التي كانت من بين الملفات المسكوت عنها ولا أحد يتجرأ على الخوض فيها او حتى مجرد التفكير في ذلك زمن النظام السابق. اليوم هناك عدد كبير من ضحايا الاستبداد والتعذيب خرجوا عن صمتهم ولجؤوا إلى القضاء علّه يعيد لهم ما ضاع من كرامتهم واعتبارهم وحقهم الذي اغتصبته أيادي التعذيب في دهاليز وزارة الداخلية ومراكز الإيقاف منذ سنوات عديدة،من جهة أخرى وعلى ارض الواقع تم تركيز الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وذلك منذ موفى مارس 2016،هيكل يعمل على الحدّ من ظاهرة التعذيب من خلال البحث والتقصي في ملفات ضحايا سواء عن طريق الإشعار أو التحرك التلقائي لأعضاء الهيئة ،عن هذه النقاط وغيرها خاصة حول آخر المستجدات في ما عرف بملف محكمة بن عروس تحدثنا مع سيدة مبارك المكلفة بالملف ورئيسة لجنة المرأة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة.
أحداث المحكمة الابتدائية ببن عروس تعود أطوارها إلى تاريخ 23 فيفري المنقضي عندما تجمهر عدد كبير من النقابيين الأمنيين أمام مقر المحكمة مطالبين بإطلاق سراح زملائهم الذين تم التحقيق معهم في ملف شبهة تعرض احد الموقوفين إلى الاعتداء بالعنف،الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب تحوّلت على عين المكان لرصد الأحداث ولكن فوجئت سيدة مبارك العضو المكلف بهذه المهمة بمنعها من مقابلة الموقوف بغرفة الإيقاف بتعلة أن هذا المكان ليس مكان احتجاز وبالتالي لا يدخل في اختصاص الهيئة وذلك من قبل وكيل الجمهورية بتلك المحكمة.
وزارة العدل على الخط
في الوقت الذي تواصل الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب تقصيها حول ملف الموقوف في قضايا إرهابية عامر البلعزي والذي تعرض إلى اعتداء بالعنف من قبل أعوان امن فقد راسلت وزارة العدل لرفع الالتباس الحاصل بخصوص عدم السماح لها بدخول غرفة الإيقاف بابتدائية بن عروس،الوزارة أجابت بصفة رسمية أن غرف الإيقاف بالمحاكم ترجع بالنظر إلى سلطة رئيس المحكمة ووكيل الجمهورية بها وليس للوزارة أي سلطة عليها ،هذا وراسلت الهيئة أيضا منذ 30 مارس المنقضي المجلس الأعلى للقضاء في نفس الموضوع والى اليوم تنتظر الردّ على مراسلتها فهل يجيب المجلس أم يعتبر هذا الملف ليس من اختصاصه أو ليس مستعجلا؟.في هذا السياق تحدثنا مع سيدة مبارك رئيسة لجنة المرأة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة فقالت «القانون واضح وصريح إذ يمنح الهيئة صلاحية زيارة أماكن الاحتجاز وغرف الإيقاف تندرج ضمن هذا الإطار و لكن الوزارة لا تعتبرهم ضمن صلاحياتها ووكلاء الجمهورية كل يؤول القانون وفق ما يراه مناسبا»هذا وأضافت محدثتنا «هذه هي المرة الوحيدة التي نقوم فيها بزيارة موقوف بالمحكمة ولم تأت فرصة أخرى كما أنها المرة الوحيدة التي نمنع فيها من دخول غرفة إيقاف ولكن سبق وأن قابلنا وكيل جمهورية في محكمة أخرى وسألناه عن الإجراءات ومكننا من التثبت فيها كما اطلعنا أيضا على السجل الخاص بشكايات التعذيب»
ماذا عن السجون؟
وفق ما نص عليه القانون الاساسي عدد 43 لسنة 2013 فإن من ابرز مهام الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب هي «القيام بزيارات دورية منتظمة وأخرى فجئية دون سابق إعلام وفي أي وقت تختاره لأماكن الاحتجاز التي يوجد فيها أشخاص محرومون أو يمكن أن يكونوا محرومين من حريتهم»،هنا توجهنا بالسؤال إلى سيدة مبارك حول كيفية تعامل المسؤولين في السجون مع الهيئة ومدى احترامهم لصلاحياتها ومهامها والقانون أيضا فأجابت» في السجن دخلنا لجميع المرافق حتى الزنزانة ولكن في بعض السجون تم منعنا من شيء آخر وهو التصوير والقانون يسمح لنا بالتوثيق بجميع الوسائل،على كل حال نحن لا نزال في أول الطريق مع العلم أننا قمنا ببرنامج تحسيسي كبير مع مختلف الهياكل في جميع الولايات وكذلك مع المجتمع المدني وملف البلعزي ساهم في التعريف بالهيئة على أوسع نطاق إعلامي».
