منبــر: من أجل التصدي لدعوات الكراهية والأكاذيب: لندافع عن لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة ومقترحاتها

بقلم: محمد الشريف فرجاني
في محاولة لاستعادة ما خسرته بفعل الهزائم التي الحقتها نضالات 2012 و2013 بحركة النهضة

وبحلفائها من خلال التنازلات التي فرضها الحوار الوطني وفي دستور 2014 ، هبت قوى الردّة من جديد لتشن حملة مسعورة على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، مستعملة كل أساليب المغالطة والترهيب، تشجّعها في ذلك نتائج النهضة في الانتخابات البلدية، ويحدوها الأمل في تحقيق أحلامها الرجعية على حساب مكاسب الحداثة في تونس منذ أكثر من قرن ونصف.

من الدعوة إلى رجم بشرى بن الحاج حميدة إلى «التنسيقيّة الوطنيّة للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة» :

بدأت حملة الحقد والمغالطات مع تهديدات الدجّال المتشدّد عادل العلمي بالدعوة إلى رجم بشرى بالحاج حميدة وأعضاء لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة في ساحة عامّة دون أن تُتّخذ ضدّه أيّ إجراءات قانونيّة وفق ما جاء في الدستور الجديد من تجريم للتكفير، وتطبيقا للقوانين المتعلقة بنشر الأكاذيب وبالتحريض على الكراهية والعنف والتهديد بالقتل. وأمام صمت السلطات العموميّة، تلاحقت أصوات قوى الردة على غرارنور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينيّة في عهد الترويكا التي هيمنت عليها حركة النهضة، وعدد من مدرّسي الزيتونة وجمعيات الأئمّة والوعّاظ التي تمثّل الطابورالخامس للإسلام السياسي، مستعملة الأكاذيب نفسها في ما يتعلّق بمضمون تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة لاستفزاز المشاعر الدينية لأكثر الفئات جهلا ورجعيّة في المجتمع، وبالاعتماد على نفس الحجج المستمدة من سجل التقاليد الذكوريّة الأكثر رجعية، وعلى نفس أساليب التكفير واتّهام المساندين والمساندات للتقرير بمعاداة الإسلام وبالخضوع لإملاءات خارجيّة، كل ذلك دون أيّ إشارة دقيقة إلى مضمون التقرير. وقد جاءت هذه الردود وكأنها حركة عفوية بعيدة عن أيّ انتماء أو توجيه سياسيّ. ولكن ليس من العسير تبين ما تشترك فيه هذه الردود مع الخطاب المميز لجميع تعبيرات الإسلام السياسي ولأكثر الأوساط محافظة ورجعيّة. فليس من قبيل الصدفة أن تتجمّع هذه الردود كلها، وبسرعة عجيبة، وبمبادرة من نور الدين الخادمي، في إطار موحد اتخذ إسم «التنسيقيّة الوطنيّة للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة» . وهذه التسمية لوحدها تفضح الإنتماء الإسلاموي للتنسيقية : فالعدالة والتنمية تحيل بوضوح على تسميات للأحزاب الشقيقة لحركة النهضة، مثل حزبي العدالة والتنمية الحاكمين في المغرب وتركيا، وأحزاب أخرى تحمل نفس الإسم وتنتمي لنفس التيار من الإسلام السياسي، في بلدان عديدة. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ ادّعاء الدفاع عن القرآن من ثوابت الدعاية الإسلامويّة منذ عشرينات القرن الماضي. أما إدماج عبارة «الدستور» في اسم هذه التنسيقيّة» فهي تحمل بصمة راشد الغنوشي والمقربّين منه إذ أنه، منذ 2014، لم يفتأ يحاول تقديم حركته، التي أجبرت على القبول بدستور مدني، في صورة حزب يحترم القانون و«يجمع بين احترام أحكام الدستور والتمسّك بأسس الهوية العربية الإسلامية لشعبنا»، حسب ما جاء في بيان النهضة يوم 4 جويلية 2018 حول تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة. وقد دعت هذه التنسيقيّة «الشعب التونسي للمشاركة في المسيرة الوطنية الرافضة لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة» ولما جاء فيه «من فصول مخالفة للدين والدستور وهادمة للأسرة ومعادية للهوية. ويشير النداء إلى أن « المسيرة سيقودها : علماء الزيتونة واساتذتها وأئمة المساجد والحقوقيون والاكادميون» و«يشارك فيها الشعب التونسي نساء ورجالا شيبا وشبابا» محددة يوم 11 أوت كموعد لهذه المسيرة تحت شعار لا يترك لمن لا يلبي النداء إلا الشعور بالذنب والتواطؤ مع من يعتبر من أعداء الإسلام : « قل كلمتك، أبرئ ذمتك».

