والى حد اليوم لم يتم تنفيذ تلك الأحكام رغم صبغتها الباتة والنهائية والتي لا يمكن الطعن فيها بأي شكل من الأشكال لا بالاستئناف ولا بالتعقيب مما جعل الساحة القضائية على صفيح ساخن خاصة بعد أن تم غلق مكاتب القضاة المعنيين وتغيير أقفالها لأنها تحت طائلة الجرد وإحالة عدد من الشكايات في شأنهم مؤشرات تبيّن أن الأزمة تتعمق شيئا فشيئا والهياكل القضائية وان تستعدّ لخوض سلسلة جديدة من التحركات.
نتج عن تغيير أقفال مكاتب القضاة المشمولين بقرارات توقيف التنفيذ تعطّل ملفات المتقاضين كما تعذّر على القضاة «النواب» مواصلة مهامهم في تعويض زملائهم على غرار ما حصل في المحكمة الابتدائية ببنزرت التي أعلنت رئيستها بالنيابة أن المكتب تم غلقه من جهة غير معلومة وخارج التوقيت الإداري.
وقد انتهت مؤخرا الآجال القانونية الممنوحة لوزارة العدل ووكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية لديها والمحددة بـ 48 ساعة من تاريخ الإعلام لتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية المتعلقة بإرجاع القضاة المعفيين إلى سالف خططهم دون أي نتائج ايجابية تذكر بل على العكس تدل المؤشرات على أن الوزارة تتجه نحو عدم الاستجابة وإتباع سياسة الهروب إلى الأمام وهو ما سيعمق الأزمة وفق قراءة القضاة وعدد من المتابعين للشأن القضائي، هذا وقد اعتبر هؤلاء أن قيام وزيرة العدل بإثارة ملفات وصفت بالكيدية والمفتعلة بعد صدور الأحكام الإدارية وإعلانها أن القضاة المعفيين المقبولة طعونهم أو المرفوضة -أيضا -محل إجراءات تتبعات جزائية بعد أن قالت في وقت سابق أن الملفات جاهزة، بالإضافة إلى إعطائها التعليمات بتغيير أقفال المكاتب وحراستها لأنها تحت طائلة الجرد وذلك مخالف للقانون وللدستور الجديد ويصب في خانة استعمال القوة للتنصل من تنفيذ القرارات النافذة.
من جهة أخرى تمت إحالة 28 شكاية على أنظار النيابة العمومية ضدّ عدد من القضاة المشمولين بالإعفاء والذين صدرت في شأنهم قرارات العودة منها سبع شكايات تعلقت بقاض فقط، جاءت هذه الإحالات بعد عملية تفقد قامت بها التفقدية العامة بطلب من وزارة العدل التي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه ففي الوقت الذي طلب منها الرئيس الأول للمحكمة الإدارية مدّه بالملفات التي كانت سببا في إعفاء القضاة الــ57 استجابت لثمانية ملفات سبعة منها رفضت مطالب اصحابها والثامن محل تحقيق ولم تقدم أي معطيات بشان البقية وبعد صدور الأحكام لفائدتهم أثارت شكايات ضدّ عدد كبير منهم، علما وان هناك ضمن القائمة من لديهم ملفات منشورة لدى التفقدية منذ مدة بشهادة أهل الدار.وضعية جعلت من المحامين الذين تطوعوا لنيابة القضاة المشمولين بالأمر عدد 516 لدى القضاء الإداري يستعدون لخوض مرحلة جديدة من المعركة القانونية والقضائية ، حيث يمكنهم أن يقوموا بمقاضاة وزيرة العدل جزائيا من اجل عدم الإذعان لقرارات المحكمة الإدارية وهي جريمة يعاقب عليها القانون، كما يمكنهم مقاضاة الدولة إداريا وتحميلها مسؤولية التعويض للقضاة، أما الهياكل القضائية من جهتها فهي تستعد لكل الاحتمالات ولوحت بالتصعيد وخوض جميع الأشكال النضالية المتاحة من اجل الدفاع عن حق القضاة وإنفاذ القانون، حيث تقوم بسلسلة من المشاورات لإعداد سيناريوهات سيتم الإعلان عنها قريبا.
من جانب آخر الكرة في ملعب المجلس الأعلى المؤقت للقضاء العدلي الذي يعدّ منذ فترة للحركة القضائية المنتظر الإعلان عنها وقد أبقى على مناصب القضاة دون إعلان الشغورات فيها إلى حين البتّ في طعونهم من قبل القضاء الإداري، اليوم وبعد أن قرر الرئيس الأول إيقاف تنفيذ 49 قرار إعفاء فإنه من المنتظر إعادة إدماجهم من خلال استعادة خططهم ضمن الحركة التي ستحال في وقت لاحق إلى رئيس الجمهورية الذي طالبته تنسيقية الهياكل القضائية بحلّ الأزمة وتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية باعتبار ان الدستور الجديد ينصّ على أن الأحكام تصدر باسم الشعب وتنفذ باسمه. في انتظار الحلول والسيناريوهات
الممكنة تبقى الأزمة قائمة.