البحريّة الإسرائيليّة «زيم» (ZIM)، كان مُقرّرا أن تتوقّف يوم 5 أوت في ميناء رادس. وهذه السّفينة على ملك الشّركة التّركيّة «أركاس» (ARKAS) التي أبرمت مع زيم «اتّفاق تشارك في السّفن (Vessel Sharing Agreement) تؤمّن بمقتضاه لحساب «زيم» نقل حاويات آتية من ميناء حيفا (وهو الآن ميناء إسرائيلي) وموجّهة إلى تونس، مرورا بميناء بلنسية في إسبانيا.
ويشير موقع الويب لشركة «زيم» أن ناقلة الحاويات تلك، سبق أن توقّفت في ميناء رادس خلال شهر جويلية، بل أنّها قد تكون اعتادت الرّسوّ فيه بانتظام منذ عدّة شهور. وقد تمّ محو المعلومات الخاصّة بتلك الرّحلة والرّحلات السّابقة لها من الموقع يوم 15 أوت، غير أنّ الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل احتاطت للأمر باستنساخِ برنامج رحلات سفينة «كورنيليوس ــ أ» لحساب «زيم» من الشّاشة، وبحفظ النّسخة في «ويب أرشيف» (Web archive) من الرحلة الأولى في سبتمبر 2017 إلى الرحلة الحادية عشرة في جويلية 2018)
لقد أظهرت معلومات على موقع الويب لشركة زيم تمّ محوها يوم 3 أوت، أي ثلاثة أيّام بعد بداية تحرّك الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل ضدّ «زيم» بتونس، أنّ هذه الشّركة تستغلّ خطّا بحريّا منتظما بين حيفا ورادس مرورا بميناء بلنسية الإسباني، وذلك منذ شهور عديدة حسبما يبدو. وكانت الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل، قد استنسخت من الشّاشة صورة لموقع «زيم» على الانترنت يوم 2 أوت 2018، تفضح حقيقة ذلك الخطّ المنتظم (إضغط على الـ pdf لتظهر الصّورة).
لقد قامت شركة النّقل «زيم» الإسرائيليّة منذ تأسيسها سنة 1945 بنقل مئات الآلاف من المستوطنين الصّهاينة من العالم أجمع تطبيقا لمشروع تهويد فلسطين وتسهيل حركة تطهير عرقي بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وإحلال المستوطنين الصّهاينة محلّهم. وقد أدّت تلك الشّركة كذلك دورا هامّا في نقل الأسلحة والعتاد لفائدة جيش الاحتلال ليستعملها في حروبه ومجازره ضدّ الشّعب الفلسطيني والشّعوب العربيّة.
وما أن عَلِم القائمون على الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل بالأمر(يوم الثلاثاء 31 جويلية 2018) حتّى دعوا الحكومة التّونسيّة إلى منع سفينة «كورنيليوس ــ أ» من الدّخول إلى مياهنا الإقليميّة وطلبوا من نقابات الموانئ وخاصّة من الاتّحاد العام التّونسي للشّغل أن يحول دون تفريغها في حالة السّماح لها بالرّسّوّ. واستجابةً لندائنا دعا الاتّحاد يوم الأربعاء غرّة أوت السّلطات إلى «منع السّفينة من الرّسوّ بما أنّه ليس لنا أيّ علاقة بذلك الكيان الغاصب وأنّنا نهيب بالجميع أن يرفضوا ذلك التّطبيع المُقنّع». وكان أمينه العام السّيّد نور الدّين الطّبوبي قد صرّح بأنّ « الاتّحاد العام التّونسي للشّغل سوف يتصدّى لأيّ محاولة صهيونيّة للبلوغ إلى التّراب التّونسي».
وأمام تنامي تلك التّعبئة الوطنيّة بمساندة قويّة من الاتّحاد العام التّونسيّ للشّغل، اضطّرت السّفينة «كورنيليوس ــ أ» إلى تغيير وجهتها؛ وبعد أكثر من 24 ساعة من الانتظار في عرض السّاحل الإسباني، رست في النّهاية بميناء الجزيرة الخضراء (إسبانيا).
غير أنّها، ومنذ الغد، عادت مجدّدا لأخذ طريقها نحو رادس وقد أثار ذلك تعبئة جديدة على الفور. وفي يوم الأربعاء 8 أوت، على الساعة الثّامنة، اكتشفت الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل أن السّفينة «كورنيليوس ــ أ، قد اختفت من على شاشات التّتبّع الملاحي المتاح للجميع (وكان آخر موقع معروف لها يوم الاربعاء 8 أوت على السّاعة الواحدة صباحا، بعرض مدينة جيجل الجزائريّة).والمعلوم أنّ قرارا بالتّشويش كهذا لا يمكن أن تتّخذه سفينة بمفردها؛ فمن تكون، إذن، السّلطات التي اتّخذت ذلك القرار المتستّر على السّفينة «كورنيليوس ـــ أ»؟
وما كان من الاتّحاد العام التّونسي للشّغل إلاّ أن بثّ رسالة إنذار وطلب مجدّدا من السّلطات التّونسيّة توضيح موقفها ممّا يجري. وبعد 24 ساعة من ذلك الاختفاء من أجهزة التّتبع، لاحظت الحملة التّونسيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل يوم الخميس 9 أوت فجرا أنّ السّفينة عادت إلى الظّهور على الرّادارات وبدا أنّها تعود أدراجها ليتحدّد موقعها على السّاعة الثّامنة من صباح نفس اليوم في عرض مدينة جيجل الجزائريّة. وبعد ذلك بقليل أعلم الاتّحاد العام التّونسي للشّغل الحملة التّونسيّة أنّ السّفينة «كورنيليوس ــ أ» قد قفلت راجعة من حيث أتت بعد أن هدّدت نقابة عمّال الرّصيف المنخرطة في الاتّحاد بغلق كلّ الموانئ التّونسيّة إذا ما سُمح للسّفينة بالرّسوّ في أحدها.
