأمل قائما في مواصلته السير رغم الضربات التي تطاله وتطال رموزه الأحياء منهم والأموات.
أن اعلان التضامن والمساندة للنائبة ليلى الحمروني -الشعبوني الذي بادرت الى القيام به الأحزاب والجمعيات والشخصيات مع تحية خاصة نوجهها للأفراد الذين سارعوا وبصفة تكاد تكون عفوية ودون انتظار أي دعوة الى التعبير عن رفضهم لهذه الطرق الرخيصة والمبتذلة. ان حملة التضامن والمساندة اللتين تتجاوز شخصها -وهي تستحق ذلك كامرأة مناضلة لعقود طويلة وكنائبة محترمة في مجلس نواب الشعب- لا بد أن تتسع لتعبر عن استفاقة جماعية وشجبا لكل تماه مع الرداءة أو للقبول بها . لا بد أن تكون هذه الحملة عنصرا أساسيا ضمن سيرورة مدروسة لبلورة وعي جماعي بقيم العيش المشترك. لا بد أن نتحرك جميعا كل من موقعه ولا بد أن نجسد تعلقنا جميعا-رغم الاختلافات السياسيات الطبيعة التي تميز كل المجتمعات الديمقراطية - بصيانة المشروع الحضاري الإصلاحي و التحديثي وبضرورة تطويره واستكمال مهام الانتقال الديمقراطي عبر توفير كل الشروط لنجاح برنامج ديمقراطي و اجتماعي شجاع يستجيب لمطالب ثورة الحرية والكرامة.
وفي الأخير إنني اجزم أن الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس نواب الشعب) سيكونون في الصفوف الأولى لتأكيد مثل هذه القيم عبر استقبالهم للسيدة ليلى الحمروني، لأن بمثل تلك الحركات الرمزية والمجسدة لوحدة التونسيين يمكن تضميد الجروح التي تخلفها مثل هذه السلوكات المتخلفة وبها وبغيرها من السلوكات الايجابية التي يمكن أن تبادر اليها المنظمات والأحزاب يمكن أن نرعى جسم ديمقراطيتنا الناشئة والهشة من كل الارتدادات والنكسات.