عندما اندلعت ثورة 14 جانفي 2011، شعار كان أمل الشعب التونسي في أن يصبح حقيقة وأن تبنى تونس جديدة ،تونس القانون الذي يطبّق على الجميع دون استثناء ولا مجال للمحاباة في ذلك،لأن في احترام القانون وتطبيقه احتراما للدولة بصفة عامة وللسلطة القضائية بصفة خاصة،ولكن ما نعيشه اليوم يجعل هذا الحلم صعب التحقيق في ظلّ الضرب بالقرارات القضائية عرض الحائط،فهاهي ماجدولين الشارني وزيرة الشباب والرياضة تنسج على منوال وزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلي وتقرر الفرار من العدالة من خلال تغيّبها في أكثر من مرّة عن جلسة استنطاق أمام التحقيق في قضية مرفوعة ضدّها من طرف المحامية ليلى الحدّاد الأمر الذي جعل حاكم التحقيق يصدر ضدّها بطاقة جلب مؤخرا.
ماجدولين الشارني هي شقيقة عون الحرس سقراط الشارني الذي استشهد ضمن المجموعة الأمنية التي داهمت منزلا في سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد، وقد شغلت خطّة كاتبة دولة مكلّفة بملف شهداء الثورة وجرحاها قبل أن يتم تعيينها على رأس وزارة الشباب والرياضة.
بداية الحكاية
تعود أطوار القضية إلى 24 مارس المنقضي عندما تقدّمت المحامية ليلى الحداد بشكاية لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضدّ ماجدولين الشارني بتهمة الثلب ونسبة أمور غير صحيحة، جاء ذلك على خلفية تصريح لوزيرة الشباب والرياضة قالت فيه أن ليلى الحدّاد تقاضت مبالغ هامة من عائلات شهداء الثورة وجرحاها تقدّر بخمسة آلاف دينار عن كلّ فرد. قلم التحقيق التاسع عشر بابتدائية تونس فتح بحثا تحقيقيا ووجّه الدعوة إلى المشتكى بها للمثول أمامه من اجل استنطاقها وإجراء المكافحة القانونية ولكن هذه الأخيرة تخلّفت عن الموعد في أكثر من مناسبة، قاضي التحقيق طبّق القانون وتحديدا الفصل 78 من المجلة الجزائية الذي ينصّ على انه « إذا لم يحضر ذو الشبهة أو كان في حالة من الأحوال المبينة بالفصل 85 جاز لحاكم التحقيق أن يصدر ضده بطاقة جلب. وهذه البطاقة تكون مؤرخة وممضاة ومختومة ويذكر فيها ما يميز ذا الشبهة أتم تمييز، مع بيان موضوع التهمة والنصوص القانونية التي تنطبق عليها كما يضمن بها الإذن لكل عون من أعوان القوة العامة بإلقاء القبض عليه وجلبه أمام حاكم التحقيق».القضاء أكد انه ابلغ قرار بطاقة الجلب إلى الجهة المعنية ولكن وزارة الداخلية لا تملك المعلومة المؤكّدة حول ما إذا كان قرار بطاقة الجلب قد وصل إلى الجهة الأمنية مرجع النظر الترابي لمجدولين الشارني أي مركز الأمن الأقرب إلى محلّ سكناها باعتباره الجهة المطالبة بالتنفيذ.
ماذا عن التنفيذ؟
صدور بطاقة جلب ضدّ مسؤولة في مؤسسة من مؤسسات الدولة وذلك بسبب تغيّبها عن جلسات استنطاق لدى قاضي التحقيق يطرح أكثر من تساؤل،لماذا الهروب من العدالة إذ كانت مقتنعة ولديها ما يثبت صحّة تصريحاتها فكان الأفضل أن تمدّ بها القضاء؟من جهة أخرى أبهذه العقلية يمكن بناء دولة القانون والمؤسسات؟،دولة مؤسساتها أو بعض المسؤولين فيها الذين من المفترض أن يكونوا القدوة في تطبيق واحترام القانون نجدهم هم أول المخالفين له. ماجدولين الشارني ليست الحالة الأولى التي تضرب بالقانون عرض الحائط فوزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلي كان سباقا في ذلك وهو إلى اليوم فار من العدالة وأحيل بحالة فرار في قضية التآمر على أمن الدولة. وزيرة الشباب والرياضة تحدّثت بعد صمت طويل عن المسألة وأوضحت بمناسبة حضورها في موكب إحياء ذكرى أحداث سيدي علي بن عون « وسائل الإعلام قدّمت ربع الحقيقة و أنّه كان من المفروض الحديث أيضا عن الاخلالات الإجرائية والشكلية» وهو ما اعتبرته تشويها، هذا وأشارت إلى أنّها تقدّمت بمطلب استجلاب الملف منذ أسبوعين ومن خلال الرد سواء بالرفض أو القبول ستمتثل للقرار القضائي وفق تعبيرها.إذا كانت القناعة منذ البداية أنه لا أحد فوق القانون وأنها ستمثل أمام القضاء فلماذا تركت الأمر يصل إلى حدّ بطاقة الجلب؟.من جهة أخرى وبخصوص البطاقة سالفة الذكر لماذا لم تنفّذ إلى اليوم والحال أن القضاء يؤكد تبليغها إلى وزارة الداخلية ولا اعتقد أن مقرّ سكنى الشارني غير معروف ؟ فهل هناك معاملات خاصة بالـ»المسؤولين الكبار في مؤسسات الدولة» كالوزراء مثلا تستوجب إجراءات استثنائية كدراسة القرار القضائي والتأني في وضع المعني بالجلب ضمن قائمة المفتش عنهم وفي تنفيذ بطاقة الجلب؟ من المفترض أن يكون الجميع سواسية أمام القانون ولا مجال للتمييز بين وزير ومدير ومواطن عادي إذا أردنا بناء دولة قانون فعلا.