أول الملفات بالدائرة الجنائية المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بقابس أمس الثلاثاء 8 ماي الجاري تتعلق بعملية اختفاء قسري لكمال المطماطي، خطوة تاريخية تحدث لأوّل مرة في تونس أن تفتح ملفات الانتهاكات من قبل دوائر متخصصة ،علما وأن هيئة الحقيقة والكرامة قد أحالت ثلاثة ملفات فقط موزعة على ثلاث ولايات الكاف ،نابل وقابس وهو عدد يعتبر ضئيلا جدّا مقارنة بالكم الهائل من ملفات الانتهاكات الجسيمة المحالة عليها والبالغ عددها 57 ألف ملف طبقا لما أفادنا به وليد المالكي عضو بالمجلس الأعلى للقضاء الذي قدّم لنا تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع.
تمت تسمية قضاة الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية من قبل الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي منذ 13 نوفمبر 2015 ولكن انطلاق عملها الفعلي كان في فيفري 2018 ،علما وان مجلس القضاء العدلي صلب المجلس الأعلى للقضاء قد تولى في 4 ديسمبر 2017 مراجعة تلك التسميات وذلك لسدّ شغورات حصلت بسبب الإحالة على التقاعد والحركة القضائية.
«خطوة تاريخية»
تتعهد الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية طبقا للفصل 9 من القانون النظم لها بالنظر في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على غرار القتل العمد،الاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، التعذيب، الاختفاء القسري،الإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة،كما تتعهد هذه الدوائر بالنظر في الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات وبالفساد المالي والاعتداء على المال العام والدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية المحالة عليها من الهيئة.علما وان هيئة الحقيقة والكرامة تحيل الملفات مباشرة إلى النيابة العمومية الراجع لها الملف بالنظر ترابيا وهي تقوم بالإحالة الآلية على تلك الدوائر أي أن مرور الملفات على النيابة العمومية هو مجرّد إجراء إداري لا غير.أمس الثلاثاء 8 ماي الجاري من المؤكد أنه سيسجّله التاريخ وسيبقى محفورا في ذاكرة التونسيين عامة وعائلة كمال المطماطي بصفة خاصة حيث فتحت الدائرة المتخصصة بقابس ملفا مرّت عليه سنوات وكلّها أمل في أن يتم تفكيك هذا اللغز ومعرفة من يقف وراء مقتل ابنها.في هذا السياق قال وليد المالكي عضو بالمجلس الأعلى للقضاء «إحالة هذا الملف وغيره تمت في إطار القانون وهو يتعلق باختفاء قسري وهو أول ملف يفتح وهذه خطوة من المؤكد أنها تاريخية وايجابية وقضاة الدوائر الـ13 أمامهم مسؤولية جسيمة ومهمة كبرى خاصة وان الأمر يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وهي ملفات متشعبة ومن الحجم الثقيل « هذا وأكد المالكي أن كلّ الدوائر جاهزة لتلقي الملفات داعيا في ذات السياق هيئة الحقيقة والكرامة إلى إحالة الملفات عليها.
ملف من الحجم الثقيل
تعود أطوار حادثة اختفاء كمال المطماطي إلى يوم 07 أكتوبر 1991 حيث قدم أعوان الأمن إلى مكتب مدير فرع شركة الكهرباء والغاز بقابس أين يعمل كمال كمساعد مهندس وقبضوا عليه واقتادوه إلى مقر منطقة الشرطة بالمنطقة ،بمجرد وصوله تداول أعوان الأمن على ضربه في مختلف أنحاء الجسم فأغمي عليه نتيجة كسور لحقته بيديه ولكن أصر الأعوان على مواصلة التنكيل به وضربه بعصا بكل قوة ووحشية فسقط مغشيا عليه وفارق الحياة نتيجة ذلك. بعد أن تحقق الطبيب من وفاته،عندها قام الأعوان بسحب الجثة إلى خارج المكتب وقد أوهموا الموقوفين مع كمال حين افتقدوه انه تم نقله لمقر وزارة الداخلية لمواصلة البحث معه. وجاء على لسان الأمنيين أنهم تولوا نقل جثة الضحية في ليلتها إلى مستشفى قوات الأمن الداخلي بالمرسى بأمر من رئيس المصلحة الذي تلقى أمرا مباشرا من رئيسهم بوزارة الداخلية.في اليوم الموالي لوفاة كمال تحولت عائلته إلى منطقة الشرطة بقابس للسؤال عن مصير ابنها فكانت الإجابة أنه لم يوقف وأنه ليس بالمقر رغم أن الزوجة شاهدت بأم عينها اسمه ضمن قائمة الموقوفين بدفتر الإيقاف وتواصل هذا الإنكار طيلة الأشهر والأعوام وكانت العائلة تبحث عن ابنها بأماكن الاحتجاز والسجون والمستشفيات و حتى الثكنات العسكرية بمختلف أنحاء الجمهورية اتصلت بمسؤولي وزارة الداخلية والسلطات القضائية ورئاسة الجمهورية ولكن دون جدوى. بعد الثورة فك الحصار على العائلة التي تقدمت بشكاية لوكيل الجمهورية بقابس وتعهد حاكم التحقيق بالبحث واستمع للشهود الذين ذكروا حقيقة إيقاف كمال وطريقة تعذيبه ووفاته بمركز الإيقاف. كما ان الأمنيين اعترفوا بالتعذيب الناجم عن الوفاة لكن حاكم التحقيق حفظ التهم في حق الأعوان لانقضاء الدعوى بمرور الزمن وهو ما أقرته أيضا محكمة التعقيب وبقية المحاكم التي نظرت سنة 2016 في هذا الملف فرأت العائلة أن تودع ملفها لدى هيئة الحقيقة والكرامة الذي أحالته على الدائرة المتخصصة بقابس.