و تسمية القضاة العاملين بها منذ عهد الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ،فمنذ مارس المنقضي انطلقت هيئة الحقيقة والكرامة في إحالة الملفات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذلك طبقا للفصل 42 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية الذي ينصّ على أن «تحيل الهيئة إلى النيابة العمومية الملفات التي يثبت لها فيها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ويتم إعلامها بكل الإجراءات التي يتم اتخاذها لاحقا من قبل السلطة القضائية ولا تعارض الملفات الواقع إحالتها بمبدأ اتصال القضاء». من جهة أخرى فإن قرار عدم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة كانت له عديد التأثيرات الجانبية خاصة بالعودة إلى مذكرة المتفقد العام بوزارة العدل الصادرة في 28 ماي المنقضي والتي توجه فيها إلى رؤساء المحاكم وقضاة الدوائر المتخصصة بضرورة الالتزام بقرار عدم التمديد ليأتي وزير العدل ويلغي تلك المذكرة ولكن الجدل بقي قائما.
ما عمّق ذلك الجدل هو الاتفاق الممضى بين وزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني باسم الحكومة وهيئة الحقيقة والكرامة الذي التزمت فيه باستكمال إحالة ملفات الانتهاكات على الدوائر المتخصصة ومهام أخرى جعلت الهيئة تعتبر هذا الالتزام تمديدا معتبرة أن ما طلب منها لا يمكن أن ينتهي في اقل من ستة أشهر وهي المدة التي طلبتها في التمديد.
«إسقاط قضايا العدالة الانتقالية»
أثارت مذكرة المتفقد العام بوزارة العدل جدلا واسعا في صفوف أهل القطاع الذين اعتبروها تدخّلا واضحا وصريحا في القضاء ومضمونها يشكّل خطرا على استقلال المحاكم والقضاة وكذلك الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية،فجمعية القضاة التونسيين رأت دعوة المتفقد العام للمشرفين على المحاكم والدوائر المذكورة إلى عدم مد هيئة الحقيقة والكرامة بالمعلومات بخصوص القضايا المنشورة لديها وعدم تسلم الملفات التي تحيلها عليهم تاريخ 31 ماي 2018 والأخذ بعين الاعتبار ما تقرّر بخصوص عدم التمديد للهيئة بعد ذلك التاريخ أمر غير معقول وان المذكرة تفتقر إلى أي سند قانوني موضحة أنه ليس من صلاحيات المتفقد العام بوزارة العدل مخاطبة المشرفين على المحاكم والقضاة والدوائر القضائية والدوائر القضائية المتخصصة بشأن تعهدها بالقضايا أو إنهاء تعهدها وإسقاط قضايا العدالة الانتقالية وفي ذلك خرق للفصل 109 من دستور.
وزير العدل يتدخل
أصدر وزير العدل ووزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبي بتاريخ 21 جوان الجاري منشورا يقضي بإلغاء المذكرة المثيرة للجدل والتي تتعارض كلّيا مع الاتفاق الثنائي الممضى مؤخرا بين الحكومة وهيئة الحقيقة والكرامة بقطع النظر عن مدى تأثيره على سير القضاء وفق رؤية أهل القطاع ،هذه الخطة تحسب لصالح وزير العدل الذي أنقذ الموقف وتجنّب الدخول في منعرج غامض،في هذا السياق وصفت جمعية القضاة التونسيين هذا التدخل بالمهم في علاقة بإنجاح مسار العدالة الانتقالية من خلال مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة تعهيد القضاء بملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وملفات الفساد المالي وفق بيان جمعية القضاة.
أين الدوائر في هذا المشهد؟
بالرغم من صدور مذكرة المتفقد العام بوزارة العدل وقبل أن يتم إلغاؤها بمقتضى منشور وزير العدل فإن الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية واصلت تعهّدها بملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حيث تم بتاريخ 18 جوان الجاري تعهيد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس للدائرة القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة بقضية شهداء وجرحى الثورة بالكرم الغربي،مسار نوّهت به جمعية القضاة التونسيين التي دعت قضاة تلك الدوائر إلى ضرورة الاستمرار على ذلك في ممارسة وظائفهم القضائية وذلك بالتعهد بقضايا العدالة الانتقالية والحكم فيها.هذا وحذّر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين المجتمع مؤخرا مما أسماه تعمّد افتعال أي عراقيل مباشرة أو غير مباشرة تؤدي لتهميش أو إضعاف دور الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في الاضطلاع بمهامها وطالب الجهات الرسمية بتوفير أفضل الظروف لتلك الدوائر من اجل تحقيق أفضل النتائج في المسار الوطني للعدالة الانتقالية وفي إنصاف الضحايا. هنا يمكن القول بأن الدوائر القضائية المتخصّصة وجدت نفسها بين مطرقة ضرورة التعهد بملفات الانتهاكات الجسيمة التي تعدّ بالآلاف وإنصاف الضحايا وبين سندان الضغوطات من هنا وهناك والجدل الحاصل حول ملف هيئة الحقيقة والكرامة وما خلّفه من تداعيات على مستويات مختلفة ومنها القضاء لتجد تلك الدوائر نفسها في دائرة الضوء والجميع ينتظر منها الكثير.