ولكن مهما كان من أمر فمؤسسة الإفتاء إضافة لمهامها المتعددة الإدارية منها والدينية فهي جزء من تونس وشخصية المفتي وخصوصا شخصية الدكتور عثمان بطيخ صاحب المواقف الثابتة المتجذرّة في روح تونس ولعلّ أبرزها معارضته زمن المرزوقي والترويكا لتسفير شبابنا لسوريا وفضحه «جهاد النكاح» وتحريمه واعتباره من الزنا كما يكفي أن يسجّل له التاريخ – حين كان وزيرا للشؤون الدينية - أنّه خلّص جامع الزيتونة من حسين العبيدي وجامع مساكن من البشير بن حسن وجامع الفتح من نورالدين الخادمي وجامع سيدي اللخمي من الجوّادي وبالتالي خلّص بلادنا من «شيوخ» بثّت الفتن والانقسام وزرعت فكرا اجراميا عانت البلاد من جرائه ويلات الإرهاب بكل صنوفه وآلامه ..
بإصداره يوم الاثنين 26 سبتمبر 2016 في سابقة أولى من نوعها بيانا هذا نصه «»إن ما تمر به بلادنا تونس من صعوبات جمة خصوصا منها الاقتصادية ، وتأثير ذلك على الوضع الاجتماعي العام ، ومن منطلق إيماننا بأن الظروف الحالية تحتم تكاتف الجهود بين الجميع وفي كل المناطق والجهات لا تستثني أحدا رجالا ونساء وشبابا وشيبا ، وأن داعي الواجب المقدس في حماية الأوطان والعمل على تنميتها وإعزازها يفرض علينا الاستجابة إلى ذلك ، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم ” المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ”
فإننا نهيب بأبناء شعبنا العزيز أينما كانوا في مواقعهم الإدارية أو في المصانع والمتاجر أو في الحقول أو في المدارس والمعاهد والكليات ، أن يصرفوا جهودهم كاملة الى الإقبال على العمل وعلى الدراسة وأن يجتهدوا في تحسين مردودهم وتطوير مجهودهم ، ولا مناص الى ذلك إلا بترك الاحتجاجات العشوائية والاعتصامات المعطلة للعمل والإنتاج وسد الطرق والإضرار بالملك العام قال تعالى «وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد».
إن تونس اليوم في مفترق طرق فإما أن نخلص الجهد لإنقاذها كلٌّ على قدر مسؤوليته، أو لا قدّر الله كنا كمن قال فيهم المولى عز وجل» يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ” صدق الله العظيم .
حمى الله بلدنا من كل سوء . والسلام عثمان بطيخ مفتي الجمهورية التونسية»
فتوقيت هذا البيان فيه دلالة على معايشة المفتي للأوضاع الراهنة في بلادنا وأمّا مضمونه ففيه كذلك دعوة عامة التونسيين إلى الانكباب على العمل والدراسة وحماية الوطن من خلال العمل على انمائه...وترك الاحتجاجات العشوائية والاعتصامات المعطّلة للعمل والإنتاج
والمضرة بأملاك الغير خاصة في هذا الظرف الاقتصادي الصعب مع حتمية الاقبال على العمل وتحسين مردودهم...
هذا البيان سابقة لكنّها ليست بالغريبة فمفتي الجمهورية لا ينحصر دوره في رؤية الهلال وبعض المناسبات بل دوره أوسع وتأثيره في المعنويات وترسيخ القيم العليا من وطنية وحب العمل وعدم الافساد أشمل وأعمّ ..
فالقضايا الاقتصادية والاجتماعية ليست بمعزل عن المؤسسات الدينية وعن مفتي الجمهورية فالجانب الديني بمعانيه وروحانيته كالدم الذي يجري في كل أعضاء جسد المجتمع، ولذلك في خضم أوضاعنا الاقتصادية و الحياة الاجتماعية المعقّدة في تونس اليوم لا يمكن السير من غير بصيرة و هدىً وتوجيه من عقلاء القوم و القدوات والشخصيات ذات التأثير ...وهذا ما حدا بالدكتور عثمان بطيخ أن يقول بخطابه أن أهل العلم وشيوخ الدين والأئمّة دورهم بناء البلاد بخطاب فيه دعوات للحفاظ على الأمن القومي ودعوات للعمل والعطاء وعدم الإفساد
دون منع الشغّالين من المطالبة بحقوقهم المشروعة ودون مجاملة السلطة حين ترتكب الأخطاء ..وبهذا يعيد سماحة المفتي صورة من الماضي الجميل حين كان علماء تونس الزيتونة مثل الشيخ بن عاشور وجعيط وغيرهما يسهمون مع غيرهم من السياسيين والمثقفين بمواقفهم في بناء المجتمع ونحت شخصيته ولا شكّ أن تأثير علماء الدين خالد و دائم و يجب أن يكون متواصلا في وقائع المجتمع و في مصير الوطن ....