سؤال وجواب: لقاء مع علي الكلابي رئيس مجلس إدارة شركة «فيتالي» يجب إنقاذ قطاع الألبان... حالا

لمّا يشدّ الفرد خوف وتراه دوما في وجس، ينتهي عنده الفعل ويسكنه الوهن. مع الخوف، يعجز العبد عن أخذ القرار. تراه يتهرّب، يرجئ

القرار الى يوم لاحق. مع الخوف، تبرد الأيدي. يبطل السعي. كيف للفعل أن يكون وصاحبنا يعتقد أنّ الخطر به متربّص؟
ذاك حال حكومة الشاهد اليوم. ذاك حال جلّ الحكومات المتعاقبة، منذ الثورة... كلّها تخاف الشارع وما قد يكون في الشارع من هيج ومن صخب. كلّها تخشى اتّحاد الشغل وما قد يكون مع اتّحاد الشغل من صدام ومن مناهضة. الكلّ يخاف الصناديق الدوليّة وما قد يحصل مع الصناديق من صدّ ومن منكر... مع الخوف، ترتعش الأيدي. تعجز الحكومات عن الفعل، على الاصلاح. يصيب البلاد جمود ومع الجمود تستفحل الأزمة وتتفاقم فيزداد الوضع عسرا وتزداد الازمة شدّة...
نحن في حلقة مغلقة. خوفا من الشارع، نمتع على أخذ قرار قد يزعج الجماهير والشارع. لكسب ودّ اتّحاد الشغل نزيد في الأجور ونغضّ الطرف عمّا يجري في الخزينة العموميّة من عجوزات وما يجري في البلاد من تجاوز. حفاظا على القدرة الشرائيّة للمواطن، نبقي الأسعار على حالها وهذه الأسعار في الانتاج وفي الأسواق تشتعل. مهادنة للشارع فيها أحيانا كثيرة افساد لقدرات البلاد وتعطيل للإنتاج وللتطوّر...

