ملاحظات حول علاقة العشق بين السينما والموسيقى

دعتني الصديقة المخرجة سلمى بكّار منذ أيام إلى مشاهدة شريطها الأخير « الجايدة» الذي يتطرق لصفحة مظلمة من تاريخنا ويتعرض بطريقة نقدية لهذه المؤسسة البائدة والتي جسدت واقع القهر الذي تعرضت له المرأة على مدى العصور

في بلداننا – فقد كان في مقدور الرجل وفي بعض الأحيان لأتفه الأسباب الحصول على قرار من المحاكم الشرعية يتم بموجبه إيداع زوجته أو إحدى قريباته في هذه المنازل لكسر شوكتها وإجبارها على قبول العلاقات الرجعية التي تسود المجتمعات التقليدية والتي تنتفي معها أبسط حقوق المرأة.كان العمل في مرحلة المونتاج وبالرغم من انه لم يكتمل بعد فانه ينبئ بفيلم هام سيواصل تأثيث تجربة سلمى بكار السينمائية وفي جملة أعمالها انطلاقا من فاطمة 75 وحبيبة مسيكة والتي ساهمت في إنارة تاريخ النضال النسوي في بلدنا ولعبت دورا كبيرا في المكاسب التي حققتها المرأة على مر السنين لتجعل بلادنا منارة متميزة في إعطائها وإقرارها مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

طلبت منا سلمى بكار إبداء رأينا قبل المراحل الختامية في إعداد الشريط واثر العرض كان لنا لقاء ونقاش ثري نتمنى انه أفاد سلمى بكار لإتمام عملها الهام.

والملاحظة التي أود أن أسوقها أن النسخة التي شاهدتها للفيلم كانت قبل عملية المكساج أي قبل أن تضع المخرجة الموسيقى المصاحبة للفيلم وقد قضينا ساعتين من الزمن في صحبة الصورة وبدون الموسيقى وبالرغم من أهمية الصورة ودسامة الموضوع والحوار فان غياب الموسيقى أقلقني وجعل المتابعة في بعض الأحيان صعبة .أرجعتني هذه الحصة وهذه المشاهدة إلى تجاربنا السينمائية في السبعينات والثمانينات في الجامعة التونسية للسنيمائين الهواة حيث كنا نشتغل ونصور أفلامنا بكاميرات بدون صوت نظرا لضعف الإمكانيات وبعد التصوير كنا نقوم بعملية المونتاج وكانت الجامعة تشهد حركية خاصة خلال الأسابيع الأخيرة قبل مهرجان قليبية الذي تنظمه الجامعة لعرض أفلامنا وكنا نسارع الزمن لإتمام عملية المونتاج على آلاتنا التقليدية ثم تأتي المرحلة الأخيرة والتي للأسف لم نكن نعطيها الأهمية التي تستحقها وهي اختيار الموسيقى التصويرية والتي ستصاحب العرض وكنا في اغلب الأحيان نختار بعض الأغاني الملتزمة للشيخ إمام أو لمارسيل خليفة أو لفرقة البحث الموسيقي بقابس ليصاحبوا أفلامنا. وفي بعض الأحيان لم يكن لهذه الأغاني علاقة مباشرة بالموضوع الذي يتطرق له الفيلم لكن باختيارنا لبعض هذه الأغاني الملتزمة نكون قد أنقذنا الموقف وأكدنا المنحى النضالي للفيلم.

جالت في خاطري هذه الأفكار والذكريات وأنا أتصفح العدد الجديد من مجلة les cahiers du cinéma لشهر مارس وهذه المجلة الأشهر في عالم السينما تعتبر مؤسسة شاهدة ومساهمة في تاريخ السينما منذ خمسينات القرن الماضي.وقد جاء هذا العدد خاصا عن موسيقى الأفلام
وهو عدد مرجعي في رأيي حول تطور الموسيقى واهم اتجاهاتها الحالية

ولئن انطلقت العلاقة بين الصورة والموسيقى في البداية لأسباب مصلحية بحتة فإنها تطورت خلال العقود الأخيرة لتصبح لا فقط تكاملا بل كذلك إبداعا أو بل قل عشقا خالصا. فقد أدخل السينمائيون في البداية الموسيقى إلى القاعات للتغطية على الضجيج الآتي من آلات العرض الضخمة في بدايات السينما .ثم تطورت هذه العلاقة لتصبح علاقة عشق وهيام ولتصير الموسيقى إلى جانب الصورة عاملا أساسيا في إيقاظ مشاعر المتفرج وآماله وأحلامه العميقة.