واختيار تاريخ 11 أوت 2018 لتنظيم هذه المسيرة ليس صدفة إذ هو يسبق بيومين ذكرى إصدار مجلّة الأحوال الشخصية عام 1956، اليوم الوطني للمرأة التونسية، واليوم الذي ينتظر فيه الجميع خطابًا من الباجي قائد السبسي، بعد مرور عام على إعلان إنشاء لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة. والهدف من وراء ذلك هو تسليط أكبر ما يمكن من الضغوط على رئاسة الجمهورية حتى يتم التخلي عن المقترحات الأكثر جرأة في التقرير. وللتحضير لهذه المسيرة، شاركت كلّ مكوّنات هذه التنسيقيّة يوم الجمعة 3 أوت 2018 في مسيرات وتحركات تهييجية دون ترخيص مسبق كالصلاة في الشوارع والفضاءات العمومية ، واحتلال الأرصفة والشوارع ونصب الخيام، كما في عهد الترويكا، لنشر خطاب الكراهية والمغالطات للتجييش ضد اللجنة وتقريرها .

• ما هو الموقف الرسمي للنهضة من لجنة الحريات والمساواة ومن خصومها ؟
لئن ارتفعت بعض الأصوات من قياديي النهضة، مثل لطفي زيتون والنائبة سناء المرسني، لتعلن رفضها للتكفير والتشويه وللتهديدات ضد رئيسة اللجنة وأعضائها، ودعت إلى نقاش مسؤول حول مضمون التقرير، فإن الموقف الرسمي لحركة النهضة يذكر بمواقفها بين عامي 2011 و 2013 من المظاهرات و من أعمال العنف التي أتتها الحركات السلفية التي قال راشد الغنّوشي عن عناصرها إنهم «أبناءه الذين يذكّرونه بشبابه»، وإنهم يمثلون «الإسلام الغاضب»، داعيا إلى تفهمهم وطمأنتهم بوضع حدّ «للاستفزاز العلماني» ولما اعتبره «تطاولا على الإسلام» وعلى «هوية الشعب». وبالنظر إلى أن حركة النهضة صرحت بأن مضامين بعض المقترحات الواردة في تقرير اللجنة «تهدد كيان الأسرة ووحدة المجتمع»، دون تحديد لهذه المضامين التي تثير تخوفاتها، وأرجأت اتخاذ موقف بشأن هذه المقترحات إلى حين تقديمها كمشاريع قوانين في مجلس نواب الشعب، فإنّ النهضة، كعادتها، اختارت موقعا يمكّنها من الحث على ردود فعل معادية لمقترحات اللجنة، ويسمح لأتباعها بالمشاركة في تلك الردود دون أن تتحمل مسؤولية ما يمكن أن تفضي إليه من تجاوزات أو فشل، ودون أن تبدو في موقف المعارض لتلك الردود. ومثل هذا الموقف يسمح للنهضة بالظهور كحركة مسؤولة في عيون حلفائها في الداخل والخارج وبتجنب القطيعة مع قواعد الإسلام السياسي والدوائر المحافظة التي تستمدّ منها قوتها. وهذا ما يفسّر غياب موقف رسمي لحركة النهضة مما يسمى ب «التنسيقيّة الوطنيّة للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة»، على الرغم مما في تسمية هذه التنسيقيّة وفي خطابها وشعاراتها من تناغم مع تعبيرات الإسلام السياسي بشكل عام ومع الموقف الرسمي لحركة النهضة.

