الرجل الذّي لا يريد أن يموت... أو هل قتل أحمد الشرع جمال عبد الناصر حقا ؟

شدني عنوان طريف لمقال الكاتب نورالدين العلوي

" أحمد الشرع يمحو جمال عبد الناصر " منشور بموقع الجزيرة مباشر في الثالث من هذا الشهر وجذبني مقال الكاتب علي أبو هميلة " في ذكرى النكسة: لنمحو جمال عبد الناصر" المنشور بعد أيام بنفس الموقع، طبعا صاحب المقال الأول لا يقصد تناول احمد الشرع للممحاة بيده اليمنى وقيامه بمحو اسم جمال عبد الناصر من الاف الكتب والاطروحات والدراسات الاكاديمية والتقارير الصحفية والمخابراتية والمقالات المقابلات والتسجيلات التلفزية والاذاعية ومحاضر البحث الجنائية الأمنية والعسكرية وهي عملية صعبة ومستحيلة استحالة مطلقة حتى وان مر على وفاة جمال عبد الناصرأكثر من نصف قرن بل يقصد طبعا قيام احمد الشرع بتصفية تجربة جمال عبد الناصر في الحكم ( 1954- 1970) والقطع مع اللوجيسيال الناصري( والعبارة من اختراع الكاتب ) كما فعل نظيره السابق انور السادات في مصر بعد انتصاره في معركة مراكز القوى وانقلابه على المشروع الناصري وتصفية كل رجال دولة عبد الناصر ..لكن ألا تبدو هذه المقابلة / المراوحة طريفة هي الأخرى لاختلاف السياقات التاريخية والمعرفية وظهرت مسقطة اسقاطا ممجوجا لا يستند الى أي معايير علمية دقيقة ٫ فأي علاقة بين جمال عبد الناصر وأحمد الشرع ؟ حتى وان كان والد هذا الأخير مفكرا قوميا ناصريا ومناضلا صلب المشروع الناصري تحمل المنافي و سجون النظام الأسدي كغيره من مئات المناضلين الناصريين على امتداد الوطن العربي في سجون الدول القطرية العربية علاوة على قافلة من الشهداء والجرحى والمشردين.

عبد الناصر الدولة / عبد الناصر المشروع ؛

لم تكن نتائج معركة مراكز القوى سنة 1971 في مصر وتصفية رجال دولة عبد الناصر بعد الانقلاب الساداتي كلها سيئة وشر مطلق بل كانت بمثابة الإعلان الرسمي والفعلي عن ميلاد المشروع القومي الناصري متخلصا من إكراهات وأدران الدولة الرسمية العربية خاصة والنظام الرسمي العربي عامة متجاوزا لإخفاقاتها وهزائمها وتجاوزاتها بحق الوطن والمواطن ، ومن يحلم بثورة نقية طاهرة خالية من العيوب سينبت الربيع على قبره دون أن يراها لأنه ببساطة قامت تلك الدولة القطرية العربية على أنقاض جريمة تجزئة الوطن العربي وما بني على باطل فهو باطل لا تتوقف عن إفراز الظواهر الاجرامية المفتقدة لكل الضوابط الأخلاقية والقانونية حتى وإن حكمها شخص بحجم جمال عبد الناصر في صدقه ونقاوته الثورية ، فكان كليهما عالة على تجذر وتقدم التجربة الناصرية في الحكم ( 1952/1970) وعائقا أمام تحولها الى مشروع فكري سياسي مكتمل البنى المعرفية والنظرية فلقد أنجز عبد الناصر الثورة دون نظرية ثورية مكتملة سابقة ولو عمل على توفير نظرية ثورية قبل قيامه بأي خطوة تثويرية لما قامت الثورة أصلا مقتصرا على ست مبادىء ( 1/القضاء على الإقطاع ،2/.القضاء على الاستعمار، 3/القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم 4، /إقامة جيش وطني قوي ، 5/ إقامة عدالة اجتماعية ، 6/إقامة حياة ديمقراطية سليمة ) ليضيف فيما بعد مؤلفات " فلسفة الثورة " ,"بيان 30 مارس", " يوميات عن حرب فلسطين " ٫ و" في سبيل الحرية " كنتيجة طبيعية لتجربته في الحكم وتفاعله مع المتغيرات السياسية قطريا وقوميا واقليميا ودوليا وفق المنهج التجريبي ٫ منهج التجربة والخطأ ،فالرجل لم يكن مفكرا ولا منظرا لا قبل الثورة ولا بعدها بل كان فقط رجل دولة بإمتياز عاني من اكراهاتها ومكبلاتها وقوانينها الداخلية بل خذلته وحاربته في العديد من المحطات إلى حد أنه فكر أواخر سنوات حكمه في الاستقالة من رئاسة الدولة والتفرغ لتأسيس وبناء المشروع القومي العربي لكن الرحيل جسدا كان أقرب ليكمل بقية المفكرين والكتاب مشوار مهمة بناء اللوجيسيال الناصري بأرضيته الأيديولوجية العلمية الصلبة وأنساقه الفكرية بداية من محمد حسنين هيكل في مقاله بجريدة الأهرام في 14 جانفي 1972 وهو أول من أطلق لفظة الناصرية إلى اليوم مرورا بعصمت سيف الدولة ،نديم البيطار ، محمد عودة ،عبد الله الريماوي ، كمال رفعت ، الياس مرقص ، أحمد زكي ، أنور الشاوي ، حسين فودة وحسين الشرع والد أحمد الشرع وغيرهم ممن قام بمراجعات لتجربة عبد الناصر في الحكم ناقدين ،متجاوزين لأخطاءها ، باحثين عن سبب عثراتها واخفاقاتها ، مقدمين الحلول المستقبلية لإصلاح ذلك وأول خطوة للتجاوز والإصلاح ضرورة الفصل بين عبد الناصر كشخص ترأس أكبر دولة عربية ، وبين عبد الناصر المشروع/ الفكرة ، ومن كان مرتبطا بعبد الناصر كشخص ورئيس دولة مصر ، فعبد الناصر كشخص مات سنة 1970 ، وعبد الناصر كرئيس دولة تم الانقلاب عليه في ماي 1971 ، أما من كان مرتبطا بمشروع عبد الناصر ولوجيسياله ، فمشروعه حي لا يموت يتجدد في زمن هو مكان متحرك وفي مكان هو زمن جامد ، فقد يموت الشخص بكل حسناته وسيئاته أو قد يتم تصفيته و اغتياله والقضاء عليه ولكن الفكرة التي أطلقها ودافع عليها تظل حية لا تموت ولا ولن تمحى أبدا وحين سُئل فولتير عن أعظم شخصية في التاريخ، أجاب أنه العالم إسحاق نيوتن لأنه يحكم العقول بالمنطق والصدق، بينما القادة الآخرون (مثل يوليوس قيصر والإسكندر الأكبر) يستعبدون العقول بالعنف ، و أغلب الناصريين اليوم في تونس وفي الوطن العربي والمهجر مولودون بعد وفاة عبد الناصر بعضهم وصل للحكم في أقطارهم وبعضهم الآخر حمل السلاح وقاتل العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان وكانت الناصرية نبراس كل الأحرار في العالم المعادين للصهيونية والإمبريالية والعنصرية ، ألم يفتخر الرئيس الفنزويلي الراحل يوغو شافيز بأنه ناصري ؟ ألم يكتب نلسون مانديلا :" كنت هناك فى طرف القارة أشب على أطراف أصابعى حتى ترانى ، عفواً لقد تأخر موعدي معكم 25 سنة كاملة ... كان عبد الناصر مصدر إلهام لنا، لأننا نعرف أنه قدم مساندة قوية، ، قدم دعماً لا يوصف بالكلمات، وإنّى سأكون مديناً له". ، فهل من الحكمة والمنطق مواصلة الخلط بين عبد الناصر الشخص والمشروع القومي الناصري ؟ ولمصلحة من يتم كل هذا ؟

