أمر حكومي جديد كان بمثابة بطاقة عبور للقرار الترتيبي الذي كان قد أصدره المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 15 جانفي 2019 والمتعلّق بإحداث خطط قضائية جديدة ،طريقة رفضها المجلس المذكور الذي عبّر عن تمسّكه بصلاحياته في السلطة الترتيبية الخاصة بالمسار المهني للقضاة ولكن الحكومة فرضت الأمر الواقع واستوعبت القرار الترتيبي بأمر حكومي، من جهتها قرّرت جمعية القضاة إلغاء الإضراب التي كانت قد دعت إليه قبل الإمضاء واعتبرت أن هذه الخطوة ايجابية ولمزيد تسليط الضوء على موقف المجلس الأعلى للقضاء بعد هذا الإجراء تحّثنا مع رئيسه يوسف بوزاخر.
جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية أن المجلس الأعلى للقضاء أعاد صياغة القرار الترتيبي الذي أصدره بخصوص الحركة القضائية وذلك إثر الاجتماع الأخير الذي تم عقده يوم 16 ديسمبر 2019 بقرطاج تحت إشراف رئيس الجمهورية،معطيات فندها يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي أوضح أن الحكومة قدّمت خلال ذلك اللقاء مقترح ما أسمته استيعاب القرار الترتيبي بأمر يصدر عنها وهو ما رفضته الجلسة العامة الطارئة للمجلس الذي عبّر عن تمسّكه بسلطته الترتيبية ولكن رغم ذلك فإن الحكومة فرضت الأمر الواقع بوسائلها وفق تعبيره.
خلاف على المستوى القانوني وتحديدا حول من له صلاحية السلطة الترتيبية تسبّب في تعكّر الأجواء بين السلطة التنفيذية ونظيرتها القضائية وفي هذا السياق علّق بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء فقال «لم نكن ننتظر هذه الخطوة من الحكومة رغم تقديمها لمقترح الأمر الحكومي بل كناّ ننتظر مزيدا من التحاور حول المسألة وإيجاد حلّ وسط ولكن السلطة التنفيذية نفّذت مقترحها وهو مخالف لقانون المجلس والخوف كلّ الخوف أن يتم استيعاب كلّ قراراته القادمة، وما أقدمت عليه الحكومة تجريد مؤسسة دستورية من صلاحياتها وسننتظر صدور ذلك الأمر حتى نتعامل مع هذه المسألة بما يلزم علما وان المجلس متمسك بموقفه لأن القرار الترتيبي الذي أصدره مجلس القضاء العدلي قانوني وشرعي بمقتضى الدستور الذي ينصّ على أن القضاء سلطة مستقلة وكذلك القانون الأساسي المنظم لهذه المؤسسة القضائية».
من جهة أخرى وفي ما يتعلّق بالهياكل المهنية فقد قرّرت جمعية القضاة التونسيين بعد إمضاء الأمر الحكومي إلغاء الإضراب الذي كانت قد دعت إليه جميع الأسلاك القضائية واعتبرت ان ذلك خطوة ايجابية ولكنه في المقابل سيبقى على الوضعية تحت المجهر إذ أكدت في بلاغ لها على مواصلة متابعة بقية الجوانب المترتبة على إمضاء الحركة القضائية ونشرها إضافة إلى الأمر الحكومي المتعلق بالوظائف القضائية من حيث الشكليات والمضامين واتخاذ المواقف المناسبة على ضوء ذلك.
في تعليق على إلغاء الإضراب بالرغم من فرض الحكومة للأمر الواقع على السلطة القضائية قال يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء «الهياكل المهنية لها تقديراتها للمسألة فهي تهتمّ أساسا بالمصالح المادية والمعنوي للقضاة أما المجلس الأعلى للقضاء -مؤسسة دستورية- مطالب بالحفاظ على صلاحياته وله أمانة سلطة قضائية مستقلة».
تعطّل نشر الحركة القضائية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بسبب هذا الخلاف كانت له تدعيات جدّ سلبية على الوضعية المادية والمهنية لأكثر من 70 من القضاة المتخرجين حديثا والمشمولين بتلك الحركة بالإضافة إلى القضاة الذين تمت ترقيتهم،هؤلاء جميعهم لا يمكنهم أن يتمتعوا برواتبهم الشهرية إلاّ بعد الإمضاء على الحركة ونشرها بالرائد الرسمي الأمر الذي خلق حالة من الاحتقان على الساحة القضائية.
لئن وجدت الحكومة مخرجا قانونيا تراه سليما ويحافظ على سلطتها الترتيبية من خلال إمضاء أمر حكومي يستوعب قرار مجلس القضاء العدلي المتعلق بالحركة السنوية للقضاة فإن هذه الوضعية لم تكن مريحة بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء الذي أبدى تخوّفه من مثل هذه الممارسات وهو ما خلق مناخا متوتّرا بين السلطتين.