تشريعية سنّت في الغرض إلاّ أن أهل القطاع اعتبروا ميلاد هذا الهيكل القضائي خطوة مهمة في تاريخ القضاء التونسي وفي مسار الانتقال الديمقراطي بصفة عامة وانطلق القضاة في بناء أحلامهم ببناء قضاء مستقل بعيدا عن التعليمات والتجاذبات ،ولكن يبدو أن الرياح لم تجر كما تشتهي السفينة القضائية حيث عاش المجلس الأعلى للقضاء على وقع هزّات وخلافات داخلية لا تزال تلقي بظلالها على سير أعماله خاصة على مستوى مجلس القضاء العدلي وكذلك الإداري.
المجلس الأعلى للقضاء شهد تغييرا على مستوى رئاسته حيث وبعد أن قرّر حاتم بن خليفة الاستقالة من منصب الرئيس المؤقت لهذا الهيكل القضائي تم تعويضه بالهادي القديري،علما وأن الخليفي علّل استقالته بأنه لا يمكنه أن يكون رئيسا صوريا دون صلاحيات بعد أن استحوذت عليها الجلسة العامة على حدّ قوله.
مجلس القضاء العدلي محلّ انتقاد
يعتبر هذا المجلس القطاعي من أكثر المجالس الثلاثة حركية باعتباره مكلّفا بكل ما يخصّ المسار المهني للقضاة ،حيث خاض أول امتحان له خلال السنة الفارطة وهو إعداد الحركة القضائية رغم الظروف السلبية التي أحاطت بالمجلس الأعلى للقضاء بصفة عامة من غياب للمقرّ مرورا بغياب الاعتمادات وفق تقدير أعضائه ،تجربة لاقت انتقادات لاذعة من قبل جمعية القضاة التونسيين التي اعتبرت أن المعايير التي اعتمدها مجلس القضاء العدلي في الحركة القضائية للسنة الفارطة هي الولاءات والمحاصصة ،في المقابل اعتبر المجلس المعني نفسه قد نجح في هذه الخطوة،اليوم وفي الوقت الذي يستعد فيه مجلس القضاء العدلي لحركة قضائية جديدة وبعد إعلانه عن جملة المعايير التي سيتم اعتمادها من بينها نظام التنقيط وهو معيار جديد فإنه لم يسلم من انتقادات الجهة نفسها حيث قال انس الحمايدي في هذا السياق خلال تصريح سابق إن «المعايير المعتمدة تشوبها جملة من الخروقات والاخلالات وكذلك قائمة الشغورات المعلن عنها ففي الوقت الذي من المفترض أن تكون فيه الحركة القضائية بوابة للإصلاح القضائي فإنها اليوم وللأسف أصبحت تشكّل خطورة بالغة في تغييب واضح للهياكل القضائيّة وعدم تشريكهم في هذه العمليّة رغم توجهها بمطالب إلى مجلس القضاء العدلي» من جهة أخرى وصف الحمادي المجلس سالف الذكر بأنه يتوخى سياسة الانغلاق والإقصاء وضرب المبادئ التي كرّسها الدستور.وفق تعبيره،وتجدر الإشارة إلى أن بقية الهياكل القضائية يبدو أنها خيّرت الصمت باعتبارها لم تعلن عن أي موقف مع أو ضدّ عمل مجلس القضاء العدلي.
تنازع في الاختصاص
لئن كان مجلس القضاء العدلي يتلقى انتقادات وهجمات خارجية فإن مجلس القضاء الإداري يعاني من احتقان داخلي تسبب في تعطيل أشغاله وإلغاء جلسات بسبب عدم إدراج نقاط معينة ضمن جدول أعمالها،هذا المشهد جعل اتحاد القضاة الإداريين يتدخل ويصدر بيانا نبّه فيه إلى خطورة الوضع إذا تفاقمت الأزمة داخل هذا الهيكل،هذا ودعا أعضاء مجلس القضاء الإداري إلى وضع المآرب الشخصية جانبا،وبالعودة إلى فحوى الخلافات الداخلية فهي أساسا بين مجلس القضاء الإداري والجلسة العامة أو ما يسمى بلغة القانون بتنازع الاختصاص. الوضع اليوم يشير إلى بوادر أزمة حقيقية داخل المجلس الاعلى للقضاء بصفة عامة ومجلس القضاء الإداري بصفة خاصة ويمكن أن تتسبب في انشقاق داخلي وبالتالي إعادة سيناريو البداية. فإلى متى هذا الحال؟ من المسؤول على كلّ ما يحدث؟ وهل تعديل القانون هو الحلّ؟.