الرئيس السابق بن علي وما اثاره هذا الملف من إشكاليات حالت دون تطبيقها على ارض الواقع. لتوضيح الرؤية القانونية لتلك الاتفاقيات التجأ المكلف العام بنزاعات الدولة الى القضاء باعتباره ممثلا للدولة التونسية بصفتها متضررة، قام بالطعن في عدد هام من الاتفاقيات الصلحية منها ما زال قيد البحث والتقصي في حين صدر من اربعة اشهر تقريبا حكم ابتدائي يقضي بمعدومية الاتفاقية الممضاة مع صهر بن علي عماد الطرابلسي، في هذا الاطار اردنا تسليط الضوء على التعليلات التي استندت اليها المحكمة في هذا الملف.
تم ايقاف عماد الطرابلسي منذ سنة 2011 في قضايا تتعلق بالفساد المالي والاداري وبعد تفعيل القانون الاساسي للعدالة الانتقالية وتركيز هيئة الحقيقة والكرامة فتح في اطار آلية التحكيم والمصالحة باب الصلح مع من تسببوا في اضرار مادية كبيرة للدولة التونسية حيث كان سليم شيبوب أول من تقدم بمطلب صلح فنسج على خطاه عماد الطرابلسي وعدد آخر من رجال الاعمال.
بعد انتهاء عهدة هيئة الحقيقة والكرامة ونشرها لتقريرها الختامي رفع الستار عن العديد من الهنات التي صاحبت عمل هذا الهيكل الذي عهّد بقيادة سفينة العدالة الانتقالية لمدة اربع سنوات ولكنها لم تفلح في الارساء بها الى برّ الامان، من بين الملفات التي اثارت جدلا كبيرا تلك المتعلقة بالتحكيم والمصالحة مع المتسببين في اضرار للدولة التونسية والذين تقدموا بمطالب صلح في الغرض وتم ابرام اتفاقيات معهم في اطار التعويض مقابل اسقاط التتبعات الجزائية في حقّهم وقد خير المكلف العام بنزاعات الدولة رغم اكساء عدد من الاتفاقيات من بينها المبرمة مع سليم شيبوب وعماد الطرابلسي وغيرها بالصبغة التنفيذية من قبل الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف اللجوء الى القضاء للطعن في مشروعية وشرعية تلك الاتفاقيات والمطالبة بإلغائها.
وقد تم سماع شهادة عماد الطرابلسي الذي تقدم بمطلب صلح منذ 2015 الى لجنة التحكيم والمصالحة صلب هيئة الحقيقة والكرامة في ماي 2017 من سجن ايقافه بالمرناقية طبقا لما يقتضيه القانون في ما يتعلق بشروط الصلح وهي الاعتراف والاعتذار لكن لم يتوصل طرفا النزاع وهما طالب الصلح والمكلف العام بنزاعات الدولة الى اتفاق ليتدخل مجلس الهيئة بفرض صلح اجباري وتقدير التعويضات التي سيدفعها عماد الطرابلسي للدولة بــ235 مليار منها 200 مليار تسدّد من املاكه وامواله المصادرة اي انه سيدفع فقط 35 مليار وفي صورة تجاوز قيمة ممتلكاته 200 مليار فإن الفارق يرجع اليه.
وقد اعترض المكلف العام بنزاعات الدولة على هذا الاتفاق منذ ديسمبر 2018 لدى المحكمة الابتدائية بتونس التي قالت كلمتها في مارس 2020 واصدرت حكما يقضي بمعدومية تلك الاتفاقية، ولكن السؤال هنا على ماذا استندت في ذلك؟ هذا ما سيجيب عنه نصّ الحكم الذي بيّن ان القرار التحكيمي صدر عن مجلس هيئة الحقيقة والكرامة بمقتضى تفويض من لجنة التحكيم والمصالحة في حين ان قانون العدالة الانتقالية جاء واضحا وصريحا وينص على أن اللجنة سالفة الذكر هي المكلفة دون غيرها بالنظر في مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي ولم يخول لها التفويض في صلاحياتها حول هذه النقطة بالذات وبالتالي فإن القرار التحكمي قد صدر عن جهة -اي الهيئة- غير مختصة حكميا وهو ما يجعله معدوما لمخالفته للقواعد المقررة قانونا والمعدوم لا يمكن تصحيحه او الاعتراف به وفق نص الحكم.
من جانب آخر وفي ما يتعلق بالفصل 41 من القانون الاساسي عدد 53 المتعلق بالعدالة الانتقالية والذي يمنع الطعن في القرارات التحكيمية او طلب ابطالها فقد علّلت المحكمة قرارها بان هذا الفصل وطبقا لما سبق الاشارة اليه اعلاه لا ينطبق على القرار التحكيمي الممضى مع عماد الطرابلسي لأنه لا يكيّف على انه قرار تحكيمي وبالتالي القضاء بإبطال القرار عدد 50 الصادر عن مجلس هيئة الحقيقة والكرامة بتاريخ 27 ديسمبر 2018
وحول ملف المصالحة تجدر الاشارة الى أن الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس اذن لوكيل الجمهورية بابتدائية المكان بفتح بحث تحقيقي في الشكاية التي تقدمت بها العضوة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة ابتهال عبد اللطيف ضد كل من رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي ومبروك كرشيد الوزير الاسبق لأملاك الدولة والشؤون العقارية والمحامية سماح الخماسي في قضية تتعلق بشبهة اكتشاف تلاعب في ملف مصالحة وعقد اتفاقية تحكيم استفاد منها الازهر سطا ،علما وان طلب الاذن بالتتبع في حق هؤلاء قد ورد على محكمة الاستئناف بتاريخ 19 جويلية الجاري وفق ما اكده الحبيب الطرخاني.
تعليلات المحكمة لحكمها بمعدومية اتفاقية الصلح مع عماد الطرابلسي: قرار تحكيمي صادر عن هيئة غير مختصة حكميا والفصل 41 من القانون لا ينطبق عليه
- بقلم نورة الهدار
- 10:15 30/07/2021
- 1242 عدد المشاهدات
عاد الحديث في الآونة الاخيرة إلى الاتفاقيات التحكيمة التي امضتها هيئة الحقيقة والكرامة مع عدد من رجال الاعمال مع أصهار