والعلاقة بين الموسيقى والصورة عرفت ثلاث مراحل تاريخية أساسية – المرحلة الأولى كانت في بدايات السينما في بداية القرن الماضي وعمد السينمائيون في تلك الفترة إلى إدخال الموسيقى لمصاحبة عروضهم – وقد خصصت بعض القاعات الكبرى أماكن معينة أو ما نسميه اركسترا تعتليه فرق موسيقية تقوم بعزف مقطوعات لمصاحبة الفيلم.
وقد كان لاكتشاف الصوت ومزجه بالصورة للخروج من فترة السينما الصامتة ودخول مرحلة السينما الناطقة انعكاسات هامة على هذه العلاقة بين الصوت والصورة .

لقد أدخلت هذه التقنية ثورة في الميدان السينمائي لتصبح الموسيقى عاملا أساسيا في الكتابة السينمائية وتصاحب وتساهم في الكتابة الدرامية للعمل الإبداعي .وقد عرفت فترة ثلاثينات القرن الماضي تطورا كبيرا في هذا المجال لتنتج تقليدا كبيرا وهو الأفلام الموسيقية أو الكوميديا الموسيقية .وقد عمدت أهم شركات الإنتاج الهوليودية إلى تحويل العروض الموسيقية في برودواي Brodway إلى أفلام سينمائية برز فيها بصفة خاصة الممثل والراقص Fred Astaire

ولم تقتصر هذه النوعية من الأفلام الموسيقية على هوليوود بل امتدت إلى عديد السينماءات العالمية وبصفة خاصة السينما الهندية والمصرية .وقد أمتعتنا السينما المصرية بعديد الأفلام الهامة كشريط « الوردة البيضاء» من بطولة فريد الأطرش وأدخل الرقص الشرقي من بابه الكبير إلى السينما لتحصل سامية جمال وتحية كاريوكا على بطولة عديد الأفلام السنيمائية
لكن الثورة الحقيقية في علاقة السينما بالموسيقى ستبدأ منذ ستينات القرن الماضي. وستبتعد موسيقى الأفلام عن الجانب التصويري الذي ميزها منذ الثلاثينات والذي يعمل على مصاحبة الصورة لتأخذ هذه العلاقة منحى آخر لتصبح الموسيقى السينمائية مجالا للإبداع ولكتابة موسيقية خاصة تساهم مساهمة فعالة في بناء الحلم والأمل الذي يحمله الفيلم وكل شريط سينمائي .

ومنذ ذلك الوقت أوكلت مهمة كتابة الموسيقى السينمائية إلى مبدعين مختصين ولهم دراية كبيرة بخصوص الكتابة في هذا المجال .وقد أصبح لنا في هذا المجال عديد المختصين العالميين في مجال الكتابة الموسيقية فاقت في بعض الأحيان شهرتهم المخرجين أنفسهم .نذكر من بين ملحني الموسيقى السينمائية أشهرهم وهو Ennio Morricone. والذي اشتغل كثيرا مع المخرج
Sergio leonie لتصبح موسيقاه جزءا من عالم المخرج ومن أفلام الوستارن التي اشتهر بها في ستينات وسبعينات القرن الماضي.

كما أذكر كذلك الملحن Nino Rota والذي اشتغل مع المخرج الايطالي الكبير Federico Fellini وقام بتأمين الموسيقى لقرابة 15 شريط من أشرطته. مثال آخر من هذا اللقاء بين ملحن ومخرج والذي يجسد العلاقة العضوية بين الفنين هي العلاقة التي جمعت بين المخرج الفرنسي الكبير Claude Lelouch والملحن Francis Lai والذي اشتغل على 35 شريطا من أشرطة المخرج. كما أود أن أشير إلى علاقة بين احد أهم الملحنين الفرنسيين وهو Philippe Sarde والمخرج الفرنسي الكبير Claude Sautet وهذه العلاقة الحميمية بين الملحن والمخرج نجدها كذلك في اسبانيا بين المخرج الكبير Pedro Almodovar والملحن Alberto iglesias أو في اليابان بين Takeshi Kitano و Joe Hisaishi وقد قدم هذا العدد من مجلة Les cahiers du cinéma أو ... كما يطلق عليها أهل الاختصاص الجيل الجديـد مـن الملحنيـن.

ولئن تختلف التأثيرات الموسيقية للجيل الجديد مقارنة بسابقيهم باعتبار انتمائهم إلى الأنواع الجديدة من الموسيقى كالراب فإنهم يلتقون في اعتبار موسيقى الأفلام فن بذاته وإبداعا يساهم إلى جانب الصورة في بناء كتابة سينمائية تساهم في بناء العالم وإحياء الأمل بغد أفضل
قراءة شيقة لهذا العدد من المجلة السينمائية الأهم في العالم .عدد يشير إلى تطور العلاقة بين السينما والصورة خلال العقود الأخيرة لتصبح علاقة تفاعل وعشق هدفها جعل هذا الفن والأشرطة السينمائية مجالا لشحذ المشاعر الإنسانية والإبحار والحلم بعالم آخر يمكننا من تجاوز انكسارات وهزائم واقعنا اليومي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115