***
منذ أشهر وقطاع الألبان يعيش أزمة ضاربة. في السوق هناك نقص في الحليب وهذا حليب في الأسواق مستورد. كثر الجدل. كلّ يقول ويشرح ولا حلّ في الأفق. يجب أن أرى ما يجري. اتّصلت بالسيد علي الكلابي رئيس مجلس ادارة شركة «فيتالي» لأعرف الاشكال وماهيّته. لا أعرف الرجل من قبل. حادثته ساعة في الهاتف. سألته فأجاب مشكورا كما يلي:
• هل من فكرة موجزة سيدي عن قطاع الألبان في تونس؟
«يشغّل قطاع الألبان اليوم نحو 112 ألف مربّي للأبقار منهم 85 بالمائة من المربّين الصغار. المربّي الصغير هو من ملك معدّل ثلاث بقرات. يرعاها بنفسه، في بيته، وهذا يعطيه رزقا تكميليّا، محمودا. أمّا مراكز التجميع فعددها 250 مركزا. أمّا المصانع وهي الحلقة الأخيرة في الانتاج، فعددها اليوم نحو سبعة مصانع تقريبا، في البلاد منتشرة... ينتج قطاع الأبان اليوم نحو 1400 مليون لترا يوميّا منها 900 مليون تمشي الى المصانع...
في ما مضى وخلال العشرين سنة الاخيرة كان انتاج الألبان يتطور بصفة منتظمة. في سنة 2018 تراجع الانتاج وحصل نقص يقدّر بنحو 50 مليون لتر. تبعا لهذا النقص في الانتاج جاء النقص الحاصل للحليب في الأسواق وبسبب النقص كان التوريد بعدما كان لنا في ما مضى اكتفاء ذاتي».
• كان لنا انتاج واكتفاء ذاتيّ، فما سبب النقصان؟
الجواب: «في ما مضى، بفضل المربّين الصغار، استطاعت تونس انتاج الحليب وتوفيره في السوق وما كان يومها في البلاد احتكار أو بيع مشروط. بل حسب الاحصائيّات ازداد طلب التونسيّ على الحليب في السوق... ارتفع استهلاك التونسيّ من الحليب في السنين الأخيرة بصفة مطّردة وهو اليوم يقارب معدّل استهلاك بعض البلدان الغربيّة. في تونس، معدّل الاستهلاك السنويّ هو 110 كلغ للفرد الواحد. في المغرب وهي أوسع رقعة، استهلاك الواحد لا يتجاوز 70 كلغ فقط.
• لماذا تراجع الانتاج وأين تكمن الأزمة؟
«منذ اكثر من ثلاث سنوات لم تقع زيادة واحدة في أسعار الحليب في السوق. في حين ترى تكلفة انتاج الحليب وتصنيعه تتعاظم وهذا انزلاق للدينار يتواصل وهذه زيادات سنويّة في الأجور، اضافة الى ارتفاع اسعار العلف وغيرها من اللوازم الأخر. رغم الزيادات هذه، رأت الحكومات المتعاقبة أن لا يقع الترفيع في أسعار الحليب في السوق...
مهما اجتهد المربّي الصغير واقتصد لن يستطيع انتاج اللتر بأقل من دينار في حين حدّد يبيعها بسعر 890 مليما. اليوم في تونس، تباع اللتر من الحليب نصف دسم وهو الأكثر بيعا وانتشارا بثمن 1120 مليما في حين يباع في الجزائر بأكثر من 1600 مليما وفي المغرب بأكثر من 1700 مليما. مثل هذه الفوارق، كما لا يخفى، تشجّع على التهريب...
أفلست سياسة تجميد الأسعار هذه الكثير من المتدخّلين وبخاصّة منهم صغار المنتجين. الكثير من هؤلاء باعوا أبقارهم وانتهوا من الخسارات ومن انتاج الحليب. حتّى المصانع هي الأخرى تبيع الحليب دون ربح يكفي... في كلّ سنة تحصل زيادات في الأجور وبالتالي ترتفع نفقات المصانع لكن، في المقابل، يبقى الحليب في سعر البيع المحدّد.
حتّى يتمكّن صناعوّ الحليب من مواصلة الانتاج، يجب الترفيع في سعر اللتر، على الأقلّ بـ 70 مليما. دون ذلك، سيكون العجز والافلاس في المصانع. ولعلّ بقاء الاسعار على حالها سرّع في افلاس واحدة من الشركات المصنّعة للحليب كبرى في الساحل...
يجب على السلط أن تسمح بالترفيع حالا في سعر اللتر عند البيع بـ180 مليّما للتر الواحد (110 مليما للفلاح و70 مليما للمصنّع). دون ذلك، سوف تتفاقم الأزمة ويفرّ القطاع أهله ولسوف تضطرّ السلط الى الزيادة في استيراد الحليب...
أتدري كم ثمن الحليب المستورد؟ ثمن اللتر المستورد هو ديناران تقريبا. هل هذا منطق؟ هل في هذا حكمة؟ كيف تقبل الدولة بدفع 2 دينار للحليب البلجيكي ولا ترضى بالزيادة ب 180 مليّما تدفعها للمربّين الصغار وللمصانع؟
ما يجري في تونس هو أمر غريب. أنا حزين على هذا القطاع. اللتر الواحدة من الكوكا أرفع ثمنا من لتر الحليب. يقبل الحاكم بمثل هذه الأسعار وتراه يخشى الزيادة في الحليب وهو الذي يوفّر الشغل والقوت لمئات آلاف من العائلات، في تونس».
• لماذا ترفض السلط الزيادة في الأسعار؟
«رئيس الحكومة هو مهندس فلاحي ويعلم ما يجري في القطاع من اشكاليّات. وزير التجارة، هو الآخر مهندس فلاحي ويعلم ما يعيشه قطاع الألبان من عسر شديد. بل في ما أذكر هو الآخر كان يدعو الى الزيادة في أثمان الحليب انقاذا له... في الحقيقة، هناك وعود من السلط ولعلّها قريبا سترى هذه الوعود النور. في انتظار انجاز ما وعدت به الحكومة، يجب التنبيه لما يحياه القطاع من وضع متردّ، خطير...».
***
ذاك هو اليوم حال قطاع الألبان في تونس. في ما مضى كان قطاعا فاعلا، متمكّنا. يتطوّر. لأسباب عدّة وبعد تجميد أسعاره في السوق، ها هو اليوم في عسر شديد... في ما أرى، الحكومة خائفة من ردود فعل الشارع. في ما أظنّ، الحكومة مقتنعة اقتناعا تامّا بضرورة انقاذ قطاع الألبان، لكنّها لا تتحرّك. هي تخاف الزيادة في الأسعار وتخشى ما قد يحصل من تبعات في الشارع... في ظلّ هذا الوجس القائم، في ظلّ هذه الخشية المتمكّنة، ينهار قطاع الألبان شيئا فشيئا وتتعمّق، كلّ يوم، أزمته. نحن اليوم ننظر مكتوفي الأيديّ. ننتظر. نرى أمام أعيننا ما كان بني بالجهد منذ سنين، نراه اليوم يندثر... نعم، نحن اليوم بما نأتي من تردّد ومن ترقّب، نخرّب بأيدينا قطاعا اقتصاديّا مهمّا. غدا سوف نندم عمّا أتينا. غدا لن ينفع الندم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115