الإشكال في العقلية أم في القانون؟
الوقاية من التعذيب مصطلح جديد في تونس ما بعد الثورة والتي لا تزال في السنة أولى ديمقراطية ولم تكرّس هذه العبارة بعد في عقلية المواطن والمسؤول كما هناك حديث أيضا عن أولئك الذين لا يريدون للهيئة أن تفتح عديد الملفات، هنا على هذا الهيكل حديث النشأة أن يعمل على تكريس مبدإ الوقاية من التعذيب وذلك من خلال التعريف بنفسه وغير ذلك من الخطوات الأخرى التي تحدثت عنها السيدة مبارك فقالت «يجب على الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أن تقوم بلقاءات تشاركية لتحسيس جميع الأطراف كما نقوم دائماً بتسجيل هذا النوع من الإشكالات في تقاريرنا التي ترفع للعموم والرئاسات الثلاث والجهات الدولية وهذا ما حدث في ملف الموقوف عامر البلعزي كما يمكن القول بأن حقوق الإنسان عقلية وثقافة».
ملفات ستحال على القضاء
من جهة أخرى ولمعرفة آخر المستجدات في ملف الموقوف عامر البلعزي وبقية الملفات الموجودة على طاولة لجنة التقصي فقد أوضحت محدثتنا بأن اللجنة اعتمدت استراتيجية خاصة بها متمثلة في جمع الملفات التي تم انتهاك حقوق أصحابها من أشخاص معينين في مكان احتجاز معين ثم ترفع الأمر للقضاء ضد المنتهكين ومكان الانتهاك عند استكمالها يتم إعلام العموم بها وما يمكن قوله الآن هو أنه يوجد تقدم ملحوظ في الأشغال وربما تحال الملفات على القضاء في آخر هذه الصائفة لأن التقصي ليس بالأمر الهين بل يتطلب وقتا لتجميع المعلومات وربطها وتشبيكها» هذا وقد تحفظت مبارك على ذكر العدد الجملي للملفات المودعة لدى الهيئة. أما بخصوص أنواع الانتهاكات فقالت «فيها سوء معاملة وفيها اعتداءات جسدية وفيها عقوبات لا إنسانية ومهينة وفيها حرمان من الحقوق كل هذا في أماكن مختلفة وهي انتهاكات حقيقية لكنها ليست ممنهجة ضد سجناء في قضايا الإرهاب وحق عام وغيرها.كل هذا يدخل تحت باب التعذيب حتى سوء المعاملة النفسية تسمى تعذيب أما الأسباب فهي مختلفة منها ما يتعلق بظروف العمل ومنها عقلية الاعتداء والعنف يجيب... وغياب التكوين للمشرفين عليهم في حقوق الإنسان وحقوق المحتجزين وطرق التعامل دون إهانة وضرب وإساءة فكل هذه العوامل تعرض المحتجز إلى الانتهاكات زد على ذلك الاكتظاظ والنقص في عدد المشرفين مقارنة بعدد المحتجزين، وعدم تفعيل العقوبات البديلة».
التقرير السنوي للهيئة في موفى ماي المقبل
صرّحت سيدة مبارك رئيسة لجنة المرأة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة صلب الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بأن هذه الأخيرة بصدد إعداد تقريرها السنوي وقد تقدمت فيه اشواطا كبيرة حيث من المنتظر أن يرى النور في موفى ماي المقبل،هذا التقرير سيتضمن عمل الهيئة على امتداد سنة كاملة وما رصدته من انتهاكات وكيف تعاملت معها.