وكذلك مؤشرا لتكريس هيبة الدولة،ولكن معاينة الوضع في تونس ما بعد الثورة يعكس واقعا لا يمتّ لكلّ تلك المبادئ سالفة الذكر بأية صلة، تهرّب وامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية وخاصة تلك الصادرة عن القضاء الإداري،تبريرات تكرّس مقولة «ربّ عذر أقبح من ذنب»كما انه من المفارقات العجيبة في هذا الملف هي أن مؤسسات الدولة والهيئات التي من المفترض أن تكون القدوة في تطبيق القانون نجدها أول من يضرب عرض الحائط بتلك الأحكام ،معضلة عادت للظهور على الساحة من جديد وذلك بعد تصريحات مصفية هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين حول المسألة،هنا تحدثنا مع وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين وعماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية.
حجّر الدستور التونسي الجديد الامتناع عن تنفيذ الأحكام إذ نصّ الفصل 111 منه على أن تصدر الأحكام باسم الشعب وتنفذ باسم رئيس الجمهورية، ويحجر الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها دون موجب قانوني»،كما يعتبر هذا السلوك مخالفا للقانون الدولي وخاصة العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يعتبر تنفيذ الأحكام أمرا ملزما.
خرق القانون المتعلق بالمحكمة الإدارية
أصدرت المحكمة الإدارية منذ أكثر من سنة أحكاما تقضي بإرجاع كلّ من زهير مخلوف،مصطفى البعزاوي وليليا بوقيرة إلى خططهم كأعضاء ورؤساء لجان صلب هيئة الحقيقة والكرامة وذلك بعد إعفائهم من قبل رئيستها سهام بن سدرين،هذه الأخيرة امتنعت عن تنفيذ تلك الأحكام والمبرّر الذي وجدته آنذاك هو «الاستحالة المادية والقانونية للتنفيذ»،عبارة ترجمتها بن سدرين في آخر تصريح لها بأن «الهيئة تنتظر البتّ في القضايا المنشورة في الأصل لأنها قابلة للاستئناف»، هنا أقول في صورة الفصل في تلك القضايا على حدّ قول بن سدرين فكيف لها أن تنفذ الأحكام والهيئة قد أنهت أعمالها أم ستعيد الحقوق لأصحابها بصبغة «شرفية»، نذهب إلى ابعد من ذلك القانون واضح وصريح ولكن يبدو أن مصفية الهيئة لديها قراءة أخرى للمشرّع ، في هذا السياق تحدّثنا مع وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين الذي خرج عن صمته فقال» التبرير الذي قدمته مصفية الهيئة بخصوص عدم تنفيذ قرارات توقيف تنفيذ فيه تعدّ صارخ على أحكام الدستور والقانون وجهل كبير بأدنى مقومات دولة القانون التي من أهمّ أسسها احترام القرارات والتعلّل بانتظار أحكام قضائية في الأصل لأنها قابلة للاستئناف والتعقيب خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لقرارات توقيف التنفيذ ينطوي على خرق القانون المتعلق بالمحكمة الإدارية الذي يوجب على كافة السلط الانصياع لقرارات توقيف التنفيذ فور توصّلها بها».
دائرة استشارية
من جهته وصف عماد الغابري القاضي رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية عدم امتثال هيئة الحقيقة والكرامة لقرارات القضاء الإداري بأنه ضرب من ضروب الفساد،كما قال أيضا في تصريح لشمس أف أم إن «سهام بن سدرين ليست على اطلاع بأحكام القانون الذي ينص على أن واجب تنفيذ الأحكام قاعدة عامة تنسحب على جميع أصناف القضاء الإداري سواء قضاء موضوعي أو استعجالي أو قضاء توقيف التنفيذ.
وللحديث بلغة الأرقام فإن عدد الأحكام الباقية دون تنفيذ يعدّ بالآلاف، كما انه توجد دائرة بالمحكمة الإدارية تقوم بدور الوسيط بين طرفي النزاع علّها تجد طريقة للتنفيذ ترضي الطرفين ،عن هذا الهيكل حدّثنا الغابري فقال «الدائرة هي استشارية تم إنشاؤها منذ سنة 2008 وتتعهد بمطالب من الذين صدرت لفائدتهم أحكام ولم يستطيعوا تنفيذها فهي تتوسط بين صاحب الحكم والإدارة المعنية لإيجاد صيغة لتنفيذ الحكم وهي وظيفة تقوم بها المحكمة الإدارية وغير معروفة من عموم المتقاضين». هذا وقد تلقت هذه الدائرة 30 ملف تقريبا سنة 2016 استجابت الإدارة لتنفيذ ثلاثة أحكام،تعذر التنفيذ في 6 ملفات وتم رفض 8 مطالب شكلا ،كما عبرت الإدارة عن رفضها صراحة التنفيذ في 6 مطالب في حين بقيت 7 ملفات في طور التسوية.
كيف السبيل الى حل هذه «المعضلة»؟
سؤال يطرح في كلّ مرّة يظهر فيها ملف عدم تنفيذ الأحكام على الساحة ولكن سرعانما يعود الى الرفوف دون وضعه على طاولة النقاش والوقوف على أهم الإشكاليات من خلال تشخيص الوضع بهدف الوصول إلى مخرج وآلية واضحة وشاملة،هنا استفهمنا عن عدم تعميم تجربة الدائرة الاستشارية والتعريف بها أكثر فأجاب عماد الغابري « هنالك تفكير أكثر في إصدار قانون يتعلق بضبط آليات التنفيذ يكون واضحا في تحديد الجهة التي ستختص بالنظر في الإشكالات ذات العلاقة بتنفيذ الأحكام وارى شخصيا إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ الأحكام ،نحن ندفع نحو ذلك والكرة في ملعب الحكومة والبرلمان».