الإضراب الإداري لنقابة التعليم الثانوي و منظمة «اجابة»: الغاية لا تبرر الوسيلة و للنضال الإجتماعي أخلاقيات éthique

عبد المجيد المسلمي
- حقوقي و نقابي سابق- مؤسس المنتدى الإجتماعي التونسي

أصبحت أزمات المؤسسة التعليمية في تونس مشابهة لأزمات الربو أو ما يعرف في التعبير الشعبي «الفدة» l’asthme..تبدأ أزمات الضيق الحاد للتنفس مع تغييرات الطقس في الخريف و الشتاء ( بداية السنة الدراسية). تنقص حدتها بعض الشيء ثم تعود في الربيع مع أزمات الحساسية التي تتكاثر مع ظهور أولى لقاحات الزهور pollenلتهدأ في الصيف مع الحرارة والمناخ الجاف الذي يوافق العطلة المدرسية.

منذ سنوات أصبحت هذه الأزمات دورية منتظمة مع كل سنة مدرسية و أصبحت مفرداتها مألوفة مثل أعراض الفدة = إضراب- مقاطعة الامتحانات- مقاطعة الإصلاح- حجب الأعداد- سنة بيضاء...
تحت وطأة الأزمات و تكاثرها و في غياب العلاج يصبح الجسم منهكا و تعشش فيه مختلف الجراثيم= انقطاع لما يقارب 100 ألف تلميذ سنويا من المدارس العمومية و معاهد خاصة تفرخ في كل زاوية غثها أكثر من سمينها بلغت حسب بعض الإحصائيات مئات المؤسسات بعد أن كانت بالعشرات منذ 7 سنوات.

منذ السنة الماضية شملت العدوى ( الفدة غير معدية ولكن فيها جانب وراثي) مِؤسسات التعليم العالي حيث «استلهمت» النقابة الموازية «إجابة» و هي في أول خطواتها أسوأ «التقنيات» النقابية و هاهي تعيد الكرة هذه السنة = مقاطعة الامتحانات حجب الأعداد الإضراب الإداري و السنة البيضاء.

أشكال النضال الإجتماعي = المضمون والشكل
لا يشكك أحد في شرعية نضالات أساتذة التعليم الثانوي و الأساتذة الجامعيين و الحال أنها تدور حول محورين جوهريين في حياة الشعوب= تحسين الظروف المعنوية و المادية لنساء و رجال التعليم و إصلاح المنظومة التربوية في المعهد و الجامعة. كما لا يشك أحد بأن السلطة الحاكمة التي تطبق سياسات ليبرالية هي المسؤولة الأولى عن تدهور ظروف المؤسسة التربوية و تدهور القدرة الشرائية.

و لكن أساليب مقاطعة الامتحانات أو حجب الأعداد التي تلتجئ إليها نقابة التعليم الثانوي و نقابة «إجابة» تسيء إلى مطالب قطاع التعليم أكبر إساءة لأنها تضر بمصلحة التلاميذ و الطلبة إساءة بليغة و تعطل تمكنهم العلمي و التربوي و تجعلهم بمثابة الرهائن لدى المتصارعين . فهل يقبل المجتمع أن يضرب الممرضون و الأطباء عن الحالات الإستعجالية من أجل مطالب مشروعة؟؟؟ و هل يقبل المواطنون أن يضرب أعوان «الصوناد» أو «الستاغ» أو أعوان التطهير عن العمل تماما و الحال أن تجهيزات و عمليات حيوية يجب أن تستمر على مدى اليوم و الليلة و إلا لحق ضرر كبير بالمؤسسات و المواطنين.

لذلك تطورت في البلدان المتقدمة فكرة «الحد الادنى من العمل» le service minimum و خاصة في قطاعات حساسة مثل النقل و هو ما تطبقه جميع القطاعات الحيوية عند الإضراب في تونس و التي تحرص على حد أدنى من العمل حرصا على مصالح المواطنين و حفاظا على المؤسسات التي هي ملك للشعب.
فمضمون النضال النقابي هو تقدمي و في صالح الإنسانية و بالتالي فإنه لا يستعمل وسائل ضغط و إكراه تضر بمصالح مواطنين من فئات أخرى وإلا أدى ذلك إلى احتراب مدني و أهلي و لأصبحت كل فئة تمسك سيف «داموقليس» على الفئة الأخر تهددها متى شاءت.