ولقد كان صمت السّلطات إزاء تلك التّعبئة مثيرا؛ فبعد «تكذيب» أوّل فاحش في غموضه وأخطائه من جانب ديوان الملاحة التّجاريّة والموانئ بتاريخ غرّة أوت، نشر مسؤول الاتّصال بهذا الدّيوان إجابة «تقنيّة» وغير صحيحة مرّة أخرى، على أعمدة صحيفة «لا بريس» ليوم 8 أوت.
وفعلا فقد أشار السّيد الصّحبي عزّوز المسؤول المذكور في إجابته بأنّ «كورنيليوس ــ أ» في نظر سلطات الموانئ التّونسيّة هي، رسميّا، سفينة تركية ولا شيء، مبدئيّا، يمنع دخولها إلى ميناء رادس»، مضيفا :»أنّها تركيّة بحسب موقع المنظّمة العالميّة للملاحة، مرجعنا في التّعرّف على السّفن، وذاك كلّ ما بوسعنا أن نراه».
وخلافا لتصريحات ذاك الموظّف فإنّ الحملة التّونسيّة والاتّحاد العام التّونسي للشّغل لم يؤكّدا أبدا أنّ سفينة «كورنوليوس ــ أ» تخدم ميناء حيفا. فالمسألة لا تتعلّق بمعرفة إذا ما كانت تواصل التردّد على موانئ الاحتلال، وما تُثبته الوثائق هو أنّها تعمل ضمن برامج الإسناد التي وضعتها شركة «زيم» في خدمة المشروع الصّهيوني لاقتحام باب التّطبيع، خارقةً بذلك السّيادة التّونسيّة وروح الدّستور ذاته.
كما صرّح مسؤول الاتّصال لديوان الملاحة التّجاريّة والموانئ «أن السّلطات تحتفظ بالحقّ في منع رسوّ السّفينة إذا ما ثبت أنّ لائحة الحمولة تتضمّن بضاعة مصدرها إسرائيل ووجهتها تونس» و أنّ «السّلطات البحريّة قد تقوم استثنائيّا بعمليّة مراقبة (Port State Control)، تسمح لمفتّشين بالصّعود إلى السّفينة قبل رسُوِّها بهدف التّثبّت من الحمولة والوثائق».
وبإزاء ردّ فعل سلطات البلاد الذي يثير من الأسئلة أكثر ممّا يقدّمه من إجابات، فإنّ الحملة التّونسيّة من أجل المقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل (TACBI) في بلاغها الصّحفي بتاريخ 9 أوت، واستنادا إلى المبادئ الدّستوريّة التي تقرّ بأنّ « الدّولة تضمن الحقّ في الإعلام والحقّ في النّفاذ إلى المعلومة» (الفصل 32 من الدستور)، قد طالبت بأن يُكشف النّقاب عن حقيقة الأمر ليتبيّن ما يلي :
1 - إذا ما كانت السّفينة كورنيليوس قد تمّ صدّها قبل أن تحاول الرُّسوَّ بميناء رادس.
2 - إذا ما كان ديوان البحرية التّجاريّة والموانئ قد قام بتفتيش على متن السّفينة أم لا، وإذا كان قد فعل ذلك، فما الذي وجده عليها وكان موجبا لصدّ السّفينة ؟
3 - إذا كان ديوان البحريّة التجاريّة والموانئ قد عزف عن تفتيش السّفينة فعلى أيّ أساس تمّ صدّ السّفينة؟
إنّ الحملة التّونسيّة من أجل المقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل (TACBI) بعد توجيهها رسالة إلى شركة “ركاس تونيزي” (Arkas Tunisie)، بعث برسالة تحذير إلى مؤسسة «أول سيز شيبينغ» (All Seas shipping) التي قد تكون، حسب المعلومات التي وصلتنا، قامت أو أنّها تستعدّ الآن للقيام بدور العميل المحلّي لـ «زيم» أو لشركة نقل بحريّ على صلة بها بمقتضى اتفاقيات شراكة أو مشاركة في السّفن
ومنذ بداية هذه القضيّة، وبإزاء عدم تحرّك السّلطات، طالب الاتّحاد العام التّونسي للشّغل والحملة التّونسية من أجل المقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لإسرائيل بتكوين لجنة تحقيق برلمانية من أجل الكشف عن الأنشطة الحقيقيّة لـ «زيم» في تونس ولكلّ المؤسّسات التّونسيّة والأجنبيّة التي تسهّل عملها وتلجأ إلى خدماتها.