هل يكفي هذا ؟ أو الممحاة التي لا تمحي شيئا

الثابت أن لوجيسيال المشروع القومي الناصري مختلف تماما عن الاجراءات التي شرع أحمد الشرع في تنفيذها منذ استيلاءه على السلطة في دمشق شتاء 2024 فهي مستمدة من مشروع سياسي آخر مختلف تماما عن المشروع الناصري بل ومعادي له في كل المجالات السياسية ( داخليا وخارجيا ) والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فلا لوجيسيال المشروع الناصري يقوم على تغذية النعرات الصراعات المذهبية والطائفية ( أزمة أحداث الساحل السوري ومشكل الدروز) ولا على بناء دولة دينية ( الإعلان الدستوري السوري ) ولا على التفريط في السيادة الوطنية والقبول بذلك ( احتلال أجزاء من سوريا من طرف الأتراك والكيان الصهيوني والأمريكان) ولا على الرغبة والإستعداد في الانخراط في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني وفي الدين الابراهيمي٫ ولا على استهداف مقومات العدالة الاجتماعية والتضحية بالفئات الهشة والفقيرة من ذوي الدخل المحدود ٫ ولاعلى الخصخصة والتفويت في مؤسسات القطاع العام لمؤسسات وشركات أجنبية مما آثار حفيظة وغضب الأب حسين الشرع المفكر الناصري وكأنه يسعى إلى قتل مرجعية والده الفكرية والسياسية منتصرا لمشروع الإسلام السياسي الذي تربى وترعرع صلبه ، مازال وفيا له رغم المساحيق الملونة وعمل على نصرته بمختلف الوسائل على أنقاض المشروع الأسدي البعثي ، فلا جمال عبد الناصر ولا المشروع القومي الناصري كانا حاكمين قبل ديسمبر 2024 بل كانا ضحية من ضحاياه منعا واقصاء للأحزاب والتنظيمات الناصرية ، ونفيا وإعدامات وسجونا ومنافي وتشردا للناصريين في سوريا ولا أعتقد أن أحمد الشرع مصاب " بعقدة أوديب " بقدر سعيه إلى قتل أبو محمد الجولاني داخله من أجل أن يكون فقط رجل دولة إسمها سوريا ورئيسا لها لا غير مستفيدا من التحولات الإقليمية والدولية ، لكن ألم يدفع انور السادات حياته ثمنا لانقلابه على المشروع الناصري ودعمه لحركات الاسلام السياسي ؟ وألم تدفع أمريكا ومازلت ضريبة دعمها تأسيس " تنظيم القاعدة" ومساندتها "للأفغان العرب "؟

بقلم خالد الكريشي 

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115