هما قوام الحضارات. الحبّ والجنس وجهان متكاملان كالليل والنهار. بدون حبّ، تعمّ البغضاء وينتشر الكفر وتفسد المجتمعات. بدون جنس، يحصل في الناس كبت وتنكسر العزائم وتعمّ الفوضى وتكثر الاضطرابات... من لا يعرف الحبّ، عيشه نكد وأيّامه بغضاء. من لا يعرف الجنس تراه في عصب، معوجّ القيم، سيّء الأفكار. بلا حبّ وبلا جنس، تيبس القلوب
وتتحجرّ الرؤى وتنسدّ السبل ويكون التعصّب ويسكن الناس غلوّ وغليان. لا حياة ولا رجاء ولا أمل لمن شدّه الكبت وسكنه الحرمان. هم في نكد. هم موتى وتحسبهم أحياء. هم عصيّ يابسة تمشي في الأرض همّها الإفساد والعصيان. هم غيض وبغضاء. في قلوبهم ظلمات. همّهم الحرق والإرهاب...
دعني من هذا والعرب المسلمون في كبت بليغ منذ أوّل الزمان. الكلّ يعلم أن خرابهم سببه ما هم فيه من كبت ومن حرمان. دع العرب في غيّهم فلن ينفع معهم شرح ولا بيان... أنا أحبّ الحبّ وأعشق الجنس صيفا وشتاء. لمّا تمطر السماء ولمّا تشتعل الأرض نارا. الحبّ يا سادتي هو الحياة. هو الإيمان بالله وبالرسل وبما جاء في الكتب من آيات. أمّا الكبت فهو تعثّر في السعي وسوء نظر وخراب للعمران. الكبت الجنسيّ ظلمات على ظلمات...
في السبعينات وما بعدها بسنوات، كان الجنس في البلاد مباحا وكان الحبّ أمرا متداولا بين الناس. يومها، تخلّص الناس من الكبت، من الحرمان. قطّعوا الحبال. كسّروا ما كان من حدود ومن محرّمات. ما كان الحبّ بمحرّم في الآيات. كيف يحرّم الله ما خلق وألهم في صدور الناس؟ في ذاك الزمن، في السبعينات، انتهى الكبت أو يكاد وانطلق الناس في النظر الى ما هو في الأرض نافع، منهض، مستدام. كان الكلّ يومها يفكّر في السبل ويعيد النظر في الموروث وفي السلوكيّات. كنّا تنظر كيف للفعل أن يستقيم، كيف الدفع بالذات، بالبلاد...
دعني من كلّ هذا والوقت ليس وقت نظر في ما كان مع الزمان. الآن، ليّ شأن آخر. الآن، أنا أحيا الحياة. ها هي جارتي البهيّة بين يديّ. أفعل بها ما أشاء. تفعل بي ما تشاء. تحملني وأحملها. آكلها وتأكلني. تحشرني وأحشرها. أشعلها وتشعلني نارا... كذلك هو الوجدان. نار حاميّة تلهف الجسم، تحيي العظام. هو البعث الجميل يعطيك أجنحة، يحملك الى السماء. هي الروح من تحت اللحاف تنبعث، تصرخ في وجه الأرض والسماوات. ها أنت طيف عابر، تلمس النجوم. تشدّ الشمس والقمر. تستوي على العرش. أنت الروح القدس في قلب السماء...
تحت اللحاف، تحبّ جارتي المقدّمات. تريدني أن أتمهّل المراحل وأن أتقن البدايات. لا تحبّ جارتي التهافت ولا الاسراع في الأشياء. تحبّ أن أتيها بتؤدة، برفق، بانتشاء. كانت تهمس في أذني «نحن هنا لنحيا فلا تعجّل بالخواتيم ففي الخواتيم فراق». محقّة جارتي. هي دوما على صواب. في الإسراع إفساد للوجد وإرباك للوجدان. عليّ أن لا أعجّل بالخواتيم. أن أتمهّل في المقدّمات. أن لا أضيّع شيئا من الفواصل ولا من الجزئيّات...
الجسم يا صاحبي كوكب جنان. فيه نبت وأزهار وأشجار. الأجنّة يا صاحبي يلزمها حرث وحرص وإتقان. هذه جارتي بين يديّ. هذا جناني. أرعاه. أسرح في سهوله وتلاله. أقطف ما كان من زهر وأنوار. آكل من كلّ ثمرة وغلال. عليّ أن أنظر في الحقل كلّه. أن ترى عيني وتمشيّ يدي في كلّ مكان. أن أحرث برقّة وتفان. أن أشمّ ما كان من عطر زيتون ورمّان. بتأنّ، بأمان. يجب أن أجتهد، أن أبتكر، أن أسعى لأحرّك السواكن. أن أنفخ في النار. أن أحيي العظام، أن أشعلها بتؤدة وإتقان. كذلك، كنت أقبّل شفتيها واحدة بواحدة، ثم الاثنتين معا. ثم أعضّ اللسان وفي اللسان عسل ذوّاب. ثمّ أعيد قبلتي من الجبين، الى الوجنتين، الى الصدر، فالبطن والفخذان وما كان بينهما من حسن ونضارة. من الخلف ومن الأمام. دون تعجّل. في تؤدة، برقّة، كأحسن ما كان...
يجب أن لا أضيّع من الجسم شيئا. بأناملي العشرة، بشفتيّ، بلساني، بأسناني، بقدميّ، بما كان لي من وسائل ومن أدوات. كنت أضمّ، أعضّ، أحكّ، ألمس، أدلك، أمسح، أتمرّغ، أشمّ، أتنفّس، أشرب، آخذ من كلّ لحم طريّ نصيبا. آكل من كلّ غلّة ثمارا. أتفسّح في الجنان. أنظر في أركانه وفي زواياه كأنّي أوّل مرّة أراه. علّيّ أن أوفي الحبّ حقّ قدره. علّيّ أن أوفي الجنس سيره ومبتغاه. دون عجلة. بكلّ رقّة، بكلّ سكنة واطمئنان. نحن في الجنّة، في لحظة غرّاء. نأكل العنب والموز والتفّاح. في جنّتي، لم يحرّم التفّاح. تفّاح جارتي طازج، فوّاح... تحبّ جارتي أن نبقى في النار القدس، الليل والنهار. تحبّ أن لا ننتهي من الفواكه ومن المفتّحات. مغمضة العينين. هنيئة. سعيدة، في انشراح. في التحام. تتلوّى. تتمرّغ. تهمس في أذني، تعضّها: «الحبّ يا عزيزي أصله مقدّمات». هي محقّة جارتي. أصل الحبّ فواكه وغلال. أساس الحبّ قبل وضمّ وعضّ ولمسات...