ودعت المجلس الأعلى للقضاء الى التحرك قصد توحيد تطبيق القانون وشفافية المسارات الإجرائية.
بعد الانتقادات العديدة التي وجهت الى بعض الجهات القضائية في مختلف الملفات سواء منها المتعلقة بالشبهات الإرهابية أو بشبهات الفساد المالي وأخرها كانت حول كيفية التعامل مع ما يعرف بملف «كاكتوس برود» حيث قررت محكمة التعقيب نقض قرار دائرة الاتهام المتعلق بإصدار بطاقة إيداع بالسجن في شأنه وإحالته من جديد على دائرة الاتهام، الاّ انه لم يتمّ تنفيذ قرار محكمة التعقيب والإفراج عن الفهري لتتعهد في اليوم الموالي مباشرة دائرة الاتهام بالملف وتصدر من جديد بطاقة إيداع بالسجن.
«التناقض في تطبيق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية»
إشكالات عديدة طرحت واتهامات عديدة توجه في كل مرة الى الجهات القضائية المعنية خاصّة في ما يتعلق بإصدار بطاقات الإيداع بالسجن ضد من شملتهم التتبعات في قضايا الحال من سياسيين وإعلاميين ومسؤولين بأجهزة الدولة لما أبان عنه إصدار تلك البطاقات من اختلافات والتباسات في تطبيق مقتضيات مجلة الإجراءات الجزائية سواء صلب محكمة التعقيب ودوائرها أو بين محكمة التعقيب ومحكمة الاستئناف بتونس في عديد المسائل الهامة وفق ما واردته جمعية القضاة التونسيين في بيان لها.
وقد تطرقت الجمعية الى العديد من المسائل في هذا الإطار كـ«مدى اختصاص محكمة التعقيب بالنظر في الطعن في بطاقات الإيداع الصادرة على دائرة الاتهام» و«تنفيذ بعض القرارات الصادرة عن محكمة التعقيب بنقض قرارات دوائر الاتهام القاضية بإصدار بطاقات إيداع» و «تواتر صدور قرارات النقض بدون إحالة لقرارات دوائر الاتهام في قضايا تعلقت باستحقاقات مالية كبيرة للدول»، مؤكدة انّ كل ذلك في ظل إعلام قضائي غائب أو غير حرفي ملبس أو متعثر.
وفي السياق نفسه فقد حذّرت جمعية القضاة التونسيين من خطورة هذه الاختلافات التي بلغت حد التناقض في تطبيق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية في غياب العمل بآليات توحيد الاجتهادات القضائية. وأكدت أن الاختلافات المذكورة لم تُطرح سوى في القضايا المرتبطة بالمتهمين في قضايا تتعلق بالفساد وتبييض الأموال والتهريب والإرهاب من النافذين سياسيا وماليا وإعلاميا دون بقيّة القضايا قد أضرّ بالثقة العامة في القضاء وبمبدأ مساواة الكافة أمام القانون وأفضى إلى نتائج عكسيّة تضعف من دور القضاء ونجاعته في مكافحة الفساد والإرهاب كاستحقاقات وطنية ذات أولوية مطلقة وفق ما جاء بنص البيان.
« تفعيل آليات توحيد الاجتهادات القضائية»
شددت جمعية القضاة التونسيين على أن مقتضيات استقلال القضاء والتسيير الذاتي لإدارة العدالة تتطلب أن يتحمل المسؤولون القضائيون والهياكل القضائية كل من موقعه مسؤوليات معالجة التداعيات السلبية لأوجه القصور في توحيد الاتجاهات في تطبيق مقتضيات الإجراءات الجزائية وتطبيق القوانين بشكل عام.
وطالبت المسؤولين القضائيين بمحكمة التعقيب بالسعي لتفعيل آليات توحيد الاجتهادات القضائية من أجل التوصل إلى مواقف وآراء تكون مؤسسة تأسيسا قانونيا وفقهيا متينا يساعد على مقبوليتها وعلى تحقيق توحيد تطبيق القانون وعلى استقرار النظام العام الإجرائي.
وطالبت المسؤولين القضائيين ، وعلى راسهم محكمة التعقيب، بتحمل مسؤولياتهم في ترشيد إدارة العدالة وحوكمتها طبق المقاييس الدولية للاستقلال القضاء بالأخذ وجوبا بالأنظمة التي تعتمد على معايير موضوعية في تعيين القضايا وتوزيعها على الدوائر ومختلف الهيئات القضائية كنظام الزوجي - الفردي المتغير وخاصة في القضايا المرتبطة بالاستحقاقات الكبرى المنوطة بالعدالة في التصدي للفساد وتبييض الأموال والتهريب والارهاب وذلك لاستبعاد شبهات التدخل في توجيه القضايا عبر التعيين الأحادي طبق المعرفة المسبقة بتوجهات الدوائر والقضاة.
ودعتهم إلى ضرورة وضع سياسات لإدارة المحاكم تقوم على حوكمة الزمن القضائي مع إعطاء الأولوية للقضايا المرتبطة بالاستحقاقات الوطنية حتى تتخذ الملفات المتعلقة بها مسارات زمنية طبق الآجال المعقولة دون بطء وتعثر ودون تسرع بما تؤول إلى أداء مستقر للمحاكم في أعمالها القضائية البحثية والاستقرائية والباتتة في الأصل وذلك لاستبعاد شُبهات تزامن السياقات السياسية مع بعض القرارات والأحكام القضائية .
وطالبت المجلس الأعلى للقضاء، باعتباره الضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله، بالتحرك بصفة عاجلة وناجعة بالانكباب على مختلف هذه الأوجه للخلل في إدارة العدالة وفي توحيد تطبيق القانون وشفافية المسارات الإجرائية ووضع خطة اتصالية تنير الرأي العام وتقدم له الأجوبة المقنعة حول كل التساؤلات بخصوص هذا الاضطراب غير المبرر وغير المقبول في النظام العام الإجرائي و للخروج من هذه الأزمة المتفاقمة وتداعياتها الخطيرة على مصداقية القضاء والثقة العامة فيه وفق ما جاء بنص البيان. وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد دعت مؤخرا، كلا من المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل الى ضرورة فتح تحقيق جدي في ملابسات ما تم من إجراءات ومدى مطابقتها للقانون في ما يتعلق بما بات يعرف بملف «كاكتوس برود».