لذلك أضافت عديد المجتمعات مفهوم «الأخلاقيات» في التحركات الإجتماعية و هو مصطلح إغريقيéthos يشمل القيم و الأخلاق و النواميس التي تحكم و تسير مجتمعا ما ليصبح أكثر إنسانية. ففي الصراعات الاجتماعية تكون الفئات الضعيفة ( نساء و أطفال خاصة) هي الأكثر عرضة للتعدي عليها و المس من حقوقها تحت يافطة الدفاع عن مطالب مشروعة لفئة ما.

أزمة قيادات نقابية في التعليم الثانوي؟؟؟
مثلت نقابة التعليم الثانوي على مدى التاريخ الحديث للإتحاد العام التونسي للشغل ثقلا أساسيا. فهي بالإضافة إلى قوتها العددية تجمع النخب السياسية و النقابية مما أعطى للقطاع تقاليد نقابية عريقة و صلبة.
لقد تداولت على قيادة النقابة شخصيات وازنة على مر الأجيال نذكر منها المرحوم عبد الرزاق الهمامي و ايضا عبيد البريكي..و في مرحلة ما قبل الثورة ( مؤتمر جانفي 2010) صعد إلى دفة القيادة مجموعة متميزة من القادة النقابيين يجمعون بين الصلابة والبراغماتية والحس التكتيكي العالي. بعد الثورة انصرف عديد المسؤولين في النقابة العامة إلى تحمل

مسؤولياتهم في مرافقة المسار الثوري و صيانته و تجذيره. انتخب سامي الطاهري الكاتب العام السابق للنقابة العامة عضوا بالمكتب التنفيذي في مؤتمر طبرقة في ديسمبر 2011و ساهم من موقعه في الدور الكبير الذي لعبه اتحاد الشغل. وانصرف عبد الرحمان الهذيلي مؤسس المنتدى الإجتماعي التونسي إلى تأسيس المنتدى التونسي للحقوق اللإقتصادية و الإجتماعية لمرافقة المسار الثوري و هو الأن مؤسسة صلبة و مشعة داخليا و خارجيا. أما محمد الحامدي فقد انتخب عضوا في المجلس التأسيسي عن الحزب الديمقراطي التقدمي و أصبح رئيسا للكتلة الديمقراطية أكبر قوة معارضة للترويكا و أسس حزب التحالف الديمقراطي. وأسس زهير المغزاوي مع الشهيد محمد البراهمي حركة الشعب كفصيل قومي تاريخي وللحركة القومية اليوم في تونس تواجد برلماني ( زهير المغزاوي) و شعبي محترم

تبدو القيادة الحالية لنقابة التعليم الثانوي بعد خروج قيادة الصف الأول لنقابة التعليم الثانوي «كقيادة الصف الثاني». يتميز أداؤها بالتشنج و التصعيد و اختلاق المعارك الوهمية دون رؤيا تكتيكية واضحة و كأنها تريد أن تثبت لمن يشكك فيها أنها مناضلة و جديرة. و هو ما جعلها تخسر معركة الرأي العام الذي أصبح متالبا عليها كما تظهره بانتظام مؤسسات سبر الآراء. كما أنها خسرت عديد «المعارك» مثل إيقافها للإضراب المفتوح في أخر السنة الماضية دون أي مكاسب و إجبارها على تسليم الأعداد دون أي مقابل ناهيك بأن قسما هاما من القاعدة الاستاذية أصبحت لا تثق بها و لا تنضبط لقراراتها كما يحدث في هذه الأزمة الأخيرة.

ربما تأتي موجة التصعيد هذه في سياق الإعداد للمؤتمر القادم لنقابة التعليم الثانوي سنة 2019 الذي قد يكون للبعض منصة انطلاق للتموقع في المؤتمر القادم للإتحاد العام التونسي للشغل و الترشح لعضوية المكتب التنفيذي. ولكن و كما يقال «باي وجه ستقابل الله»؟؟؟ فحساب الحقل ثقيل و حساب البيدر هزيل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115