• واجب قوى التقدّم والحرية :
لمواجهة هذا الهجوم المسعور للأوساط الأكثر محافظة، ولتواطؤ حركة النهضة معها، ليس أمام قوى التقدم والديمقراطية، وللمدافعين حقّا عن المساواة والحريّات الفرديّة، إلاّ الإختيار بين موقفين : إما الاستسلام أو القيام برد في مستوى التحديات التي يفرضها حجم الأخطار المهددة لمستقبل ولمكاسب الشعب.
إن الوقت لم يعد يسمح بالنقاشات حول جزئيات التقرير وحول التحليلات والقراءات التي تم الإعتماد عليها لصياغة المقترحات. والأهم ألآن هو الدفاع عن مقترحات التقرير التي تعارضها القوى الرجعيّة دون أن تجرؤ على مناقشة محتوياتها. وهذه المقترحات هي :
- المساواة في الميراث كمبدإ، مع إمكانية تخلي الورثاء عن حقّهم أو عن جزء منه،
- إلغاء عقوبة الإعدام طبقا للنصوص والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها حق الحياة، التي صادقت عليها تونس،
- إلغاء حظر بيع المشروبات الكحولية للمسلمين بموجب منشور الإدارة الاستعمارية المؤرخ في 15 مايو 1941.
- التأكيد على مبدأ احترام الحرمة البدنية والمعنوية للإنسان(وحظر التعذيب والمعاملات المهينة التي لا تزال شائعة رغم المصادقة على اتفاقية دولية تحظرها).
- إزالة العوائق الدينية لاحترام الحقوق المدنية بإلغاء التنصيص على ديانة الأشخاص في مختلف القوانين المتعلقة بهذه الحقوق: مثل بيع واستهلاك الكحول، (التوصية بالعودة إلى قانون 7 نوفمبر 1957 ، الذي لا يمنع بيع الكحول إلا على القاصرين والجنود والشرطة والحرس عند ارتدائهم الزي الوظيفي؛ وبإلغاء المنشور الصادر عام 1981 الذي يأمر بإغلاق المقاهي والمطاعم خلال شهر رمضان).
- إلغاء العقوبات التي تعارض حرية الضمير والتعبير، وتجريم انتهاك هذه الحريات، وتجريم جميع أشكال التمييز،
- حماية الحياة الخاصة وتجريم انتهاكها، وفي هذا السياق إلغاء المادة 230 من القانون الجنائي التي تسمح بالاختبار الشرجي للتحقق مما إذا كانت هناك علاقة جنسية مثلية (المقترحات لم تتجاوز ذلك للتنصيص صراحة على احترام حرية التوجه الجنسي وتجريم الأفعال المعادية للمثلية والمثليين).
تلك هي التوصيات التي يجب أن تكون في صميم نضال الديمقراطيين والتقدميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهي التوصيات التي يجب الدفاع عنها ضد قوى المحافظة والردّة والرجعيّة التي تريد، من خلال رفض هذه المقترحات، التراجع عن مكتسبات تونس الحديثة التي عارضوها دائما والتي لم يستسيغوها قط.
وحتى يكون رد قوى الحرية في مستوى هذه التحديات، فلا بد من القيام بتعبئة كالتي سمحت سنة 2012 و 2013 بإحباط مشروع النهضة وحلفائها وأدت إلى اعلان دستور 2014. إنّ رهان اليوم يعادل رهانات المعركة التي أجبرت المجلس التأسيسي على وضع حدّ لمماطلاته، بالاعتماد على تعبئة المجتمع المدني والقوى الديمقراطية والتقدمية وكل القوى التي ساعدت على كسب معركة الدستور. وعلى هذه القوى أن تجمع اليوم من جديد صفوفها للضغط على مجلس نواب الشعب حتى يتبنّى مقترحات اللجنة ويقدم على مراجعة التشريعات لتصبح منسجمة مع المواد المستنيرة في الدستور ومع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
فلتكن ذكرى 13 أوت موعدا للردّ على مسيرة «تنسيقيّة» القوى الرجعية. وليس هناك خيار آخر سوى أن يكون هذا الرد في مستوى ما سمح، عام 2013، لقوى التقدم بأن تبرهن على أنها أقوى من الرجعيّة. وليس ذلك بالأمر المستحيل إذا ما استعادت هذه القوى وحدتها وثقتها بنفسها وألقت بجميع قواها في هذه المعركة، تاركة جانبا مخاوفها والحسابات الحزبية الضيّقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115