بولاية قابس ملف الضحية كمال المطماطي الذي تم خطفه وتعذيبه حتى الموت وإخفاء جثّته إلى يوم الناس هذا ،واقعة تعود أطوارها إلى سنة 1991 روتها أمه وزوجته في إحدى جلسات الاستماع التي عقدتها هيئة الحقيقة والكرامة مؤخرا إذ قرّرت هذه الأخيرة إحالة الملف على القضاء باعتباره يندرج ضمن الانتهاكات الجسيمة. نعود إلى انّ الجلسة هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس حيث وبعد المناداة على المتهمين او مرتكبي الانتهاك في حقّ المطماطي تبيّن انه لم يحضر أحد منهم ،في المقابل حضرت عائلة الضحية وسط أجواء خاصة.
وللتذكير فإن هيئة الحقيقة والكرامة قد انطلقت في إحالة ملفات الانتهاكات الجسيمة على الدوائر المتخصصة منذ مارس المنقضي وكان ملف كمال المطماطي أولها علما وان تلك الدوائر انطلقت فعليا في أعمالها منذ 20 فيفري الفارط. هذا الملف أحيل بمقتضى لائحة من وحدة التحقيق بالهيئة المعنية
أجواء الجلسة
أجريت أولى جلسات ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المحكمة الابتدائية بقابس وسط أجواء من الاحتقان والفوضى ،من جهة أخرى وبعد المناداة على المتهمين تبّين انه لم يحضر أحد منهم ،من جهة أخرى وبالنسبة للتهم المنسوبة إليهم فهي تتعلق بالقتل العمد المسبوق بالتعذيب والمتبوع بإخفاء ما يثبت الجريمة والجثّة أيضا وذلك طبقا لأحكام الفصل 204 من المجلة الجزائية والتعذيب الناتج عنه الموت طبق للفصل 101 مكرر و101 ثانيا من نفس المجلة والاختفاء القسري طبقا للفقرات 1 و3 و6 من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري. من بين المتهمين أو مرتكبي الانتهاك هم الرئيس السابق وهو بحالة فرار ومحمد علي القنزوعي ،عبد الله القلال وعز الدين جنيح بالإضافة إلى عدد من الأمنيين الذين قاموا بعملية التعذيب والإخفاء.هذا وقد حضرت عائلة الضحية إذ تم سماع شهاداتهم أمام المحكمة.
وقفة احتجاجية
في الوقت الذي انطلقت فيه جلسة المحاكمة لأكثر من 10 أشخاص متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ملف كمال المطماطي فإن عددا من ممثلي المجتمع المدني نفذوا وقفة احتجاجية أمام مقرّ المحكمة وطالبوا بكشف الحقيقة الكاملة وبايجاد جثّة الضحية، رافعين شعار «وينو كمال»،من جهة أخرى طالب المحتجون بالسماح لهم بدخول قاعة الجلسة لمتابعة حيثياتها ولكن يبدو أن الظروف لا تسمح بذلك لأن القاعة مساحتها ضيقة. هذا وقد اعتبرت جمعية القضاة التونسيين في بيان لها أن هذه الجلسة وهي الاولى من نوعها تعتبر حدثا قضائيا تاريخيا ووطنيا راجية ان تكون خطوة نحو تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب والقطع مع الماضي.
أطوار القضية
حادثة وفاة كمال المطماطي تعود أطوارها إلى تاريخ 7 أكتوبر 1991 عندما أقدم أعوان امن على مداهمة الشركة الجهوية للكهرباء والغاز بقابس واقتياد المطماطي ونقله عنوة في سيارة أمنية وكانت الوجهة مقر منطقة الشرطة بالمنطقة اين تم تعذيبه والتنكيل به إلى أن فارق الحياة بعد معاينة الطبيب له ،بعد ذلك تم نقل الجثة الى مستشفى قوات الأمن الداخلي بالمرسى بأمر من رئيس المصلحة الذي تلقى أمرا مباشرا من رئيسهم بوزارة الداخلية.في اليوم الموالي لوفاة كمال تحولت عائلته إلى منطقة الشرطة بقابس للسؤال عن مصير ابنها فكانت الإجابة أنه لم يوقف وأنه ليس بالمقر رغم أن الزوجة شاهدت بأم عينها اسمه ضمن قائمة الموقوفين بدفتر الإيقاف وتواصل هذا الإنكار طيلة الأشهر والأعوام وكانت العائلة تبحث عن ابنها بأماكن الاحتجاز والسجون والمستشفيات و حتى الثكنات العسكرية بمختلف أنحاء الجمهورية واتصلت بمسؤولي وزارة الداخلية والسلطات القضائية ورئاسة الجمهورية ولكن دون جدوى.